انعقدت القمة العربية العادية الأحد 31 مارس/آذار 2019 في تونس واختتمت أعمالها دون أن يشعر بها أحد، اللهم إلا رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين التقطوا منها بعض اللقطات والصور التي تصلح للتندر، وجاء البيان الختامي للقمة عامّاً مرسلاً اتفقوا فيه على رفض القرار الأمريكي الاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان السورية في ظل غياب سوريا أصلاً عن القمة.
مع كل انعقاد للقمة التي تجمع عادة قادة عرباً منقسمين أو متصارعين تظهر حزمة من الأسئلة الموسمية، ما فائدة تلك القمة، وهل قدمت شيئاً مفيداً لشعوبها، ومتى نشأت في الأساس فكرة القمة العربية؟
البداية من أنشاص المصرية
بعد تأسيس جامعة الدول العربية في مارس/آذار 1945 في القاهرة، انعقدت أول قمة عربية وكانت طارئة بدعوة من ملك مصر والسودان وقتها الملك فاروق وكان ذلك عام 1946 وحضر تلك القمة التي انعقدت في أنشاص (وهي مدينة صغيرة تتبع محافظة الشرقية) رؤساء وملوك سبع دول (السعودية والأردن والعراق وسوريا والمغرب واليمن إضافة للمضيف).
السبب الرئيسي وراء القمة كان الهجرة اليهودية لفلسطين كملف رئيسي إلى جانب استقلال الدول العربية التي كان معظمها خاضعاً للاحتلال الأجنبي كملف آخر.
انعقدت القمة يومي 28 و29 مايو/أيار 1946، ولم يصدر عنها بيان، بل عدة قرارات "حاسمة"، أبرزها "قضية فلسطين قلب القضايا القومية باعتبارها قطراً لا ينفصل عن الأقطار العربية" و"الدعوة إلى وقف الهجرة اليهودية وقفاً تاماً ومنع تسرب الأراضي العربية إلى أيدي الصهاينة والعمل على تحقيق استقلال فلسطين" و"ضرورة الوقوف أمام الصهيونية باعتبارها خطراً لا يداهم فلسطين وحسب وإنما جميع البلاد العربية والإسلامية".
الآن وبعد 73 عاماً من تلك القرارات الحاسمة، إسرائيل دولة قائمة على معظم أراضي فلسطين وتحتل هضبة الجولان السورية وأعلنتها أمريكا جزءاً من إسرائيل!
القمة الثانية في بيروت
بعد 12 عاماً من القمة الأولى انعقدت القمة العربية الثانية في بيروت عام 1956 بعد تعرض مصر للعدوان الثلاثي من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ووجه الدعوة الرئيس اللبناني كميل شمعون وشارك فيها رؤساء وملوك 9 دول عربية، صدر عنها بيان ختامي (أول البيانات الختامية التي أصبحت تقليداً فيما بعد) أجمع فيه القادة على مناصرة مصر ضد الدول المعتدية عليها.
القمة الثالثة في القاهرة
تاريخياً يرى البعض أن القمة الثالثة التي دعا إليها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر عام 1964 هي البداية الفعلية للقمم العربية التي باتت تنعقد بانتظام تقريباً من وقتها.
القمة انعقدت في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة في الفترة من 13 إلى 17 يناير/كانون الثاني وحضرها قادة الدول الأعضاء في الجامعة وقتها وعددها 13 وربما تستحق هذه القمة بعض التوقف لما شهدته من مظاهر دعت وقتها للتفاؤل.
الهدف الرئيسي من وراء دعوة عبدالناصر وقتها كان إعلان إسرائيل عزمها تحويل مجرى نهر الأردن لتستفيد من مياه بحيرة طبرية، وكان ذلك تحولاً خطيراً في الأحداث.
وكانت الساحة العربية تشهد صراعات حدودية وقطيعة بين السعودية واليمن من ناحية واتهامات سورية لمصر بالتردد في الدخول في حرب أخرى ضد إسرائيل وغيرها من الخلافات العربية.
عبدالناصر يلهب المشاعر ويجمع التبرعات
شهدت اجتماعات القمة التي تزامنت مع شهر رمضان المبارك خطبة حماسية من الرئيس المصري سلط فيها الضوء على ما تعانيه دول المواجهة مع إسرائيل (مصر والأردن وسوريا والفلسطينيون) من صعاب في تجهيز الجيوش، داعياً الدول العربية الأخرى إلى المساعدة.
العاهل السعودي عبدالعزيز بن سعود أعلن عن تقديم المملكة 40 مليون دولار مساهمة في المجهود الحربي، تلاه أمير الكويت الذي أعلن عن تقديم 15 مليون دولار وفي اليوم التالي ثم أعلن ولي عهد ليبيا وقتها الأمير الحسن ابن الملك إدريس السنوسي عن تقديم مبلغ 55 مليون دولار وسط تصفيق الحاضرين.
خرج البيان الختامي للقمة بالإجماع على إنهاء الخلافات، وتصفية الأجواء العربية، وتحقيق المصالح العربية العادلة المشتركة، ودعوة دول العالم وشعوبها إلى الوقوف بجانب الأمة العربية في دفع العدوان الإسرائيلي، إضافة إلى تشكيل قيادة عربية موحدة لجيوش الدول العربية في كنف الجامعة.
قمم عادية وأخرى طارئة
منذ أنشاص 1946 وحتى تونس 2019، انعقدت 30 قمة عربية عادية إضافة إلى 14 قمة طارئة و4 قمم اقتصادية.
القمم الطارئة انعقد معظمها في الفترة من الأربعينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي وتمحورت جميعاً تقريباً حول الصراع العربي-الإسرائيلي أو قضية فلسطين وكلا المصطلحين يبدو غريباً بالطبع للأجيال العربية المولودة في القرن الحالي!
شهدت فترة الأربعينيات منذ تأسيس الجامعة العربية والخمسينيات حتى قرب منتصف الستينيات قمتين عربيتين فقط. وفي الستينيات انعقدت 5 قمم عربية في الفترة من 1964 وحتى 1969.
7 قمم في السبعينيات (المقاطعة)
شهدت فترة السبعينات 7 قمم عربية ما بين تونس والجزائر والمغرب والقاهرة والرياض، كانت أبرزها قمة بغداد في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1978 عقب توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، والتي شاركت فيها 10 دول عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وأطلق عليها "جبهة الرفض".
اتخذت قمة الرفض عدة قرارات أبرزها نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس، وتجميد عضوية مصر في القاهرة وتحذير الحكومة المصرية من التصديق على الاتفاقية.
القمة التالية انعقدت في تونس في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، وذلك بعد أيام قليلة من تصديق البرلمان المصري على اتفاقية السلام وصدر البيان الختامي بطرد مصر من الجامعة العربية وتجديد الإدانة العربية لاتفاقيات كامب ديفيد والتأكيد على أن الصراع مع إسرائيل طويل الأمد وهو عسكري وسياسي واقتصادي!
الثمانينيات "4 قمم في المغرب"
شهدت فترة الثمانينيات غياب مصر عن القمم العربية بفعل المقاطعة وانعقدت 7 قمم استضافتها المغرب 4 مرات بواقع قمتين في فاس ومثلهما في الدار البيضاء، كما استضافتها الأردن مرتين والجزائر مرة واحدة في تلك العشرية.
أبرز قرارات القمة الـ14 في الأردن في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 1987، كان فتح الباب أمام عودة مصر لمحيطها العربي وذلك بالنص في البيان الختامي على "حرية الدول الأعضاء في اتخاذ ما يناسبها فيما يخص العلاقات مع مصر."
يذكر هنا أن الرئيس المصري محمد أنور السادات الذي وقع معاهدة السلام سبب القطيعة لم يكن مهتماً بالمقاطعة العربية وكان يهاجم القادة العرب الذين رفضوا السلام مع إسرائيل ووصل به الأمر في خطاب شهير في البرلمان المصري أن قال إن "مصر هي أصل العرب وهم ينتسبون إليها وليس العكس".
عودة مصر إلى الجامعة العربية
وتواصلت القمم العربية بصورة أقل انتظاماً في التسعينيات حيث انعقدت 4 مرات فقط، شهدت بدايتها في قمة الدار البيضاء في مارس/آذار 1990 عودة مصر إلى الجامعة العربية وعاد المقر من تونس إلى القاهرة وتولى المصري عصمت عبدالمجيد منصب الأمين العام للجامعة بعد أن شغله التونسي الشاذلي القليبي لمدة عشر سنوات هي عمر المقاطعة.
ولكن تم تعويض ذلك بانعقاد 10 قمم عربية في العشرية الأولى من القرن الحالي وتقريباً مثلها قبل عام من نهاية العشرية الحالية.
قمة الفضائح العلنية
دعونا نتوقف قليلاً عند قمة شهدت سباباً وتهديدات بين زعيمين عربيين (كلاهما انتقل الى العالم الآخر) وهما العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز (وكان ولياً للعهد وقتها) والثاني هو الرئيس الليبي معمر القذافي.
كان ذلك في القمة العربية الخامسة عشرة في مارس/آذار 2003 والتي انعقدت في شرم الشيخ المصرية وكانت وقتها القوات الأمريكية قد بدأت غزو العراق.
فوجئ المشاهدون الذين يتابعون وقائع الجلسة الافتتاحية للقمة وأثناء حديث القذافي الذي كان رئيساً غير تقليدي في خطاباته، بمقاطعة ولي العهد السعودي له وتوجيه اتهامات بالعمالة للاستعمار بشكل مباشر رداً على تلميحات القذافي بتواطؤ السعودية والكويت مع القوات الغازية.