بعد مرور ساعات على إعلان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة استقالته من منصبه، مساء الثلاثاء 2 أبريل/ نيسان 2019، قرر المجلس الدستوري الأربعاء، إبلاغ البرلمان حالة شغور منصب رئيس الجمهورية.
وبهذا يكون المجلس الدستوري قد أثبت الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية، في إطار العمل بالمادة 102 من الدستور، التي دعا إليها قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، قبل عدة أيام.
فما هو القادم في المشهد الجزائري بعد هذه التطورات المفصلية، لا سيما أن الشارع الجزائري، الذي لم ينم ليلة أمس ابتهاجاً بنبأ استقالة بوتفليقة، ما يزال مصمماً على المضي قدماً في الاحتجاجات الحاشدة، للمطالبة بإزاحة جميع الفاسدين ومحاسبتهم، وتمكين الشعب وعدم الالتفاف على مطالبه.
المشهد أكثر "حساسية" بعد بوتفليقة
بعد إقرار المجلس الدستوري شغور منصب الرئيس، ينص دستور البلاد في المادة 102 على أنه في حال استقال رئيس الجمهورية أو تُوفي، يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة مدةً أقصاها 90 يوماً، تنظَّم خلالها انتخابات رئاسية، ولا يحق لرئيس الدولة المعيَّن بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.
وبمقتضى ذلك، سيتولى الآن رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، منصب القائم بأعمال الرئيس مدةً لا تقل عن 45 يوماً ولا تزيد على 90 يوماً.
ويعتقد بعض قادة الاحتجاجات التي بدأت قبل 5 أسابيع وفجَّرها الغضب من مزاعم فساد ومحسوبية وسوء إدارة اقتصادية، أن خطوة استقالة بوتفليقة ليست كافية، لأن "رموز النظام سيشرفون على الفترة الانتقالية، وسينظمون الانتخابات الرئاسية خلال الفترة المقبلة".
وقال المتظاهرون مراراً إنهم سيرفضون أي ترتيب لخلافةٍ مدبَّرة أو أي تدخُّل للجيش في السياسة، وإنهم يريدون تحولاً يقود إلى حكومة توافقية. وقال زكريا الجزيري (26 عاماً)، لـ "رويترز": "نريد ديمقراطية حقيقية وليست ديمقراطية صورية". في حين يقول جميل حديدي (37 عاماً): "لا نريد أن يحكمنا رجال بوتفليقة لحين إجراء الانتخابات التالية".
من جانبه، أكد اللواء المتقاعد عبدالعزيز مجاهد أن "المراحل القادمة ستكون أكثر حساسية وصعوبة، ما يتطلب من الشعب هو الحذر والاتحاد لتحقيق مطالبه"، بحسب تعبيره، مطالباً الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني بأخذ الأدوار المنوطة بها وتوعية الشارع.
وقال مجاهد للإذاعة الجزائرية، الأربعاء 3 أبريل/نيسان 2019، إن "الجيش الوطني الشعبي وجد نفسه مجبَراً على حماية مطالب الشعب"، لافتاً إلى أن "مسألة إسناد السلطات إلى الشعب تمنحه فرصة تفويض ممثليه، لبلورة إرادته وأفكاره في شكل قوانين وتشريعات".
في حين علّق رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السِّلم المعارضة، أحمد صادوق، على استقالة بوتفليقة، قائلاً إنها جاءت في سياق المطلب الجماهيري والضغط الكبير الذي فرضه الحراك على الجميع.
وأضاف صادوق، في تصريح لقناة "النهار" الجزائرية، أنّه كان لا بد من الاستجابة لنداء الشعب، مضيفاً: "نحن في مرحلة جديدة، وننتظر تلبية مطالب الشعب، ومن ضمنها رحيل بقية أعضاء العصابة"، محذراً من العودة إلى مرحلة ما قبل بوتفليقة، ومؤكداً أنه "إذا أردنا أن نبدأ مرحلة جديدة فلا بد من أن نبدأها بوجوه جديدة يرضى عنها الشارع الجزائري".
من سيخلف بوتفليقة؟
في السياق، قال المحلل والباحث الجزائري محمد باشوش، لـ "عربي بوست"، إن الشعب أبدى بشكل واضحٍ مطالبه على مدى عدة جمعات، وإن خطوة الجيش ضد جناح بوتفليقة كانت خطوة فعلية باتجاه الحل، بالنظر إلى مطالب المعارضة والحراك الشعبي.
وأضاف: "أعتقد أن المؤسسة العسكرية فهمت هذه المطالب الشعبية جيداً، وأن الشعب يرفض أي محاولات من رجالات بوتفليقة للالتفاف على مطالبه، فهو من ثم رفع يده عنهم لحظة مطالبته بشغور منصب الرئيس، حتى ندخل في مرحلة الحل السياسي".
وبحسب باشوش، فإن التحدي الأكبر الآن هو فيمن سيخلف بوتفليقة، لأن رئيس البرلمان عبدالقادر بن صالح محسوب لدى الجزائريين على نظام بوتفليقة، وهو شخص غير مرغوب فيه، متسائلاً: "فهل سيعيد مجلس الأمة انتخاب رئيس جديد توافقي له غير (صالح)، ليتولى من ثم الرئاسة الآن؟ ربما نشهد ذلك".
ويعتقد باشوش أن باب الترشح للرئاسيات سيُفتح من جديد، وأن إجراءات الانتخابات التي كانت قبل إلغائها من قِبل بوتفليقة الشهر الماضي (مارس/آذار 2019) ستتغير، ومن ثم ربما ستكون هناك أسماء جديدة لمرشحين من المعارضة أو غيرها.
إلى ذلك، يقول الباحث الجزائري حسني عبيدي لـ "رويترز"، إن المحتجين يسعون إلى استبدال جناح بوتفليقة المتغلغل في السلطة منذ عقود، في حين يأمل الحرس القديم أن يقدم مرشحاً يوافق عليه الجيش.
وبحسب "رويترز"، تسري شائعات منذ أعوام، حول مرشحين محتملين لخلافة بوتفليقة، لكن لا يوجد أي مؤشر على ظهور مرشح جدير بالثقة يحظى بدعم من الجيش والمؤسستين السياسية والأمنية، ويكون عمره دون السبعين عاماً.