نقلت صحيفة The Guardian البريطانية، عن الشرطة النمساوية، أن زعيم حركة الهوية في البلاد (Identitarian Movement)، مارتن سيلنر، تلقَّى تبرعاً بقيمة 1500 جنيه إسترليني (1970 دولاراً) من شخص يحمل اسماً متطابقاً مع الإرهابي مرتكب مجزرة كرايستشرش.
وبحسب الصحيفة البريطانية لا تزال تحقيقات جارية حول صلة القاتل المزعوم بسيلنر، وذلك في أعقاب مداهمة قوات الشرطة منزل سيلنر في فيينا، الإثنين الماضي 25 مارس/آذار 2019. ولكن ثمة تساؤلاً يلوح في الأفق: ما هي حركة الهوية، ومن هم الأشخاص المرتبطون بها؟
ما هي حركة الهوية؟
تُعرف حركة الهوية النمساوية (Identitäre Bewegung Österreichs (IBÖ) بأنها جزء من حركة هوية يمينية أكبر، تملك فروعاً في أغلب بلاد غرب أوروبا، وأمريكا الشمالية، ونيوزيلندا.
مثلما هو الحال مع المتهم بارتكاب مذبحة نيوزيلندا، تثير حركة الهوية على موقعها الرئيسي مخاوفَ من عملية "إحلال هائلة". يقول موقع Generation Identity (هوية الجيل) إن هذا "سوف يُحوّلنا إلى أقليات في بلادنا بعد عقود قليلة"، بحسب الصحيفة البريطانية.
تتضمن المنظمات التي تعتبر نفسها منضوية تحت حركة الهوية حركة جيل الهوية في فرنسا (Génération Identitaire)، وحركة جيل الهوية في إيطاليا (Generazione Identitaria). شاركت حركة الهوية الأمريكية (The American Identity Movement) في الولايات المتحدة (التي غيَّرت اسمها مؤخراً من Identity Evropa وحُظرت أنشطتها على فيسبوك) في مسيرات شارلوتسفيل، وسربت مؤخراً سجلات دردشة تشير إلى أن الشخصيات البارزة بين صفوفها تتضمن أفراداً في الجيش الأمريكي لا يزالون في الخدمة. ولا تتعدى حركة الهوية في أستراليا كونها مجموعة صغيرة من الأفراد في الوقت الحالي، إضافة إلى أن حركة السيادة في نيوزيلندا (Dominion Movement) ادعت على موقعها أنها حُلَّت في أعقاب مذبحة كرايستشرش.
يميل الأشخاص الذين يمثلون الوجوه العامة لحركة الهوية إلى أن يكونوا مهندمين ومن أبناء جيل الألفية، مثل سيلنر، وتستهدف الحركة علناً ضمَّ شباب جددٍ. ويهاجم المنتمون إلى حركة الهوية في الغالب التعددية الثقافية والهجرة، في إطار صراع بين الأجيال. ففي عام 2012، نشرت حركة جيل الهوية الفرنسية فيديو سيئاً احتوى على "إعلان حرب" ضد "جيل 68″، وهم أبناء الجيل الذي شارك في انتفاضة الطلبة عام 1968.
امتداد لأفكار اليمين الأوروبي
وبحسب الصحيفة البريطانية، تستمد الحركة جانباً كبيراً من أفكارها من الحركة المعروفة بـ "اليمين الأوروبي الجديد" (Nouvelle Droite)، وهي حركة فرنسية بدأت في الستينات وحاولت إعادة ترتيب الأفكار العنصرية بطريقة لا تثير انتباه الأوروبيين الذين مازالوا آنذاك يذكرون انتشار الفاشية ما بين الحربين الأولى والثانية.
واقتبس مفكرو اليمين الأوروبي الجديد مبادئهم من اليسار ليُقدموا نسخة غامضة من القومية العرقية التي تنادي بشعارات الدم والتربة، إذ تكون ملكية "الأوطان" بموجبها حقاً مقصوراً على الأوروبيين فقط. ويروج هؤلاء أيضاً إلى مبدأ "التحليل السياسي"، ويأملون في إحداث تغيير سياسي من خلال زرع الأفكار وتحقيق الهيمنة الثقافية. وكان هؤلاء أيضاً معادين للرأسمالية. وتجمعهم أرضية مشتركة بالقوميين البيض في الولايات المتحدة ومناطق أخرى. وصف علماء سياسة، من أمثال والتر لاكوير، اليمين الأوروبي الجديد بأنه حركة فاشية.
وبدأت حركة الهوية في ثوبها الجديد مع بداية العقد الأول من الألفية الجديدة، عندما تشكَّلت حركة جيل الهوية باعتبارها جناح الشباب لحركة "تجمع الهوية" (Bloc Identitaire) في فرنسا. وطوَّروا معادلة على مدى العقد التالي لا تزال مجموعات الهوية في كل مكان تستخدمها. مُزجت استفزازات الإسلاموفوبيا -مثل احتلال المساجد أو إقامة حفلات يُقدَّم فيها الخمر ونقانق لحم الخنزير في المناطق التي يعيش فيها المسلمون- مع جهود ترويجية بارعة استغلت بروز بيئة الاتصالات لمواقع التواصل الاجتماعي التي تؤيد الحرية وعدم التدخل.
من هو مارتن سيلنر؟
ارتبط سيلنر بنشر أفكار الهوية في جميع أنحاء أوروبا وحول العالم، وزيادة تكتيكاتها وجهود العلاقات العامة الخاصة بها.
عندما كان مراهقاً، ارتبط سيلنر بمجموعات النازيين الجدد النمساوية، لكنه ادعى منذ ذلك الحين أنه نبذ النازية. وفي عام 2012، أسَّس حركة الهوية النمساوية، التي عبَّرت عن معاداتها لليبرالية والتعددية الثقافية والإسلام، بدلاً من تبنِّي مبدأ الدم والتربة لليمين الأوروبي الجديد، القائم على "التعددية العرقية"، الذي يؤمن بأن كلَّ بلد يجب أن يكون مقصوراً على الجماعة العرقية المرتبطة بها.
وتعادي هذه الحركة منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إضافة إلى ما يعتبرونه إمبريالية أمريكية، ويؤيدون أصحاب أيديولوجية الموقف الثالث المؤمنين بالتوفيق بين الأفكار السياسية، الذين يعادون الاقتصادات الرأسمالية ويؤيدون تحالفاً للدول الأوروبية بقيادة روسيا.
يزعم سيلنر، مثل جميع أنصار حركة الهوية، أنه لاعنفي، لكن تكتيكاته تبنَّت المواجهة والاستفزازات والتهديد. في عام 2016، اجتاح أعضاء حركة الهوية النمساوية منصة داخل جامعة نمساوية قُدمت فوقها مسرحية كان أبطالها من اللاجئين، ولوحوا بلافتة مصبوغة بدماء زائفة.
وفي عام 2017، جمع سيلنر 100 ألف دولار للإبحار بسفينة في البحر الأبيض المتوسط من أجل اعتراض المهاجرين القادمين من إفريقيا إلى أوروبا وإعادتهم إلى بلادهم. ونفذ سيلنر هذه المهمة في صحبة خطيبته بريتاني بيتيبون، ونجمة يوتيوب القومية البيضاء لورين ساوثرن، وباءت في النهاية بفشل ذريع. زار ثلاثتهما قبل عام بلدة لوتن الإنكليزية وأهانوا المسلمين بشعارات استفزازية، ومُنعوا بسبب ما فعلوه من دخول البلاد، بحسب الصحيفة البريطانية.
وفي عام 2018، حاولت السلطات النمساوية مقاضاة سيلنر ونشطاء آخرين في حركة الهوية النمساوية، متهمين إياهم بنشر خطاب الكراهية وتشكيل تنظيمات إجرامية. لكنهم بُرّئوا من التهم في يوليو/تموز.
وفي العام الماضي، قضى ميلنر بعض الوقت في الولايات المتحدة، موطن خطيبته، وسجل مدونات صوتية عن حركة الهوية مع جيمس ألسوب، الذي شارك في مسيرات شارلوتسفيل، واختير ليكون مسؤولاً في الحزب الجمهوري في ولاية واشنطن.
حظيت الادعاءات العنصرية المتعلقة بالخوف من عملية "الإحلال الهائلة" بمكانة رئيسية متقدمة في بيان مرتكب هجوم كرايستشرش، لكن حركات الهوية هي الأخرى عبرت عن مثل هذه المخاوف. لذا قد تؤدي مذبحة كرايستشرش إلى مزيد من التدقيق في أفكار حركات الهوية حول العالم.