منطقة أخرى جنوب القارة الأمريكية قد تصبح نقطة اشتباك بين الولايات المتحدة وبين روسيا بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها البلاد، إنها فنزويلا التي ارسلت روسيا مؤخراً قوات لها هناك في الوقت الذي اعلن فيه ترامب تنصيب زعيم المعارضة رئيساً للبلاد.
وبحسب موقع Vox الأمريكي، أرسلت روسيا مؤخراً طائرتين عسكريتين مليئتين بالقوات والمعدات إلى فنزويلا. ومن شأن هذه الخطوة أن تستفز استجابة قوية من الولايات المتحدة، وربما تؤدي إلى إغراق هذا البلد الواقع في أمريكا الجنوبية في مزيد من الفوضى.
إذ هبط حوالي 100 روسي خارج كاراكاس، عاصمة فنزويلا، مع معدات مجهولة الأسبوع الماضي وليس من الواضح تماماً سبب وصولهم الآن، على الرغم من بعض المخاوف من أنهم قد جاءوا لمساعدة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في صد محاولة تقودها الولايات المتحدة للإطاحة به. ومع أنَّ روسيا أرسلت في الماضي عدداً قليلاً من المستشارين إلى فنزويلا، فإنَّ 100 جندي رقم أكثر من أن يكون طبيعياً، حسبما ذكرت شبكة CBS.
روسيا تحافظ على مصالحها أم تدعم مادورو؟
ومع ذلك، يقول خبراء آخرون ومسؤولون أمريكيون إنَّ روسيا تحاول فقط حماية موظفيها الدبلوماسيين وموظفين آخرين في فنزويلا إلى جانب عمل صيانة لمعداتها العسكرية في البلاد. بعبارة أخرى، فإنَّ الـ100 روسي أو نحو ذلك موجودون في فنزويلا لمساعدة أنفسهم لا مساعدة مادورو، بحسب الموقع الأمريكي.
لكنَّ المسؤولين والخبراء الأمريكيين لا يزالون حذرين، ويرجع ذلك بسبب أساسي إلى وجود خوف بسيط من أنَّ موسكو ربما تتدخل عسكرياً في أزمة فنزويلا كما فعلت في سوريا.
وكانت إدارة ترامب قد دعت، منذ شهر يناير/كانون الثاني، إلى تنحي مادورو، وانضمت إليها حكومات في أمريكا اللاتينية وأوروبا. ويرجع ذلك جزئياً بسبب معاناة البلاد من انهيار اقتصادي وأزمة إنسانية أثناء حكمه. والآن تعترف الولايات المتحدة ودول أخرى بغوايدو، زعيم الهيئة التشريعية في البلاد، والتي تسيطر عليها المعارضة، بوصفه الرئيس الشرعي لفنزويلا.
لكنَّ روسيا لم تقبل ذلك؛ إذ قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (وهو الرئيس نفسه الذي دبر عملية ضم شبه جزيرة القرم) في الـ24 من شهر يناير/كانون الثاني: "إنَّ التدخل المدمر من الخارج ينتهك بشكل صارخ القواعد الأساسية للقانون الدولي".
وفي حين يصر الكرملين على أنَّ لديه الحق في إرسال قوات روسية إلى فنزويلا، فإنَّ الولايات المتحدة غير سعيدة بذلك، بحسب الموقع الأمريكي.
فوفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، أخبر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 25 مارس/آذار الجاري أنَّ أمريكا "لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تزيد روسيا من التوترات في فنزويلا".
وجاء في المكالمة أيضاً: "إنَّ الإقحام المستمر للعسكريين الروس لدعم مادورو يخاطر بإطالة أمد معاناة الشعب الفنزويلي".
وقال الرئيس ترامب، الإثنين الماضي، بينما كان جالساً إلى جانب زوجة غوايدو في المكتب البيضاوي: "ينبغي لروسيا الخروج" من فنزويلا.
وكل هذا يثير السؤال: لماذا تخاطر روسيا بإثارة غضب الولايات المتحدة بشأن فنزويلا؟ ويبدو أنَّ ثمة سببين رئيسيين لذلك.
روسيا لديها علاقات مع فنزويلا مستمرة منذ عقود
وبحسب الموقع الأمريكي، تقول إدارة ترامب إنها تحاول إبعاد مادورو بسبب سوء إدارته الفظيع للبلاد. ويعتقد بعض النقاد أنَّ السبب الرئيسي، من بين أسباب أخرى، أنَّ ترامب يريد أن يجعل من معركته ضد الاشتراكيين مسألة خلافية في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
وقد أدى التركيز الأمريكي على فنزويلا، التي كانت منذ فترة طويلة هدفاً لمناهضي الاشتراكيين في الولايات المتحدة، إلى حرب صغيرة بالوكالة ضد روسيا.
وللوهلة الأولى قد يبدو من الغريب أنَّ موسكو، التي أمضت مؤخراً وقتاً طويلاً في محاولة ممارسة نفوذ في أوروبا والشرق الأوسط، تبالي إلى هذه الدرجة بدولة في أمريكا اللاتينية. لكن اتضح أنَّ فنزويلا كانت مصدر شاغل رئيسي لروسيا لعقود من الزمان.
والسبب الأول في ذلك أنَّ التحالف الوثيق مع فنزويلا يمنحها موطئ قدم في نصف الكرة الأمريكي. ذلك أنَّ روسيا، لا سيما في عهد بوتين، لديها خطط لتصبح لاعباً عالمياً أساسياً. وكذا فإنَّ ممارسة الكثير من النفوذ في أمريكا الجنوبية طريقة لفعل ذلك، وربما كبح قوة واشنطن في غضون ذلك، بحسب الموقع الأمريكي.
وقد بنت روسيا صداقة مع فنزويلا، وحافظت على هذه الصداقة، من خلال التقارب مع القيادة الاشتراكية للبلاد، التي وصلت إلى سدة الحكم منذ التسعينيات. وهو ما يجعل من الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لإزاحة مادورو أمراً مزعجاً لموسكو: فلو غادر مادورو وحل غوايدو محله، فربما تصبح فنزويلا أقرب إلى الولايات المتحدة من روسيا.
وقال فلاديمير روفينسكي، المتخصص في العلاقات الروسية الفنزويلية بجامعة كالي في كولومبيا، في تقرير كتبه في شهر فبراير/شباط إلى مركز ولسون في واشنطن: "لو حدث وخرجت فنزويلا عن المدار الروسي، فسوف يكون ذلك أمراً مؤلماً للغاية للكرملين. لذا تحاول موسكو جاهدة منع حدوث ذلك".
والسبب الثاني سبب اقتصادي بحت؛ إذ اشترت فنزويلا معدات عسكرية روسية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، إلى درجة أنَّ كل ترسانتها الحالية تقريباً تأتي من روسيا. ولا تريد موسكو، بالتأكيد، خسارة مثل هذا العميل البارز.
لكنَّ الروابط الاقتصادية الحقيقية ترتكز حول النفط.
إذ أنفقت شركة النفط الوطنية الروسية، روسنفت، حوالي 9 مليارات دولار على الاستثمار في مشروعات النفط الفنزويلية منذ عام 2010، وذلك وفق ما أوردته شبكة Reuters بتاريخ 14 مارس/آذار. ولم تغط الشركة نفقاتها حتى الآن، بل إنَّ فنزويلا، في حقيقة الأمر، مدينة لها بحوالي 3 مليارات دولار.
وعلاوة على ذلك، فإنَّ شركة روسنفت تمتلك حقلين بحريين للغاز في فنزويلا ولها حصة تقدر بحوالي 20 مليون طن من النفط الخام هناك.
وهذا هو سبب الاهتمام البالغ من إيغور سيشن، رئيس شركة روسنفت والذي ربما يعد ثاني أقوى رجل في روسيا، بفنزويلا. فعلى سبيل المثال، سافر سيشن إلى كاراكاس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني لمقابلة مادورو، وبشكل أساسي للشكوى من الديون المستحقة لشركته.
وبالنظر إلى أهداف روسيا عالمية النطاق ومصالحها الاقتصادية في فنزويلا، فلا غرو أن ترسل قوات قليلة العدد إلى البلاد لدعم مادورو وإظهار عزمها.
وكتب ألكسندر غابويف، الخبير في مركز كارنيغي في موسكو، لصحيفة the Financial Times بتاريخ الـ3 من فبراير/شباط: "لقد استثمرت روسيا بالفعل بشكل عميق في نظام مادورو، إلى درجة أنَّ الخيار الواقعي الوحيد لها هو أن تضاعف هذا الاستثمار".