على مدار السنوات القليلة الماضية، كانت تركيا العضوة في حلف الناتو تعاني اضطرابات سياسية، ناجمة عن الحرب الدائرة في جارتها سوريا، وتداعيات محاولة الانقلاب العنيفة، وسلسلة المعارك الانتخابية الشرسة التي ساعدت الرئيس رجب طيب أردوغان على زيادة نفوذه والخروج بمظهر الرجل القوي المعهود عنه.
وتأمل إدارة ترامب أن تعقب التصويت في انتخابات البلديات التي انطلقت بالبلاد الأحد 31 مارس/آذار 2019، فترة من الهدوء الداخلي تسمح بإحراز تقدم في حل النزاعات الثنائية الكبرى المتوقفة منذ شهور، بحسب ما نشرته صحيفة The Washington Post الأمريكية.
أزمة "إس-400"
وتتمثل إحدى المشكلات، في صفقة شراء تركيا منظومة دفاع صاروخية روسية متطورة، وهي منظومة صواريخ "إس-400″، التي قالت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي NATO إنها "تتعارض" مع الحلف، والتي من المحتمل أن تؤدي إلىإلغاء الصفقة المعلقة الخاصة ببيع أنقرة 100 مقاتلة أمريكية من طراز "إف-35". ويصر أردوغان على أن الصفقة الروسية سوف تمضي قدماً، ومن المقرر أن يبدأ التسليم هذا الصيف.
وقال مسؤول كبير في الإدارة لـ "واشنطن بوست"، وهو واحد من عدة أشخاص تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم: "إننا ننتظر انتهاء الانتخابات، لأنه بوسع المرء أن يتخيل أن هناك كثيراً من الأمور لمناقشتها".
ولكن الوقت ينفد
تقول الصحيفة الأمريكية إن التهديدات التركية بشن هجوم عبر الحدود على الميليشيات الكردية المقاتلة بسوريا، المتحالفة مع أمريكا في حملتها على داعش، تسببت في تعقيد الخطط الأمريكية المتعلقة بسحب القوات من سوريا. إذ يعتبرها أردوغان ميليشيات إرهابية؛ في حين تعهدت الإدارة الأمريكية بحمايتها.
وقد تراجع ترامب عن قراره الذي أعلنه في ديسمبر/كانون الأول 2018، والذي قال فيه إن جميع الجنود الأمريكيين في سوريا، البالغ عددهم 2000، سيغادرون فوراً، ووافق الشهر الماضي (فبراير/شباط 2019)، على أنه يمكن أن يظل 200 جندي في المنطقة الشمالية الشرقية التي طُرد منها تنظيم داعش. وقال مسؤول أمريكي إن خطط الانسحاب، التي لم تبدأ بعد، تستهدف ألَّا "يزيد" عدد القوات "المتبقية" على نحو 1000 جندي لفترةٍ غير محددة من الزمن، قبل أن ينخفض في النهاية إلى 200 جندي.
ومن المتوقع أن يبقى نحو 200 جندي إضافي بالجنوب، في حامية على الحدود السورية مع الأردن.
ولكن كانت هناك مؤشرات على استمرار الارتباك واللبس، حتى داخل الجيش، حول مسار التقدم في سوريا. إذ قال متحدث باسم رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال جوزيف دانفورد جونيور -الذي وصف في وقت سابق من هذا الشهر تقريراً لصحيفة وول ستريت جورنال يقول إن الولايات المتحدة تخطط لإبقاء ما مجموعه 1000 جندي في سوريا بأنه "غير دقيق"- إنه "لم يحدث أي تغيير بالخطة المعلنة في فبراير/شباط 2019".
وقال الكولونيل باتريك رايدر في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "نواصل تنفيذ توجيه الرئيس بتخفيض أعداد القوات الأمريكية حتى تصل إلى أقل عدد ممكن بطريقة مدروسة ومنسقة. ولضمان استمرارية الحملة، نواصل العمل من كثب مع حلفائنا وشركائنا في المنطقة لتطوير وتحسين الدعم المطلوب لمرحلة الاستقرار" في الحملة ضد تنظيم داعش بسوريا. وقال رايدر: "هذا العمل مستمر، ولأسباب تتعلق بالأمن التنفيذي، لن نناقش الأعداد الدقيقة للقوات الأمريكية أو الجداول الزمنية للانسحاب التدريجي للقوات".
خطط مستقبلية معلّقة
في السياق، تقول كل من بريطانيا وفرنسا، اللتين توجد قواتهما على الأرض بسوريا، إنهما لن تَبقيا إذا انسحبت الولايات المتحدة. لكن جهود واشنطن لوضع خطة، أصبحت معلقة في حين تتفاوض الإدارة مع تركيا، بحسب "الواشنطن بوست".
وتضيف الصحيفة: "يتفق الجميع على الحاجة إلى وجود ما يشبه قوة لمكافحة الإرهاب، للقضاء على آلاف المسلحين المأجورين قضاءً مبرماً، وضمان ألا يعيدوا تنظيم صفوفهم". ومع ذلك، اتفق ترامب مع أردوغان أيضاً، على إقامة "منطقة آمنة" محميَّة عسكرياً في سوريا على طول الحدود التركية، لمنع الهجمات الكردية، وقال إن "قوة دولية" ستتولى هذه المهمة.
ولا يرغب البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) أو بريطانيا أو فرنسا في أن يكونوا جزءاً من مثل هذه القوة، وهناك أحكام قانونية تحظر على ثلاثتهم نشر قواتهم في سوريا لأي أسباب أخرى بخلاف قتال داعش.
وقال مسؤول أمريكي بارز آخر للصحيفة الأمريكية، إن وجود قوة "دولية" لتأمين المنطقة ليس خياراً متاحاً. ولكن الفكرة الأحدث هي أن المقاتلين الأكراد من "وحدات حماية الشعب YPG"، التي تشكل الجزء الأكبر من شركاء القوات الأمريكية على الأرض في سوريا، والتي تسمى قوات سوريا الديمقراطية- "سينسحبون" من الحدود. وقال هذا المسؤول إن "مسألة من، إلى جانب القوات المحلية"، سيؤمِّن ويحرس منطقة بعرض 32 كيلومتراً، "لم تُحل".
ولم يوافق أحد، خاصة تركيا، على هذه الفكرة بعد. وقال الزعماء الأكراد الذين هم جزء من "قوات سوريا الديمقراطية"، إنهم على استعداد لفتح حوار مع حكومة بشار الأسد ومع روسيا، الداعم الرئيسي له، حول انضمام القوات الكردية إليهما.
هل تتحسن أم تسوء العلاقة بعد الانتخابات؟
وعلى الرغم من تفاؤل البعض، يخشى مسؤولون أمريكيون آخرون من أن العلاقة الأمريكية-التركية قد تزداد سوءاً بعد انتخابات الأحد 31 مارس/آذار 2019. إذ لم تحرز المحادثات حول المنطقة الآمنة سوى قليل من التقدم، ومن دون وجود اتفاق، يمكن أن تتخذ تركيا "إجراءً أحادياً".
بحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه "بغض النظر عما يحدث، فمن غير المرجح أن تؤدي الانتخابات إلى عرقلة سيطرة أردوغان على السلطة. لكنه أطلق حملات متواصلة لمصلحة مرشحي حزبه، قبل استطلاع للرأي يرى كثيرون أنه استفتاء على قيادته، خاصةً إدارته للاقتصاد، الذي أصبح يعاني ركوداً أول مرة منذ عقد، بعد سنوات من النمو المطرد".
وفي حين جال ببلاده لحشد المؤيدين الأساسيين، استخدم أردوغان خطابات حماسية تتحول أحياناً إلى خطابات ملتهبة في هذه التجمعات.
ومع أن تركيا تصنع المكونات الرئيسية للمقاتلات من طراز "إف-35″، هدد الكونغرس بإلغاء الصفقة المخطط لها بشراء تركيا 100 طائرة من ذلك الطراز إذا مضت قدماً في صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية. وقال حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة إن "وجود الاثنين في تركيا سيكون خطراً أمنياً لا يمكن تحمُّله".
وفي حين تقول تركيا إن مشترياتها الدفاعية "خيار سيادي"، قال أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية: "لقد اتخذوا خياراً سيادياً أيضاً منذ عدة سنوات، ليكونوا جزءاً من الغرب وجزءاً من حلف الناتو"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وبالنسبة للأمريكيين، لم يترك أردوغان ومسؤولون أتراك آخرون احتمالاً كبيراً للشك في خططهم لتسلُّم المنظومة الروسية، رافضين العروض الأمريكية لبيع تركيا منظومة دفاع جوية من صواريخ باتريوت، واصفين إياها بأنها "عروض ضعيفة ومتأخرة جداً".
ووفقاً لوكالة رويترز، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، للصحفيين، الجمعة 29 مارس/آذار 2019، بعد اجتماعه مع نظيره الروسي سيرجي لافروف: "اتفقنا مع روسيا في النهاية ووقّعنا على اتفاق، وهذا الاتفاق صفقة محسومة".