"إنها أسوأ أصدقاء الولايات المتحدة"، بهذه الكلمات وصف أمريكي مرموق العلاقات بين الرياض وبلاده، كاشفاً عن شكوك بأن السعودية ابتزت الملياردير الأمريكي جيف بيزوس لصالح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
فقد كشف ديفيد روثكوبف، الأستاذ بكلية الشؤون العامة والدولية بجامعة كولومبيا الأمريكية، والباحث الزائر بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في مقال نشره بموقع The Daily Beast الأمريكي، تصرفات خطيرة للرياض داخل الساحة الأمريكية.
لماذا السعودية أسوأ أصدقاء الولايات المتحدة؟
يقول روثكوبف ما كنتم لتعلموا كم أنَّ المملكة حليفٌ فظيع بالنظر إلى المعاملة اللطيفة للغاية التي تحصل عليها من الرئيس ترامب، وصهره كوشنر، ووزير خارجيته، ومؤخراً وزير الطاقة ريك بيري، الذي ظهر من قبل ضمن برنامج "Dancing with the Stars" (أو "الرقص مع النجوم"، وهو برنامج شهير في الولايات المتحدة).
لكنَّ العلاقة المَرَضية بين فريق ترامب ومحمد بن سلمان هي أحد الأسباب التي تُوجِب النظر إلى الصداقة مع السعوديين، باعتبارها أسوأ صداقات أمريكا، لأنَّها مُوغِلة للغاية في الفساد، والأكاذيب، وسوء التقديرات، والدوافع الخبيثة من كلا الطرفين، حسب تعبيره.
يقولون إنهم وضعوا كوشنر في جيبهم ثم يمارسون القتل
وقد نقل السعوديون صفة "صديق سيئ" إلى مستوى إبداعي جديد. فهم يُجِلُّون الرئيس، ويُرضون غروره، ثُمَّ يهمس ولي العهد محمد بن سلمان بأنَّ السعوديين وضعوا جاريد كوشنر في جيبهم.
ويمارسون التجارة مع مؤسسة ترامب، ثُمَّ يقتلون ويُقطِّعون أوصال شخصٍ مقيم في الولايات المتحدة، يعمل صحفياً لدى صحيفة The Washington Post، هو جمال خاشقجي.
والآن السعودية ابتزت الملياردير الأمريكي جيف بيزوس بعد أن تجسست عليه
ويُبرِمون صفقات عسكرية ضخمة مع الولايات المتحدة، ويشترون تكنولوجيتنا، ثُمَّ –بحسب الرواية التي وردت في موقع The Daily Beast الأمريكي عطلة نهاية هذا الأسبوع نقلاً عن المستشار الأمني غافين دي بيكر- يستخدمون الأدوات التي لديهم للتجسس على رب عمل خاشقجي، ومالك صحيفة The Washington Post، جيف بيزوس، الذي لا يُعَد عدواً لهم هم فقط، بل ولترامب كذلك.
وحسب محقق خاص معين من قبل جيف بيزوس، فإن حكومة المملكة العربية السعودية تمكنت من الوصول إلى المحتويات الخاصة بهاتف بيزوس.
وقال المحقق غافين دي بيكر، الذي يعمل لصالح بيزوس، إن السعودية قامت بقرصنة هاتف الملياردير الأمريكي، وسلمت معلومات خاصة منه حول علاقة حميمية جمعته مع عشيقته إلى ديفيد بيكر، مالك شركة "أمريكان ميديا" (American Media).
وفي حين تجادل شركة American Media، ناشِرة صحيفة National Inquirer، بأنَّها لم تستخدم المصادر السعودية في مساعيها لابتزاز بيزوس بصورٍ فاضحة، فإنَّ الشركة بالكاد يمكن اعتبارها مصدراً موثوقاً.
والشركة المتورطة بالفضيحة تصدر مجلة للترويج لولي العهد السعودي
وأظهرت هذه الشركة كذلك أنَّ علاقتها مع السعوديين بالغة العمق، لاسيما من خلال مجلة خاصة مؤيدة للسعودية أصدرتها الشركة للترويج لقيادة محمد بن سلمان، الذي يُعَد وفق كل التقارير العقل المدبر لمقتل خاشقجي، حسب الباحث الأمريكي.
جذور هذه القضية تعود إلى صراع خفي بين الرجل الأكثر ثراء في العالم بحسب مجلة فوربس الأمريكية: جيف بيزوس وديفيد بيكر، صاحب شركة "أمريكان ميديا" المالكة لصحيفة "ناشيونال إنكوايرر"، والمعروف بصداقته ودعمه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
معركة "نفوذ أمريكية" بحتة، لا يبدو أن لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان علاقة بها.لكن جيف بيزوس اتهم أوائل فبراير/شباط 2019، ديفيد بيكر، بمحاولة ابتزازه بالتهديد بنشر صور سلفي تخص علاقته الحميمية.
وقال بيزوس إن بيكر طالب صحيفة "واشنطن بوست" بالتوقف عن التحقيق في العلاقة التي تربط شركة "أمريكان ميديا" بالسعودية.
إلا أن مدير أمازون لم يذعن لهذا الابتزاز، بل قرر كشف القضية على الملأ وكلف غافين دي بيكر بالتحقيق فيها.وآتى التحقيق الذي قام به بيكر المشهور بعمله مع شخصيات معروفة كرونالد ريغان ومادونا وجون ترافولتا، ثماره.
فخلال أيام قليلة توصل إلى المصدر الذي سرب الصور المسروقة إلى الصحيفة، وهو مايكل سانشيز شقيق لورين سانشيز عشيقة جيف بيزوس.
ولكن هناك سبب شخصي لابتزاز مالك الواشطن.. توقفوا عن الحديث بشأن خاشقجي
وبحسب بيكر هناك سبب آخر يدفع الرياض إلى مهاجمة جيف بيزوس يتعلق بالتغطية الإعلامية التي اعتبرها السعوديون "شرسة" ضد بلادهم، بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، والتي حملوا مسؤوليتها إلى صاحب صحيفة "واشنطن بوست" جيف بيزوس.
ومنذ أواسط أكتوبر/تشرين الأول الماضي ظهرت على تويتر دعوات لمقاطعة أمازون ومنصة "سوق"، وهي بوابة للتجارة الإلكترونية، تعود ملكيتها إلى أمازون موجهة إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ووصف صحفي سعودي في فيديو نُشر في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، على تويتر، جيف بيزوس "بالعنصري الشرير الذي يقود حملة إعلامية واسعة لتقويض استقرار السعودية"، وتمت مشاركة الفيديو آلاف المرات.
ويعتقد غافين دي بيكر أن قرصنة هاتف جيف بيزوس هو نتيجة منطقية لهذه الحملة للحصول على معلومات حساسة كالرسائل النصية التي تبادلها مع عشيقته بغرض المساومة. لكن الإشكال يكمن في عدم توفر أدلة مادية ملموسة تؤكد فرضية وقوف السعودية وراء ذلك. واكتفى بالتأكيد على أنه أعطى السلطات الفدرالية الأمريكية هذه النتائج.
ولقد وصل بهم الأمر إلى محاولة الحصول على تكنولوجيا أسلحة نووية أمريكية
يقول ديفيد روثكوبف، في مقالِه، إنه في حين استخدم السعوديون الأسلحة الأمريكية في حربٍ غير ضرورية، أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، ووضعت ملايين آخرين في خطر المجاعة باليمن.
ثُمَّ، ومقابل ذلك، تمكَّنوا من التزلُّف والحصول على تكنولوجيا الأسلحة النووية من الولايات المتحدة، في صفقةٍ عمل عليها بالأساس مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق مايكل فلين.
وقد حصلوا على التكنولوجيا، لأنَّ ترامب لا يهتم بشأن حلقات انتهاكات حقوق الإنسان المتسلسلة التي ترتكبها القيادة السعودية، ولأنَّ ترامب ومَن حوله يتلهَّفون لمواجهةٍ مع إيران، وهي مواجهة تستلزم دعم السعودية وتقويتها.
يقول الباحث الأمريكي لكن هكذا يتصرَّف الأصدقاء بالغو السوء، فهم يهينونك، وينتهكون الحقوق والمعايير التي تدافع عنها، ويستخدمون أسلحتك لقتل الأبرياء حتى يطال الدم يديك، ويقتلون شعبك، ويسخرون منك خلف ظهرك، ثُمَّ يُفسِدونك، باستخدام التملُّق ودفاتر الشيكات المفتوحة، حتى تمنحهم ما يحتاجونه تحديداً لإلحاق المزيد والمزيد من الأذى، ووضع المزيد من مصالحك الوطنية في خطر.
ولكن الكونغرس بدأ التحقيق فيما تفعله السعودية
وربما تخوض السعودية، التي ستصبح قريباً موضع تحقيقٍ أعمق بكثير من جانب مجلس النواب الأمريكي فيما يتعلَّق بغسيل الأموال وعلاقات ترامب التجارية، وفي الأحداث السابقة على مقتل خاشقجي، وما إن كانت الولايات المتحدة وافقت ضمناً عليها أو على حملة التشويه ضد بيزوس، تخوض المنافسة على لقب أكثر العلاقات دناءةً في عهد ترامب.
يقول الكاتب في نهاية المطاف، كانت روسيا عدواً، وكان علينا أن نتوقع الأسوأ منها، لكنَّ السعوديين كانوا أصدقاء مزعومين لنا، لكنَّهم ربما أساءوا التقدير في النهاية.
ويضيف قائلاً: "فهناك رد فعلٍ عكسي من جانب كلا الحزبين –الجمهوري والديمقراطي- يختمر في صورة التحقيقات المذكورة سلفاً"وقد تثير هذه التحقيقات تساؤلات حول صداقة السعوديين الخاصة مع الولايات المتحدة، أو أنَّها صداقة من الأساس، حسب الباحث الأمريكي.
والسبيل الوحيد لتجنُّب هذا المصير هو أن تعترف حكومة المملكة بأنَّها تجاوزت المدى، وأنَّ التمتُّع بعلاقاتٍ جيدة مع دونالد ترامب، والتمتُّع بعلاقاتٍ جيدة مع الولايات المتحدة -الدولة الديمقراطية- ليسا الشيء نفسه. فلا نزال بلا ملوك هنا في الولايات المتحدة، حتى الآن على الأقل.