يتوقف الدكتور عبدالرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية (أكبر حزب إسلامي في الجزائر)، في الحوار الذي جمعه بـ "عربي بوست" السبت 23 مارس/ آذار في خضم حرارة المشهد السياسي، عند نقاط مهمة في مشهد الحراك والتطورات المرتقبة والسيناريوهات التي تنتظر الجزائر، ويسهب في تحليل المشهد السياسي والعلاقات بين الأحزاب والسلطة، ودور المؤسسة العسكرية واللقاءات السرية والعلنية وأشياء أخرى فتابعونا.
استشرفنا الحراك الأخير قبل وقوعه
اعتبر عبدالرزاق مقري الحراكَ الأخير بمثابة العُرس الجزائري الذي أثبت للعالم حضارة الشعب ورقيّه، فالسلمية التي كانت عنوانه الأبرز، وصور التعاون والتكافل وحملات التنظيف، مشاهد قلّ رؤيتها حتى في الدول التي تتغنى بالتطور والديمقراطيات، وحركة مجتمع السلم كحزب سياسي يعتمد على مؤسساته، وسبق أن حذر من الوضع الصعب في الجزائر وترقب خروج الشعب؛ لأنه تحصيل حاصل لمجموعة من الظروف والعوامل، ففي عام 2013 قلنا داخل الحزب إن الوضع في الجزائر لن يستمر على حالته، وهناك أجيال لن ترضى إلا بالعيش في ظل الديمقراطية والازدهار والتطور، ونتمنى أن يكون الحراك الشعبي الأخير بداية لجزائر النماء والشفافية الانتخابية، والديمقراطية الشعبية المأمولة.
العهد البوتفليقي انتهى
يرى محدثنا عبدالرزاق مقري أن إرادة الشعب الأخيرة يجب أن تُحترم، و"على النظام الحالي السماع للرسائل التي دوّت في كل شوارع المدن الكبرى، وحتى القرى والمداشر الصغيرة خرجت ضد النظام الحالي الفاسد. ويقول مقري إنه كناشط سياسي ورئيس حزب سبق وأن نشر تغريدة عبر تويتر ومنشوراً عبر صفحته بفيسبوك، أكد فيهما أن عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة انتهى، وأن استفزاز الشعب ليس في صالح الوطن، كما أن المعطيات المتوافرة بدايةً من صحة الرئيس، والأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها الجزائر، إضافة إلى بقاء أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية كالبرلمان ومجلس الأمة وبعض القطاعات مفرّغة من وظائفها الحقيقية، وكل هذه المعطيات أكدت أن عهد هذا النظام قد أفلس، وانتهى، وما المسيرات الأخيرة إلا صحوة شعبية رافضة للواقع المعاش.
النظام الحالي أسوأ منتج سياسي جاثم على صدور الجزائريين
يرى عبدالرزاق مقري أن النظام الذي يحكم الجزائر منذ 20 عاماً، هو أسوأ منتج لفكر سياسي فاسد، جاثم على صدور الجزائريين، وذلك بسبب السياسة التي انتهجها في تسيير البلد، بداية من استغلال العشرية السوداء التي كانت في تسعينيات القرن الماضي، بحيث كان نظام بوتفليقة يحكم الجزائريين بمنطق التخويف والتهديد، وعاش الجزائريون بعدها "سنوات من الصمت الرهيب والخوف من تكرار السيناريوهات السابقة، بعد فترة حاول الجزائريون ذوق الديمقراطية في 1992، إلا أنه حدث ما حدث وبعدها في 1995 تم تزوير الصناديق بقوة بعد فوز الحركة في الانتخابات خلال عهد محفوظ نحناح، وتضاف إلى جملة تلك السياسات منهج الإفقار الممنهج للشعب والأزمة الاقتصادية المعقدة، رغم البحبوحة المالية التي كانت تتمتع بها الجزائر خلال الأيام التي بلغت فيها أسعار البترول أرقاماً قياسية غير مسبوقة، وفوق ذلك ينتهي هذا العهد أو النظام بما نحن عليه، ومحاولة فرض الخامسة وبعدها التمديد خارج نصوص الدستور.
اتركوها شعبية سلمية لا لتحزيب المسيرات
ويرفض الدكتور عبدالرزاق مقري محاولات البعض ركوب موجة المسيرات السلمية للشعب، ومحاولة تبنيها من جهات مختلفة، واعتبر ذلك محاولة للمساس بالطريق والأهداف التي جاء الحراك لتحقيقها، وفنّد كل الأخبار التي تتحدث عن كون حركة مجتمع السلم تحاول تبني الحِراك وقيادة قاطرته، وأكد مقري: "أبداً ما كنا ننوي السيطرة على الحراك أو تبنيه، فنحن جزء من الشعب، وخرجنا لنفس الغاية".
ونصح الجزائريين -والشباب على وجه التحديد- بالتصدي لمحاولات الالتفاف بالمسيرات والحراك، وأن يتركوا القضية في إطار الإرادة الشعبية التي تطالب بتغيير النظام وبناء دولة الديمقراطية والشفافية.
احذروا.. هناك مندسون يحاولون إفساد العُرس
يؤكد رئيس حركة مجتمع السلم أن تقاريره الأخيرة كشفت وبالصور وجود مندسين من حزب التجمّع الوطني الديمقراطي، وصيف الحزب الحاكم في السلطة، التحقوا بالحراك الشعبي لتعكير الأجواء وتشويه صورة بعض الأحزاب المعارضة والشخصيات السياسية، ففي الجمعة الخامسة تم رصد شخصيات مناضلة ومعروفة بالحزب وهي ترفع شعارات معادية لبعض الشخصيات، وتريد العزف على وتر الأيديولوجيات والجهوية، و"الصور موجودة" كما يقول مقري، ويضيف أيضاً: "كما أن هناك وطنيين وغيورين على هذا البلد يهدفون إلى تغيير الأوضاع إلى الأحسن، فهناك أطراف تحاول إفساد هذا العُرس الجزائري، وتنظم الصفوف لتنظيم خطتها في المسيرات القادمة، لذا فليكن الجميع حذراً مما قد يحدث".
سنكشف قريباً عن مذكرة وجهناها إلى الرئيس عن طريق أويحيى
"قريباً سنقوم نحن حركة مجتمع السلم بكشف المذكرة المطولة التي أرسلناها إلى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة"، بهذه الجملة بدأ الدكتور مقري حديثه حول مساعيهم للقاء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ولأن ذلك لم يحدث، فإن الحركة قامت بإرسال مذكرة مطولة على شكل رسالة سُلّمت إلى رئيس الوزراء الأسبق أحمد أويحيى الذي كان حينها مديراً لديوان الرئيس، تلك المذكرة التي لم يُرد عليها حتى الآن، تحمل الكثير من الحقائق وتكشف الوجه النبيل لحركة مجتمع السلم ومساعيها في تحسين الأوضاع ونقل الجزائر إلى بر التقدم والتطور والازدهار، ولم يحدد مقري تاريخ الكشف عن المذكرة واكتفى بالقول "قريباً".
طلبنا لقاء الرئيس وفي كل مرة يكلف شخصية ما
سعت حركة مجتمع السلم، على لسان رئيسها عبدالرزاق مقري، إلى الوصول للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والجلوس معه والاستماع إليه، ومناقشة قضايا البلد، لكن ذلك لم يحدث رغم المحاولات العديدة، فكان بوتفليقة في كل مرة يكلف شخصية لتمثيله، بدايةً من رئيس الوزراء أحمد أويحيى، مروراً بالوزيرين الطيب لوح وعبدالقادر مساهل، وصولاً إلى شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة، وبالتالي لم تلتقِ الحركة مع الرئيس بوتفليقة رغم كل تلك المحاولات.
وعن الجدل الذي ثار بعد اللقاء الذي جمع بين شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة وعبدالرزاق مقري، فيوضح رئيس الحركة: "نحن التقينا بالسعيد كونه يشغل منصب مستشاراً في رئاسة الجمهورية، وكان مكلفاً من قبل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة حينها، وجلسنا مع السعيد لعرض مبادرة التوافق الوطني في إطار الجلسات التي قام بها الحزب مع مختلف التشكيلات السياسية والحزبية، ولم يكن ذلك سراً، إذ قامت الحركة بإبلاغ عدد من رؤساء الأحزاب المعارضة، كعلي بن فليس والطيب بن بعيبش، وبالتالي لم يكن لقاؤنا مع السعيد لقاءً سرياً عكس بعض الأحزاب التي اتصلت بالنظام وجلست مع شقيق الرئيس ولم يسمع بها أحد، ونرفض نحن بأخلاق حزبنا كشف هذه الأسماء".
كسروا مبادرتنا التي كانت ستجنب الجزائر هذا الوضع
ويؤكد عبدالرزاق مقري أن من يروج لفكرة أن الدولة وظّفتهم لتحقيق حلم التمديد لبوتفليقة "هم أطراف تلعب في الهواء ولا تفهم السياسة، فخطتنا كانت ترمي لوضع فترة انتقالية مستقلة، تنظم بعدها الانتخابات الرئاسية بإشراف من هيئات غير تابعة للنظام، وهذا بعدما أحسسنا بأن أطرافاً في السلطة تريد فرض الخامسة لبوتفليقة، وعلمنا بأن ذلك سيُدخل الجزائر في نفق مظلم، وكانت خارطة طريقنا واضحة وتجمع كل الأطياف من المعارضة والسلطة حتى وإن تطلب الأمر وقتاً متسعاً لتحقيق ذلك، المهم أن نوصل الجزائر إلى بر الأمان، لكن الدولة عندما علمت أن المعارضة انضمت للمقترح سعت لتكسير المبادرة بتوظيف أحد رجالات أحزاب السلطة، لذلك فهناك فرق بين أن تمدد العهدة بالقوة، وأن تؤجل الانتخابات لفترة ترتيبية مستقلة نخرج بها بانتخابات مستقلة ونزيهة".
وحمّل عبدالرزاق مقري أحزاب الموالاة، لا سيما حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، مسؤولية الوضع الذي آلت إليه البلاد، باعتبارهما كانا على سدة الحكم لأكثر من 20 سنة كاملة، ولم يغيّرا من الوضع شيئاً.
وعن حديث رؤساء هذه الأحزاب حول مباركة الحراك الشعبي وعدم دستورية الفئة الحاكمة للدولة يقول مقري: "هذا الكلام جاء متأخراً جداً، فمثلاً لو قال أويحيى هذا الكلام وهو وزير أول ثم رمى المنشفة، لصدّقه الشعب، لكن أن تترك هذا إلى ما بعد إقالتك من النظام فهذا لا يدخل إلى العقل، ومحاولة لركوب الموجة بعدما أحسّ هؤلاء بأن أمراً ما قد يحدث".
وحول تصريحات هؤلاء بأن أحزابهم لم تكن يوماً حاكماً، يرد مقري: "رغم كل شيء فإن مسؤولية الوضع تتحمّلها هذه الأحزاب، التي كانت أصلاً تسمي نفسها جهازاً، بعدما باعت شخصيات منها أنفسها بسبب المال الفاسد وبعض المصالح الضيقة، ولا يخفى على أحد أن الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني، تملك وطنيين ومجاهدين غيورين على البلاد، خاصة في عهد ما قبل بوتفليقة، لكن هؤلاء غُيّبوا عمداً، أما حزب التجمع الوطني الديمقراطي فهو أصلاً صنيع مؤسسة الجيش والهيئات الأمنية وجاء للعب أدوار معروفة، وبالتالي فهذه الأوضاع نتيجة فساد الأحزاب التي سيّرت البلد وكسرت مؤسساته طوال مدة تتخطى 20 سنة كاملة".
دور الجيش سيتضح بعد 28 أبريل
ويعتبر عبدالرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، أن المؤسسات التشريعية للدولة لا تقوم بأي دور في ظل الوضع العام وسيطرة مؤسسة الرئاسة والجيش على دهاليز الحكم، "فمنذ الاستقلال الجزائر تسيرها المؤسسة العسكرية ورئاسة الجمهورية، وما دور المؤسسات الدستورية والتشريعية إلا شكلي خاصة بالبرلمان ومجلس الأمة، اللذين هما كل شيء في البلدان المتطورة".
ويوضح مقري أن "دور الجيش لا يزال حتى الآن مع مخطط الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وكان مع الخامسة، وهو يجتهد لتعبيد مخطط التمديد"، ويؤكد أن "بوتفليقة سيطر على الجيش باستحداث منصب لصيق به وهو وزير الدفاع، وقائد الأركان هو نائبه في ذلك، لكن بعد 28 أبريل/نيسان 2019، يصبح الرئيس بوتفليقة غير شرعي على رأس البلاد، وحينذاك تتضح الأدوار الرئيسية لمؤسسة الجيش، فإما الإمساك بزمام الأمور وترتيب رئاسيات عاجلة وبعيدة عن هيئات تابعة للنظام القديم، وإما دخول الجزائر في دوامة وأزمة كبيرة، لذلك فدور الجيش إلى الآن غير واضح تماماً".
فرصة بوتفليقة الأخيرة
الفترة التي تفصلنا عن 28 أبريل/نيسان في نظر رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري هي فرصة بوتفليقة وعائلته للخروج من باب آمن، يحفظ لهم ماء الوجه؛ لأن البقاء بهذا التعنت "سيقود البلاد إلى مجهول حقيقي، سيجعل بوتفليقة يغادر الجزائر كما جاءها، وسط الفوضى والمشاكل، لذا فنصيحتي للرئيس وعائلته أن يرحلوا ويتركوا الجزائريين يبنون مستقبل بلدهم".