في أول لقاء تلفزيوني له قال الشاب الأسترالي ويليام كونولي الذي هشم بيضة فوق رأس سيناتور عقب الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزيلندا إن ما فعله لم يكن صحيحاً لكنه وحّد الناس.
وقالت صحيفة The Washington Post الأمريكية إن الأبطال الذين يُكرَّمون عقب الهجمات الإرهابية هم عادةً أوائل المستجيبين الذي هرعوا إلى مسرح الحادث لإنقاذ الناس.
لكن عقب الهجوم على مسجد كرايستشيرش، الذي راح ضحيته ما لا يقل عن 50 قتيلاً، لَمَع نجم شاب على بعد 1500 ميل من موقع الحادث. إذ قرر مراهق أسترالي من مدينة ملبورن، في الـ17 من عمره، ويُدعى ويليام كونولي، أن يتولى زمام الأمور بنفسه ويهشم بيضة على رأس سيناتور أسترالي ألقى باللوم على المسلمين أنفسهم في الهجوم المعادي للمسلمين الذي وقع في نيوزيلندا.
وكالنار في الهشيم، انتشر الفيديو الذي يسجل واقعة تهشيم البيضة، وكذلك رد الفعل الفوري من السيناتور اليميني المتطرف عن ولاية كوينزلاند فريزر آنينغ، الذي سدد لكمة لكونولي. واحتفل العالم بكونولي، وانتقد في الوقت نفسه آنينغ، وذلك على الرغم من أنَّ البعض حذروا من أنَّ الاستفزاز الذي قد يترتب عليه مزيد من العنف لا يعد رداً ملائماً أبداً، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وفي أول حوار له على شبكة 10daily الأسترالية، أمس الاثنين، 25 مارس/آذار 2019، أقرَّ كونولي: "لم يكن ما فعلته صحيحاً".
فعلته وحَّدت الناس
وأضاف كونولي، في حواره مع الشبكة: "إلا أنَّ هذه البيضة (التي هشَّمها على رأس السيناتور) وحَّدت الناس، وكما تعرف جمعت تبرعات، وصلت لعشرات الآلاف من الدولارات لهؤلاء الضحايا"، بحسب الصحيفة الصحيفة الأمريكية.
وقال كونولي: "تواصلت سيدة مع أحد أصدقائي في مدينة كرايستشيرش، وقالت لي إنه خلال هذه الفترة المظلمة من حياتها، كانت (حادثة البيضة) هي المرة الوحيدة التي ابتسمت فيها منذ وقوع الهجوم المأساوي. وأمام هذا أقف عاجزاً عن التعبير".
وربما يكون كونولي مصدوماً من مدى الشهرة التي حققها، عقب ما بدا أنها فكرة عفوية بعض الشيء رداً على حادث إرهابي. لكن باحثين درسوا كيف يميل المخ البشري للتصرف رداً على الهجمات الإرهابية، كانوا على الأرجح أقل اندهاشاً من هذه الشهرة.
ماذا يقول علماء النفس؟
إذ ركزت دراسة سابقة على الهجمات التي شنَّها اليميني المتطرف أندرس بريفيك في 2011 في النرويج -الذي اعتبره منفذ هجوم كرايستشيرش نموذجاً يُحتذى به- وكشفت أنَّ الإرهاب يكون له عادة تأثير سيكولوجي عابر للحدود، بحسب الصحيفة الأمريكية.
فعقب هجمات 2011 في النرويج، التي أسفرت عن مقتل 77 شخصاً، ارتفعت نسبة الأمراض المرتبطة بالتوتر والصدمة النفسية في الدولة المجاورة، الدنمارك، كتأثير مباشر لحادث إطلاق النار في النرويج.
وفي ذلك الوقت، قالت سورين دينيسين أوستيرغارد، أستاذة مساعدة في قسم الطب الإكلينيكي بجامعة آرهوس الدنماركية: "تُظهِر أبحاثنا أنَّ تأثير الهجمات الإرهابية يتجاوز الحدود القومية، ويؤثر في شعوب الدول الأخرى إلى درجة أنهم قد يصابون باضطرابات عقلية".
وبينما تظل معدلات الإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة نادرة بين المشاهدين بالخارج الذين يتابعون تغطية الهجمات الإرهابية، تؤيد هذه الدراسة الدنماركية أدلة عمرها عقود حول أنَّ مثل هذه الهجمات لها تأثير أوسع نطاقاً بكثير مما كنا نعتقد. و"تفترض نظرية إدارة الخوف (التي لخصها كريستوفر لونغ ودارا غرينوود في دراسة عام 2013، مشيرين إلى نتائج توصل إليها العديد من زملائهم) أنَّ إدراك العقل البشري، سواء الواعي أو الباطن، بحتمية الموت يمكن أن يؤدي إلى قلق يشل العقول"، بحسب الصحيفة الأمركية.
ومن هنا، جاءت الفكاهة ورد الفعل الذي أسر انتباه العالم عقب ساعات من هجوم كرايستشيرش.
وكتب لونغ وغرينوود: "قد تكون صناعة الفكاهة مرتبطة تحديداً بدرء القلق من الموت، ليس فقط لأنها ظاهرة مرتبطة بالثقافة، ومن ثم تكون مفيدة لإعادة التأكيد على مكانة الشخص في المجتمع، لكن يُعرَف حس الدعابة أيضاً بأنه آلية مواجهة نفسية مفيدة تُمكِّن الأشخاص من الصمود في وجه ظروف الحياة السيئة".
ويرى الباحثان أيضاً أنَّه "قد يُنظَر للفكاهة، من جهة، على أنها وسيلة يمكن من خلالها استنباط معنى أو تحقيق السيطرة عبر التكيف مع المواقف الغامرة بفصل النفس عنها". وفي حالة السيناتور الأسترالي، قد يكون المراقبون أشادوا بما رأوا أنه إحراج علني مبرر لسياسي أدينت أيديولوجيته المعادية للمسلمين لأنها تشجع الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة وربما أيضاً تطرف المتشددين، بحسب الصحيفة الأمريكية.
الردود تحدد المستقبل السياسي
وتسبب رد فعل آنينغ العنيف على ما بدت أنها حادثة غير مؤذية في تزايد تجمع المشاهدين من أنحاء العالم حول "فتى البيضة". وهذا المزيج من رد الفعل على تلقي بيضة على الرأس والظروف الكامنة وراء الحدث تحدد إلى أي اتجاه سيميل الرأي العام. ففي عام 2001، حين تعرّض جون بريسكوت، نائب رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، لهجوم بالبيض، دخل مع قاذف البيضة في ما أسمته الصحف الشعبية لاحقاً بـ"عراك اللكمات". وأشارت استطلاعات الرأي اللاحقة إلى أنَّ أغلب الجماهير اعتبرت أنَّ رد فعل بريسكوت العنيف كان مُبرَّراً. ومع ذلك، فما يحدد مدى الدعم الذي يلقاه الشخص المستهدف من الهجوم، هي حجم الشعبية التي يتمتع بها، فيما يتمنى بعض الساسة لو أنهم كانوا أكثر تماسكاً في ردهم على قذف كعكة أو بيضة عليهم، بحسب الصحيفة الأمريكية.
فعلى سبيل المثال، أظهر السياسي الفرنسي نيكولاس ساركوزي رداً غاضباً عقب قذفه بفطيرة بينما كان لا يزال عمدة لمدينة محلية. لكن بعدها بنحو 20 عاماً، اضطر ساركوزي، وكان وقتها رئيساً، للاعتذار بعد أن قذف ابنه شرطياً بثمرة طماطم.
وبالرغم من أنَّ البيض وغيرها من الأشياء التي كثيراً ما تُقذَف على الساسة تثير جدالات حول الحدود المعقولة للتعبير عن الاحتجاج، فإنها غالباً ما تشتت الانتباه عن المسائل الأهم التي كانت سبباً بالأساس في إثارة هذا الاحتجاج. وفي حالة كونولي، كان تشتيت الانتباه هو بالضبط ما يبحث عنه ملايين المشاهدين.
لكن عقب أسبوعين تقريباً من قذف كونولي أشهر بيضة في العالم، بدا خلال المقابلة التي أجراها مع شبكة 10daily متشككاً، ليس بشأن الحدود المعقولة للاحتجاج، لكن إلى أي مدى ينبغي أن نسمح بأن يتشتت تركيزنا عن الحادث الفعلي؛ إذ حذر المراهق ذو الـ17 عاماً: "الأمر يتخذ منحى خاطئاً إلى الحد الذي أصبح فيه محرجاً؛ لأن أغلب التركيز انصب بعيداً عن الضحايا الفعليين للفاجعة التي وقعت".
وقال: "لا بد لنا أن نركز عليهم".