كان الغرض الأساسي من إنشاء الأمم المتحدة مع نهاية الحرب العالمية الثانية هو وضع أسس وثوابت دولية تضمن وضع صمام أمان يمنع وقوع حرب عالمية ثالثة ستقضي بلا شك على كوكب الأرض في ظل وجود أسلحة الدمار الشامل. وكان أهم الثوابت التي تم الاتفاق عليها بالإجماع هو عدم جواز الاستيلاء على أرض الغير بالقوة.
ومن هذا المنطلق لم تعترف أي دولة أو هيئة بإعلان تل أبيب عام 1981 ضم هضبة الجولان المحتلة، لكن ساكن البيت الأبيض غريب الأطوار فعلها هذه المرة، فماذا يعني ذلك بالنسبة للمنطقة والعالم؟ وهل بقرار ترامب وتهليل نتنياهو تم إغلاق الملف أم أن الرفض الدولي سيكون عوناً لسوريا في الاحتفاظ بفرص استعادة ذلك الجزء من أراضيها ولو حتى على الورق؟
خصيصاً، بعد أن طلبت دمشق الثلاثاء 26 مارس/آذار 2019 عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لبحث السيادة على الجولان، بينما تواصلت ردود الفعل الغاضبة والرافضة لقرار ترامب من الأركان الأربعة للكرة الأرضية.
مبررات ترامب ونتنياهو
دعونا أولاً نستعرض وجهة نظر الرئيس الأمريكي وحليفه رئيس الوزراء الإسرائيلي في تلك الخطوة، التي وإن كانت غير مفاجئة إذ سبقها تمهيد منذ ترشح ترامب للرئاسة، ولكنها تظل قنبلة انفجرت شظاياها في جميع الاتجاهات.
مبررات ترامب نأخذها من على لسان مايكل دوران، كبير باحثين في معهد هودسون بأمريكا وكان أحد المستشارين في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وذلك في معرض دراسة أعدها معهد كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط ونشرها في يوليو/تموز 2018 بعنوان: "ماذا سيحدث لو اعترفت الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان؟"، "ماذا سيحدث لو أعادت إسرائيل هضبة الجولان إلى سوريا؟ سنجد القناصة الإيرانيين يصوبون بنادقهم إلى البلدات والمدن الإسرائيلية التي تطل عليها الهضبة، وهذا بالطبع أمر غير مقبول!"، هكذا بدأ السيد دوران إجابته عن سؤال البحث.
وأضاف أنه لو حتى حدث تغيير في النظام في سوريا وجاء نظام على وفاق مع السياسات الأمريكية فإن مثل هذا النظام ليس مقدراً له أن يستمر في الحكم، مؤكداً أن أفضل حل هو أن تظل الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية". هكذا يفكر نتنياهو وهذا هو ما يراه ترامب ولا يرى غيره.
سابقة تفتح أبواب الجحيم
ننتقل من المبررات إلى التبعات، فبحسب مسؤول إسرائيلي لم تسمه صحيفة الواشنطن بوست الأربعاء 27 مارس/آذار "أظهر قرار ترامب ضم الجولان لإسرائيل أن الأراضي التي يتم احتلالها في حرب دفاعية يمكن الاحتفاظ بها وضمها ويكون ذلك مبرراً".
وهذا التعليق تأكيد لتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في المؤتمر الصحفي مع ترامب حينما قال: "إسرائيل فازت بالجولان في حرب عادلة دفاعاً عن النفس".
كثير من المراقبين يرون في هذا التبرير تعارضاً مباشراً مع ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية، بل يرونه تحدياً مباشراً لثوابت العلاقات الدولية التي تم إرساء قواعدها بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة، بحسب "واشنطن بوست".
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يرفض المجتمع الدولي استخدام الدول للحروب في ضم أراضي الغير بالقوة وينص ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 على أنه على "جميع الأعضاء الامتناع في علاقاتها الدولية عن التهديد باستخدام القوة ضد سيادة الدول واستقلالها السياسي ووحدة أراضيها".
وبعد إعلان إسرائيل ضم الجولان عام 1981 اعتبر مجلس الأمن الدولي بالإجماع (الولايات المتحدة ضمن ذلك الإجماع) أن خطوة تل أبيب "كأن لم تكن، وليس لها تأثير قانوني دولي على الأوضاع في الجولان المحتلة"، كما أن الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض كانا دائماً يشيران في بياناتهما ذات الصلة إلى الجولان على أنها "أرض محتلة".
على المستوى الدولي، اعتبرت الولايات المتحدة والأمم المتحدة أن ضم روسيا لمقاطعة كريميا الأوكرانية إلى أراضيها "خطوة غير قانونية"، وفرضت واشنطن والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عقوبات على موسكو عام 2014 لذلك السبب، وذلك أبرز دليل على الازدواجية الأمريكية في تلك النقطة، بحسب تقرير لـ "واشنطن بوست".
رفض دولي حاسم، لكن ما وزنه؟
في ضوء تلك المعطيات، كان الرفض الدولي لقرار ترامب حاسما، فخلال اجتماع شهري صباح الثلاثاء مخصص للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، أظهر عدد من أعضاء مجلس الأمن استياءهم حيال قرار واشنطن الخروج عن الإجماع الدولي بشأن الجولان الذي تعتبرها الأمم المتحدة بموجب قرارات أصدرتها "أرضاً محتلة".
ونددت هذه الدول بسياسة "الأمر الواقع" التي يتبعها البيت الأبيض، بعد أن سبق واعترف في بادرة أحادية بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2018. وأكدت الدول الأوروبية الخمس الأعضاء في مجلس الأمن (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وبولندا) في بيان رسمي "لا نعترف بسيادة إسرائيل في المناطق التي تحتلها منذ حزيران/يونيو 1967، بما في ذلك هضبة الجولان".
وشددت هذه الدول على أن "ضم الأراضي بالقوة يحظره القانون الدولي. أي إعلان بشأن تغيير الحدود من جانب واحد يتعارض مع قواعد النظام الدولي وميثاق الأمم المتحدة".
وندّد السفير الفرنسي فرنسوا دولاتر، الذي ترأس بلاده مجلس الأمن هذا الشهر، بشدة خلال المناقشات بموقف واشنطن. وقال إن الأسس التي اتفقت عليها الأسرة الدولية من أجل سلام دائم في الشرق الأوسط "ليست خيارات أو قائمة يمكن الاختيار من بينها كما نشاء".
وتابع بالقول: "إن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان مخالف للقانون الدولي، خصوصاً لواجب عدم اعتراف الدول بوضع غير قانوني"، مستهدفاً مباشرة بكلامه الولايات المتحدة، بحسب ما أفادت وكالة فرانس بريس.
قرار ترامب نال تنديداً مباشراً أيضاً من حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، ومن روسيا وإيران بطبيعة الحال، حيث انتقدت السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت القرار، وقالت إنها أرض عربية محتلة. وأأكدت السعودية والإمارات أن القرار عقبة في طريق السلام.
كما أصدرت إيران تصريحات مماثلة ووصفت قرار ترامب بأنه يعد سابقة في القرن الحالي، بحسب رويترز.
وماذا بعد؟
ربما لا يكون لقرار ترامب تأثيرات فعلية على الوضع القائم في الجولان فهي تحت السيطرة العسكرية لتل أبيب بالفعل وفي ظل الأوضاع الداخلية في سوريا والدول العربية عموماً ليس من المنتظر حدوث تغيير على الأرض في المستقبل المنظور.
أما سياسياً فالأمور مفتوحة على كل الاحتمالات والمؤكد أن مجلس الأمن الدولي سيفشل في إصدار قرار جديد في هذا الشأن بحكم وجود الفيتو الأمريكي، وبالتالي سيلجأ الرافضون للقرار للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي من المتوقع أن تصدر قراراً سيصوّت لصالحه معظم إن لم يكن جميع الدول الأعضاء باستثناء واشنطن وتل أبيب.
إسرائيل بالطبع لا تقيم وزناً للقرارات الدولية فحكوماتها منذ النشأة تمارس سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة، والخطوة القادمة أصبحت منتظرة في أي لحظة وهي إعلان ضم معظم أراضي الضفة الغربية رسمياً لإسرائيل وربما تكون مكافأة ترامب لنتنياهو إذا ما فاز في الانتخابات المقبلة في أبريل/نيسان.
أما تأثيرات ما يحدث على الأوضاع الداخلية في دول المنطقة فهي قصة مختلفة تماماً، حيث ستضع الأنظمة العربية الحليفة لواشنطن خصوصاً الرياض وأبوظبي والقاهرة في موقف داخلي أصعب مما هو قائم، وفي المقابل يمثل قرار ترامب – بإجماع آراء المحللين – دفعةً قوية للنظام الإيراني والرئيس السوري بشار الأسد، حيث ستتحول الأنظار الآن إلى قضية كانت في حكم الميتة.