في عام 2010، طلب رئيس النظام السوري بشار الأسد من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في خطابٍ خاص أن يرعى محادثات سلام جديدة بين سوريا وإسرائيل، وهي عملية دبلوماسية استعصت على مجموعةٍ من الرؤساء الأمريكيين السابقين.
إذ كانت النقطة الشائكة الرئيسية هي السيطرة على مرتفعات الجولان -وهي هضبة استراتيجية قابلة للاشتعال بين سوريا وإسرائيل والأردن ولبنان- التي استولت عليها إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967.
لكنَّ هذه المحادثات لم تبدأ قط، وفي عام 2011 اندلعت الحرب في سوريا التي دمَّرت البلاد وأعادت تشكيل النظام الإقليمي إلى حدٍّ كبير لدرجة أنَّ معظم الدول العربية تعاملت بلا مبالاة مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخميس الماضي 21 مارس/آذار باعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
إذ قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن ترامب سيوقع يوم الإثنين 25 مارس/آذار مرسوماً يعترف بالسيادة الإسرائيلية على الهضبة وذلك من خلال استضافته رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض.
دول الخليج تصطف بجانب إسرائيل هذه المرة
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إنه في الوقت الراهن، تهتم دول الخليج بالتحالف مع إسرائيل ضد إيران أكثر من اهتمامها بالدفاع عن الأفكار المجردة المتمثلة في "الكرامة العربية"، بينما دفعت الاضطرابات والمشكلات الاقتصادية الدول العربية الأخرى إلى أن يكون اهتمامها الأكبر مُنصبَّاً على شؤونها.
أمَّا بالنسبة لسوريا، فقد أصبحت ضعيفة ومنبوذة بشدة بعد استمرار الحرب فيها 7 سنوات لدرجة أنَّ عدداً قليلاً من الدول أصبح يهتم برغباتها.
إذ قال كريم سقا رئيس تحرير موقع "رصيف 22" الإخباري العربي: "كان يُنظر إلى الجولان دائماً على أنَّها الجزرة التي ستتخلى عنها إسرائيل من أجل السلام مع سوريا، أمَّا الآن، فالسلام غير مهم، وسوريا غير مهمة، بل ربما لم تعد سوريا موجودةً على طاولة المفاوضات بصفتها المالك الشرعي للأرض".
جديرٌ بالذكر أنَّ هضبة الجولان منطقة جميلة واستراتيجية بشدة تمنح كل من يسيطر عليها أفضليةً عسكرية مميزة على المناطق المحيطة. إذ استخدمها الجيش السوري في قصف الجليل، واستولت عليها إسرائيل بصفتها أحد الأصول الاستراتيجية التي اعتبرتها ضرورية لأمنها، مما أدى إلى تشريد عشرات الآلاف من سكان المنطقة العرب في أثناء ذلك.
صفعة للعرب لم ترد لإسرائيل حتى اليوم
وكانت هذه صفعة قوية للعرب، الذين رأوا الاحتلال الإسرائيلي مثالاً آخر على فشل النظام الدولي في تطبيق قواعده. وأطلقت سوريا محاولةً فاشلة لاستعادتها في حرب عام 1973، انتهت بهدنة جلبت مراقبين دوليين لكنَّها تركت معظم الأراضي تحت السيطرة الإسرائيلية.
وفي عام 1981، ضمَّت إسرائيل الهضبة إليها فعلياً، في خطوةٍ رُفِضَت في قرار أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على أساس مبدأ أنَّ "الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول".
وجاء في القرار أنَّ "قرار إسرائيل بفرض قوانينها وسلطتها القضائية وإدارتها على مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ومُلغى ولا يترتب عليه أي أثر قانوني دولي".
لكنَّ هذا القرار لم يُقابَل بإجراءاتٍ فعلية كثيرة لإنفاذه، وأصبح التنديد بالاحتلال محور حديث أساسياً للرئيس حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي. وفي سوريا التي كان فيها النشاط السياسي دون إذن السلطات محظوراً، كانت المسيرات المُطالِبة باستعادة الجولان أمراً شائعاً، وكان تلاميذ المدارس يتعلمون الهتاف لتحريرها.
ومع ذلك، ظلَّت الجولان في كثيرٍ من الأحيان الجزء المنسي من "الأراضي المحتلة". إذ أعيدت سيناء إلى مصر ضمن اتفاقية سلام، وأصبح مصير الضفة الغربية وغزة محور محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
لكنَّ الجولان كانت مختلفة. فسكانها الأصليون لم يكونوا فلسطينيين، بل عرباً من الطائفة الدرزية احتفظ معظمهم بالجنسية السورية وتجنبوا السياسة. وتفادت المنطقة الانتفاضات والحروب التي اجتاحت الأراضي الفلسطينية. وقد عرضت إسرائيل منح الجنسية لسكان المنطقة العرب، لكنَّ القليلين منهم قبلوها.
المستوطنات أكلتها أمام أعين أصحابها
وبمرور الوقت، بنت إسرائيل العشرات من المستوطنات هناك، وبذلك وصل عدد السكان اليهود في المنطقة إلى حوالي 26 ألف نسمة، متجاوزاً عدد السكان العرب الذي يبلغ 22 ألفاً فقط. وبنى المستوطنون بساتين ومصانع خمور وفنادق صغيرة ومنتجعاً للتزلج، محوِّلين المنطقة إلى مكان لقضاء العطلات في إسرائيل.
وحاول عدة رؤساء أمريكيين إحياء محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل، وكانت آخر هذه المحاولات هي الجهود التي بذلها أوباما وجون كيري وزير خارجيته. لكن الحرب الأهلية السورية غيرت كل شيء. فمع تخصيص النظام السوري كل موارده لهزيمة المُعارضة والجماعات الجهادية، أسقط الجولان من قائمة أولوياته. وفي ظل تآكل الدولة السورية بسبب الحرب، أقامت إسرائيل علاقات سرية مع بعض قوات المعارضة بالقرب من الجولان، وأدخلت بعضهم إلى إسرائيل لتلقي الرعاية الطبية.
ولاحظ السوريون الذين عارضوا النظام أنَّ الأسد لم تكن لديه مشكلة في قصف مدن بلاده وخنق مواطنيه بالغاز للحفاظ على السلطة، بينما لم يفعل شيئاً تقريباً لـ"تحرير" الجولان.
إذ كتب أسعد حنا، الناشط المناهض للنظام السوري، تغريدةً على تويتر الخميس سخر فيها من عجز النظام السوري عن الرد على قرار ترامب، قائلاً: "تدعوكم وزارة الثقافة السورية لمجموعةٍ من الدبكات على طول البلد للتصدي للعدوان الغاشم" على الجولان.
وأضاف حنا: "المايدبك من قلبه… والله لكسر رجلينه".
من جانبه ذكر حسين إبيش، وهو باحثٌ أقدم مقيم معهد دول الخليج العربي في واشنطن، أنَّ وحشية الأسد جعلت عدداً قليلاً من دول المنطقة مستعداً للوقوف في صفه بشأن قضيةٍ من قضايا القانون الدولي.
وقال: "بالنسبة لعامة الشعوب، فحين يفكرون في سوريا، فإنَّ اهتمامهم بالموت والمعاناة يتجاوز اهتمامهم بالخسارة الرسمية لشيءٍ ضاع بالفعل منذ فترة طويلة".
لكنَّ اعتراف ترامب بالاستيلاء على أراضي دولةٍ ما من جانب دولة أخرى قد يُصعِّب على الولايات المتحدة أن تتصدى "للرجال الأقوياء حين يستولون على أراضي دولٍ أخرى".
إذ قال إبيش: "ستتلقى مفاهيم النظام الدولي والقانون الدولي ضربة كبيرة هنا. فالآن، ماذا سنقوله إذا تكرَّر ما فعله صدام حسين في الكويت؟ "نريدك أن تخرج؟! حسناً، على أي أساس؟".