لماذا يناغي الرُّضَّع.. حتى الصُّم منهم؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/02 الساعة 22:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/02 الساعة 16:46 بتوقيت غرينتش
أصوات المناغاة التي تبدو بلا معنى، في الواقع تمهد الأساسات لنمو وتطور اللغة


هل فكرن يوماً لماذا يناغي الرُّضَّع؟ وبالطريقة نفسها حول العالم؟ لو أن لهم سمة مشتركة عالمياً، فلابد أن تكون مناغاتهم. أثناء الشهور الأولى من حياتهم تتلخص تفاعلات الرُضع معنا بشكل أساسي في مجموعة من الـ با وجا ودا، تتخللها أصوات الغرغرة من الحلق ومحاولات نفث الهواء من بين الشفاه المزمومة وضغط اللسان بينهما مصحوباً بقطرات اللعاب.

 لكن هل تؤدي هذه المجموعة من الأصوات، التي تبدو عشوائية، أي هدف آخر غير تسلية الأبوين المفتونين، وتغذية مواقع التواصل الإجتماعي بمقاطع محبوبة؟

أثبتت أعداد متزايدة من الأبحاث على مدار العقود القليلة الماضية أن هذه الأصوات مع أنها تبدو بلا معنى، إلا أن مناغاة الرضيع في الواقع تمهد الأساسات لنمو وتطور اللغة في مرحلة لاحقة في الحياة.

المناغاة هي بداية تعلم الأصوات والكلام

وسط الطيف الصوتي المتنوع من الكو والغرغرة والضجيج العشوائي الذي يصدره الرُضّع، تُعرف المناغاة باعتبارها فئة متمايزة من الأصوات تبدأ في الظهور في الفترة بين الشهر السادس والثامن من عمر الرضيع.

يمكن تعريفها بأنها "إنتاج أصوات متكررة تشبه أصوات حروف الكلام" كما تقول كاثرين لينغ، الباحثة في علم اللغات بجامعة كارديف في المملكة المتحدة، والتي تركز على التطور المبكر للغة عند المواليد في السنة الأولى من عمرهم.

أجملت الأمر قائلة: "المناغاة هي بداية تعلم الأصوات التي يمكن استخدامها في الكلام".

وفقاً لمارلين فيمان، أستاذة في اللغة وعلم اللسانيات بجامعة يورك في المملكة المتحدة، والتي كتبت عدة كتب عن تطور اللغة، فالمناغاة ملحوظة بما يكفي لأي شخص يعطي انتباهاً للأصوات التي يصدرها الرضيع ليلاحظ متى بدأت.

تتبعها أصوات حرفي الـ ب والـ د

ومع ذلك، فإن تحديد المراحل المختلفة التي تتكشف بها المناغاة ربما يحتاج للاستماع عن قرب.

في البداية، يصدر الرُضّع طيفاً من الأصوات الساكنة المختلفة (التي تحدث نتيجة لغلق جزئي أو كلي للقناة الصوتية) الذي يطورونه إلى عادة تكرار بصورة متوازنة.

وقالت لينغ لموقع Live Science بعد فترة وجيزة، سيُحدّون مخزون استكشافهم لصوت ساكن واحد أو صوتين ويبدأون بتكراره مراراً مثل (بابابابا!) أو (دادادادا!)".

وقالت فيمان: "أن يكون لديك بضع أصوات ساكنة يمكنك إنتاجها إرادياً يبدو أمراً لا غنى عنه لتبدأ حقاً بقول الكلمات.

هو نوع من المؤشرات للقدرة على التحكم بتكوين الكلمة، وبالتالي تكون كلمات يمكن للناس تمييزها".

تقليد الكبار هدف وطموح الأطفال

في هذه المرحلة، يبدو أن الرُضّع يصدرون هذه الخيوط الطويلة من المقاطع الصوتية باعتبارها نوعاً من ردود الفعل العضلية الانعكاسية، بدون إدراك لقيمتها العملية.

لكن سريعاً، تتأهل هذه الخيوط لتصبح تعبيرات أقصر مقتطعة تبدأ بأن تكون مشابهة للكلمات.

استكشفت فيمان هذا الموضوع بعمق خلال بحثها.

ويُعتقد أن هذا التحول يحدثه نمو وعي الرضيع بالكلمات التي يتكلم بها الراشدون حوله، ورغبته في تقليدهم.

قالت فيمان: "الراشدون يشبهون الآلهه في عالم الرضيع، الأشخاص الذين يوفرون الأمان، والراحة، والدفء، والتحفيز الاجتماعي. ولذلك فإن الدافع الكبير للرضيع هو أن يكون مثل الراشدين".

حتى الرضع الصم يناغون

المثير للاهتمام أن الأبحاث تظهر أن الرضع الصُم يبدأون أيضاً بالمناغاة مثل الرضع الذين يسمعون، يتأخرون بشكل طفيف فقط.

لكن هذا التقدم يتوقف تدريجياً عند المرحلة التي ينبغي للمناغاة فيها أن تشبه أصوات الكلمات أكثر، لأن الرُضّع الصم لا يمكنهم سماع كلمات الراشدين التي كان يفترض بهم محاولة تقليدها.

في حالة الرُضّع الذين يسمعون، تشرح فيمان، أنه بعد شهور قليلة من التدريب على هذه المقاطع الأقصر، فإنهم "يختارون تكوينات الكلمات التي تشبه المناغاة التي يصدرونها".

يمثل هذا الجسر الأساسي الذي يؤهلهم للبدء بتكرار الكلمات التي يسمعونها عادة، الكلمات التي ربما يلاحظون ارتباطها بشيء، أو أثرها على المستمعين (فكر في: أو أوه، التي تقال عند فعل شيء خاطئ، وباي باي، عند التوديع).

لذا فإن المناغاة هي أصل اللغة كما نعرفها اليوم

في هذه المرحلة، عادة بين الشهر العاشر والخامس عشر من العمر، سيقدم الرُضّع خليطاً من المناغاة والكلمات كاملة التشكل.

وتقول فيمان إنه بحلول الوقت الذي يصبح لديهم فيه مخزون من 20 إلى 30 كلمة يقولونها بانتظام، يُعرف ما يفعلون على المستوى الأدنى بكونه مناغاة، وبشكل أكبر بكونه كلاماً.

وإذا كان لا يزال لديك شكوك عن الأثر الجذري للمناغاة في تشكيل اللغة، هناك العديد من الدراسات المذهلة التي وضحت أهميتها.

على سبيل المثال، الأطفال المبتسرون، الذين أجريت لهم عملية "فغر الرغامى"، وهي جراحة يجري فيها إدخال أنبوب في القصبة الهوائية للحفاظ على ممر مفتوح للهواء لمساعدتهم على التنفس، لا يقدرون على إصدار أصوات المناغاة مثل الرُضّع الأصحاء.

بيد أن الأبحاث أظهرت أنه عند إزالة الأنبوب، يبدأ هؤلاء الرُضع بالمناغاة، حتى لو أنها بعد عدة شهور من التوقيت المفترض لبدايتها.

قالت لينغ مبرزةً أهمية المناغاة في تمهيد الأساسات للكلام: "سيمرون مع ذلك بمرحلة من المناغاة قبل أن يبدأوا في نطق كلمات وكأنهم يكملون ما بدأوه."

 بالمثل، الرُضع ذوو الإعاقات السمعية، الذين يخضعون لعملية زراعة قوقعة لمساعدتهم على السمع مجدداً، سرعان ما يبدأون بالمناغاة، وكأنهم يلحقون بكل ما فاتهم.

قالت لينغ: "إذا فكرت بالأمر، الأمر أشبه بالتمرين على أجزاء الكلمات المختلفة التي ستصدرها بعد ذلك. هناك شعور بالحاجة لتحضير نفسك لتكوين الكلمات".

ما الذي يجب أن نستنتجه من كل هذا؟

لأن المناغاة هي حجر أساس للغة، ينبغي تشجيعها خلال التواصل بوفرة مع الرُضّع.

ومع أن البعض ربما يعتقدون أن قراءة شكسبير على مسامع أبنائهم هي الأصلح، فقد تحرز نتيجة جيدة مماثلة باللجوء للكلام  قليلاً بلغة الرُضّع.

قالت فيمان: "غالباً يقلق الآباء، هل الكلام بلغة الرُضّع ضار؟ لا يوجد ضرر طالما أنك تساير معدل نمو رضيعك، وأنه كلما بدأ بالفهم أكثر، تكلمت بطريقة أكثر تركيباً".

 لدى لينغ رأي شيق لمشاركته عن الآباء العاملين الذين ربما يقلقون عن تأثير جداولهم المضغوطة وإرهاقهم على جودة الوقت الذي يمضونه مع أطفالهم الرُضّع وبالتالي على حواراتهم معهم.

يرجح بحث جديد أنه طالما هناك شخص يتكلم مع الرُضّع، سواء كان مقدم رعاية آخر أو الجد أو شقيقاً، فإن الرُضّع يستفيدون.

تقول لينغ: "يمكن للرُضع أن يكونوا مرنين للغاية في منطقة ما يمكنهم اكتسابه كمؤثرات، معلوم أن التفاعل المباشر وجهاً لوجه مع الآباء مهم، لكن التفاعلات مع طيف أوسع من المتكلمين يمكن أن تدعم أنواعاً أخرى من التعلّم".

علامات:
تحميل المزيد