مع تردد عبارة "الجيب الأخير" لتنظيم داعش في نشرات الأخبار واقتراب نهاية أكثر تنظيم منتسب للإسلام دموية وشراسة، دعونا نراجع معاً صعود "الدولة الإسلامية في سوريا والعراق" في السنوات القليلة الماضية، وأبرز محطات ذلك الصعود، وتمدد مساحة الأرض التي سيطر عليها التنظيم حتى انكماشها مؤخراً في "الجيب الأخير".
متى وأين كانت البداية؟
جاءت البداية مع إعلان تنظيم "جماعة التوحيد والجهاد" انضمامه لتنظيم القاعدة عام 1999، وشارك في المقاومة العراقية للغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وفي عام 2004، أعلن أبو مصعب الزرقاوي تأسيس تنظيم القاعدة في العراق، وبعد مقتله في غارة أمريكية في السابع من يونيو/حزيران 2006، تولى أبو أيوب المصري قيادة التنظيم، وكان وجود القاعدة في العراق على الأرض محصوراً في الفالوجة وما حولها من مدن عراقية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2006، أعلن أبو أيوب المصري تأسيس "الدولة الإسلامية في العراق" تحت إمارة أبو عمر البغدادي.
وفي أبريل/نيسان 2010، تولى أبوبكر البغدادي الإمارة بعد مقتل المصري وأبو عمر البغدادي في عملية أمريكية-عراقية مشتركة استهدفت مقرهما.
الدولة الإسلامية في العراق والشام
في أبريل/نيسان 2013، أعلنت الدولة الإسلامية في العراق عن دمج جبهة النصرة في سوريا، وأعلن البغدادي وقتها عن الاسم الجديد للتنظيم وهو "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، الذي أصبح معروفاً إعلامياً بتنظيم "داعش".
وفي يناير/كانون الثاني 2014، استولى تنظيم داعش على الفلوجة في العراق، وفي 3 فبراير/شباط 2014، أدانت القاعدة تنظيم داعش، بعد شهور من القتال بين داعش وجبهة النصرة.
وفي أوائل يونيو/حزيران 2014، سيطر مقاتلو داعش على مدينتي الموصل وتكريت شمالي العراق، واستمر التقدم الصاروخي للتنظيم ليعلن في 21 يونيو/حزيران السيطرة على مدينة القائم الحدودية مع سوريا، وكذلك 3 مدن عراقية أخرى.
إعلان قيام الخلافة
في 29 يونيو/حزيران 2014، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام قيام "الخلافة الإسلامية" وإلغاء الحدود بين الأراضي التي تقع تحت سيطرته، ليصبح أبوبكر البغدادي "خليفة المسلمين". وأعلن التنظيم تغيير الاسم إلى (الدولة الإسلامية).
في يوليو/تموز 2014، سيطر مقاتلو داعش على أكبر حقل سوري للبترول وحقل غاز آخر في حمص، بعد أن اقتحموا المواقع وقتلوا عشرات العاملين. وفي نفس الشهر سيطر داعش على مساحة تزيد عن 90 ألف ميل من الأراضي السورية، تمتد من دير الزور حتى الحدود العراقية. وفي 6 أغسطس/آب 2014، هاجم مقاتلو داعش مدينة سنجار في شمالي العراق.
سيطرة وتوسع وجرائم بالجملة
عند إعلان الخلافة في يونيو/حزيران 2014، كان داعش يسيطر على مساحة كبيرة من الأراضي، قُدرت بأكثر من 34 ألف ميل مربع في سوريا والعراق، تمتد من سواحل البحر المتوسط حتى جنوبي بغداد.
وبلغت تكلفة آلة الحرب الداعشية أكثر من 2 مليار دولار من دخل آبار البترول والتهريب والضرائب والفدية من عمليات الخطف وبيع الآثار المنهوبة والمحاصيل الزراعية في المناطق التي تسيطر عليها.
في تلك الفترة عاش تحت حكم داعش ما لا يقل عن 2 مليون نسمة، ووصلت أقصى التقديرات إلى 8 ملايين شخص، طبقاً لتقارير الأمم المتحدة.
كما شهدت الفترة من يونيو/حزيران 2014 ولمدة عامين تقريباً قيام داعش بتنفيذ وتصوير إعدامات مروعة لمختطفين أجانب، وبث الفيديوهات عبر منصاته الإعلامية على الإنترنت، مسبباً غضباً عارماً حول العالم وداخل الدول العربية والإسلامية.
وفي 8 أغسطس/آب 2014، شنت الطائرات الحربية الأمريكية هجمات ضد وحدات المدفعية التابعة لداعش في العراق، وأعطى الرئيس الأمريكي باراك أوباما تعليماته بتوجيه ضربات جوية هدفها حماية المسؤولين الأمريكيين ومنع "الإبادة المحتملة" للأقليات في العراق.
في 11 سبتمبر/أيلول 2014، قدرت المخابرات المركزية الأمريكية عدد مقاتلي داعش بأكثر من ثلاثين ألفاً، أي أكثر من ثلاثة أضعاف العدد قبل ثلاثة أشهر فقط.
تحالف دولي ضد داعش
في 23 سبتمبر/أيلول 2014، وجهت الولايات المتحدة ضربات جوية مكثفة ضد تنظيم داعش، لكنها لم تقلل من مساحة الأرض التي يسيطر عليها التنظيم.
في 22 يناير/كانون الثاني 2015، أعلن مسؤولون أمريكيون أن هجمات التحالف الدولي ضد داعش قتلت أكثر من 6 آلاف من مقاتليه.
في 3 فبراير/شباط 2015، داعش يبث فيديو وصوراً لعملية إعدام بشعة للطيار الأردني معاذ الكساسبة (حرقه حياً داخل قفص)، ويقوم الطيران الأردني بشن هجمات على مخازن للذخيرة ومواقع لداعش في الرقة بالعراق.
في 11 فبراير/شباط 2015، يطلب أوباما رسمياً من الكونغرس التصريح باستخدام القوة العسكرية ضد داعش.
بداية النهاية
واصل داعش التراجع تحت ضغط القوات الحكومية في العراق وسوريا وضربات التحالف الدولي وأيضاً هجمات الجماعات الأخرى، حتى تقلصت مساحة الأرض التي يسيطر عليها بنهاية عام 2015 إلى ما دون 23 ألف ميل مربع، أي أنه فقد نحو 14% من الأرض في عام ونصف العام.
لكن مؤشرات النهاية أصبحت أكثر وضوحاً في يوليو/تموز 2017، عندما فقد داعش السيطرة على أكبر المدن التي كانت في حوزته، وهي الموصل، بعد أن دخلها الجيش العراقي.
وبعد هذه الهزيمة الكبرى تواصل فقدان داعش للأراضي التي كانت تحت سيطرته، حتى أصبح لا يسيطر على نحو 2% فقط مما كان يسيطر عليه من أراضي في سوريا والعراق، وذلك في ديسمبر/كانون الأول 2017.
وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر البغدادي طرد ما تبقى من مقاتلي داعش من كافة الأراضي العراقية، وذلك بعد أن سيطر داعش على أكثر من ثلث أراضي العراق لمدة 3 سنوات تقريباً.
والأربعاء 20 مارس/آذار 2019.
لم يتبق لداعش سوى شريط ضيق من الأرض على نهر الفرات في الباغوز شرقي سوريا، حيث تتشبث به فلول التنظيم في محاولة أخيرة للبقاء، بعد أن كانوا يسيطرون على أكثر من ثلث أراضي سوريا والعراق.
وتشهد الباغوز الآن معارك طاحنة، وأعلنت قالت قوات سوريا الديمقراطية الجمعة 22 مارس/ آذار إنها اشتبكت مع عناصر داعش المتحصنين في الباغوز خلال الليل بدعم من ضربات جوية نفذها التحالف بقيادة الولايات المتحدة سعيا لهزيمة آخر جيوب المقاومة التابعة للتنظيم.
وتقاتل قوات سوريا الديمقراطية منذ أسابيع لهزيمة داعش في جيب الباغوز.
ويتحصن عناصر داعش فيما يبدو أنه كهوف في جرف صخري مطل على الباغوز وفي خنادق قريبة من نهر الفرات.
ونفذت طائرات حربية من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضربتين جويتين مساء الخميس استهدفتا تحركات التنظيم.