بالنسبة للمسلمين في الشرق الأوسط، يمثل كل من الشيخ يوسف القرضاوي المقيم بقطر؛ وراشد الغنوشي أحد مؤسسي حزب النهضة الإسلامي في تونس؛ وحسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني؛ والداعية المصري عمرو خالد، قادة إسلاميين في حد ذاتهم.
لكن، ما مقدار الثقة التي يضعها المسلمون العاديون في السلطة الدينية لهؤلاء القادة؟ وما مقدار السلطة التي تمارسها هذه الشخصيات بالفعل؟ وعلى نطاق أوسع، من يمثّل الإسلام في الشرق الأوسط؟
خريطة السلطة الدينية
حاولت دراسة جديدة أجراها معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، الإجابة عن هذه الأسئلة، نشر ملخصاً حولها موقع Middle East Eye البريطاني.
قام مؤلفو الدراسة بتقييم رأي الجمهور في الزعماء الدينيين بأكثر من 10 دول في المنطقة، وحددوا بالتفصيل القنوات التي تربط المواطنين المسلمين العاديين بمختلف الجهات الفاعلة التي تدَّعي أنها تملك سلطة دينية؛ من التيار الرئيسي للإسلاميين والسلفيين إلى المسؤولين والعلماء التابعين للدولة، ووصولاً إلى الجهاديين والصوفيين.
لطالما حيَّرت السلطة الإسلامية صانعي السياسة بالولايات المتحدة، لأنها غير هرمية وغير مركزية -باستثناء بعض التسلسل الهرمي في الإسلام الشيعي- لذا فقد أُجرِيَت الدراسة جزئياً لتقديم توصيات للمسؤولين الأمريكيين.
يقول قادر يلدريم، زميل دراسات الشرق الأوسط بمعهد بيكر في هيوستن بولاية تكساس، والذي أشرف على الدراسة، إن الوقت كان ملائماً للغاية للتنقيب عن السلطة الدينية الإسلامية في المنطقة.
وكما قال الأسبوع الماضي، خلال حدث بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فقد كان "من اللازم في الواقع إجراء هذه الدراسة، في ظل ما تضطلع به الجهات الفاعلة الدينية من دورٍ متزايد الأهمية بالشرق الأوسط. ويبدو أن العلاقة بين الدين والسياسة اكتسبت قوة جذب أكبر". وقال يلدريم إنَّ رسم خريطة السلطة الدينية في المنطقة ليس بالمهمة السهلة.
استطلاعٌ للرأي شمل 12 دولة
وفقاً لذلك، أجرى مؤلفو الدراسة استطلاعاً للرأي العام بـ12 بلداً، حيث سئُل نحو 16500 من المشاركين في الاستطلاع عن آرائهم في 82 من القادة الدينيين.
شمل استطلاع الرأي نصف الدول الـ24 ذات الغالبية المسلمة في الشرق الأوسط، وطرح أسئلةً على أفراد من الجمهور بالبحرين ومصر وإيران والأردن والكويت والمغرب ولبنان وقطر والسعودية وتونس وتركيا والإمارات العربية المتحدة.
بالإضافة إلى تحديد 6 زعماء دينيين بارزين في كل بلد، شمل الاستطلاع أسئلة عن 7 شخصيات دينية عابرة للحدود.
أوضح يلدريم أن النتائج رسمت صورة لمساحة دينية معقدة تعكس نهج المسلمين الدقيق تجاه الدين وعلاقته بالسياسة.
وتباينت النتائج المتعلقة بشعبية الجهات الإسلامية الفاعلة وتأثيرها الديني بجميع أنحاء المنطقة، ولكن في معظم البلدان التي شملها الاستطلاع، كان هناك اتفاق ملحوظ على هذه الشخصيات.
على سبيل المثال، في إيران، حيث جرى استطلاع آراء 2032 شخصاً، قال أكثر من 50% إنهم يتفقون على زعامة عليّ خامنئي، المرشد الأعلى للبلاد.
في المغرب، حيث أجاب ما يقرب من 3000 شخص عن أسئلة الاستطلاع، قال ما يقرب من نصف المجيبين إنهم يثقون بمحمد السادس، ملك البلاد، الذي يدّعي صراحةً السلطة الدينية، باعتباره "أمير المؤمنين" للبلاد، وفقاً للدراسة.
لكن في حين وافق بعض المجيبين على تصريحات الزعماء الدينيين، فإنهم في بعض الحالات تنصلوا منها بمجرد إطلاعهم على قائلها، إذا كانوا يتجاهلون هذا الشخص عموماً.
ماذا عن الشخصيات الدينية التابعة للسلطة؟
وقال يلدريم إن الاستطلاع طرح أسئلة على المشاركين مباشرة عن مستوى ثقتهم وموافقتهم على هذه الشخصيات الدينية، وطرح عليهم بعض الأسئلة بشكل غير مباشر -بسبب الموضوعات الحساسة التي جرت مناقشتها- لجعل التصريحات، وليس القادة، محل التركيز الرئيسي.
وأظهرت نتائج الدراسة أن الشخصيات الدينية التابعة للدولة تتمتع بثقة وموافقة على نطاق واسع بين المجيبين، عكس توقعات الأشخاص الذين قاموا بالمسح.
ووجد الاستطلاع أن هذه الشخصيات كان لها التأثير الأكبر بالبلدان التي يُعتبر فيها الدين عنصراً أساسياً في الهوية الوطنية، مثل إيران والأردن والمملكة العربية السعودية. لكن هناك تنيبه: كان الدعم مشروطاً باستخدام هذه الشخصيات الدينية نهجاً غير متحيز تجاه الدين.
وقال سكوت ويليامسون، المرشح للحصول على الدكتوراه في جامعة ستانفورد وزميل أبحاث الدراسات العليا بالمؤسسة الوطنية للعلوم: "الأردنيون، على سبيل المثال، ملتزمون دينياً للغاية ويؤيدون وجود دور جزئي للشريعة بدستور البلاد، لكن في الوقت نفسه يبدو أن هناك إجماعاً عاماً ضد أي خلط بين الدين والسياسة الحزبية".
وأضاف ويليامسون: "على سبيل المثال، الأردنيون لا يريدون حقاً مسؤولين دينيين أو مساجد تؤثر في اختيارات الناخبين والانتخابات".
الخطاب المتطرف
قال يلدريم إن أهم ما توصلت إليه الدراسة هو أن "الخطاب الديني المتطرف له جمهور كبير".
تجنَّب المجيبون شخصيات متطرفة مثل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية"، عندما سئلوا عن ذلك مباشرة. لكن كان هناك تأييد كبير لوجهات نظر البغدادي عندما طُلب من المجيبين الرد على أقواله، دون الكشف عن اسمه.
كان الدعم كبيراً بشكل خاص في تونس والأردن والمملكة العربية السعودية والمغرب، وهي البلدانُ التي غادر منها عدد كبير من المواطنين للانضمام إلى داعش في سوريا.
بناءً على النتائج التي توصلوا إليها، قدَّم مؤلفو الدراسة عدة توصيات لصانعي السياسة الأمريكيين، وضمن ذلك الدعوة إلى استراتيجية طويلة الأجل في سوريا، لتحقيق الإصلاح الاجتماعي ومعالجة القضايا الرئيسية التي تغذي التطرف.
وقالوا أيضاً إنه يجب على صانعي السياسة التماس المشورة من قادة الدولة الدينيين الذين لديهم تأثير كبير ويمكن أن يعززوا جهود الإصلاح في مجالات التعليم وحقوق المرأة وإرساء الديمقراطية.
كان هذا هو الحال بالأردن وتونس، على سبيل المثال، حيث أدت هذه السياسات إلى تغييرات في قوانين الميراث وتنظيم الأسرة.
ومستشهدين بتونس كمثال، قال مؤلفو الدراسة: "إن الإسلاميين يمكن أن يَظهروا إما بمظهر المفسد وإما بمظهر المحرك للإصلاحات"، مثلما فعل حزب النهضة الحاكم في أعقاب "ثورة الياسمين".
حدود الجهات الحكومية الفاعلة
قالت كورتني فرير، الزميلة في كلية لندن للاقتصاد والتي تركز عملها على دول الخليج العربي: "في الواقع، بينما من المهم إشراك الجهات الفاعلة الحكومية، من الضروري أن نفهم القيود المفروضة عليهم، لأن سلطتهم ليست مطلقة بأي حال من الأحوال".
وأضافت: "ظهور حركة الصحوة في التسعينيات من القرن العشرين ومؤخراً في 2011" بالمملكة العربية السعودية، مثال جيد على ذلك.
انتقدت الحركة الإسلامية السعودية بشدة، التدخل الأمريكي في الخليج، ودعت إلى مزيد من الديمقراطية والإصلاحات السياسية بالمملكة.
وقال ستيفان لاكروا، الأستاذ المساعد في معهد الدراسات السياسية بباريس ومؤلف كتاب Awakening Islam: The Politics of Religious Dissent in Saudi Arabia، إن حركة الصحوة الإسلامية في السعودية كانت ذات يوم "أكبر وأفضل مجموعة منظَّمة من غير الدول، حيث يتبعها مئات الآلاف من الأعضاء الذين يتمتعون بقدرات تعبوية هائلة. لكن جرى تهميش المجموعة منذ ذلك الحين".
26 % فقط من المشاركين في السعودية يثقون بشيخ الأزهر
وأشارت فرير إلى أن "السلطات المرتبطة بالدولة والتي كانت تعتبر ذات يومٍ أكثر نفوذاً عبر الحدود، لم تعد تمارس النفوذ الذي كانت تفعله ذات يوم".
وقالت: "أعتقد أن هذا يتضح بصورة جلية من خلال التأييد السلبي للغاية الذي رأيناه فيما يتعلق بالإمام الأكبر للأزهر"، مشيرةً إلى ما توصَّلَت إليه الدراسة هو أن 26% فقط من المشاركين في المملكة العربية السعودية يثقون بشيخ الأزهر أحمد الطيب، رغم أن الأزهر هو أقدم منارة تعليمية للإسلام السُّني ومؤسسة مهمة للعقيدة الدينية الإسلامية.
وخلص مؤلفو الدراسة في النهاية، إلى أن دراسة معهد بيكر فرصة لوضع سياسة خارجية يمكنها أن تعالج بشكل أفضل، قضايا مثل التطرف والعنف.
وحذَّر يلدريم قائلاً إنه من الأهمية بمكان، عدم قصر ارتباط الدين والشخصيات الدينية في الشرق الأوسط بالتطرف فقط. وأضاف: "يتغلغل الدين في مختلف جوانب الحياة بالمجتمعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. واختزال الدين في التطرف والعنف فقط يُضعف قدرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة على التعامل مع عدد أكبر من السكان ومجموعة أوسع من القضايا".