مجدداً، أمريكا تهدد بعدم تسليم تركيا طائرات إف 35 التي تعاقدت الأخيرة عليها، في أزمة سبق أن وقعت بين البلدين العام الماضي (2018)، فمن ينتصر هذه المرة: الأمريكيون أم الأتراك؟
وقال مسؤولون في الإدارة الأمريكية إن الولايات المتحدة قد توقف قريباً الاستعدادات الخاصة بتسليم طائرات إف-35 المقاتلة إلى تركيا، فيما ستكون أقوى إشارة من جانب واشنطن حتى الآن إلى أن أنقرة لا يمكن أن تحوز تلك الطائرة المتطورة ونظام الدفاع الصاروخي إس-400 الروسي في الوقت ذاته.
وتقترب الولايات المتحدة من مرحلة فارقة في مواجهة مستمرة منذ سنوات مع تركيا، شريكتها في حلف شمال الأطلسي، بعدما فشلت حتى الآن في إقناع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية سيقوض أمن طائرات إف-35 التي تعتبر أكبر مشروع عسكري في التاريخ وواحدة من أفضل الطائرات في العالم.
لماذا يخشى الأمريكيون صواريخ إس-400 الروسية إلى هذا الحد؟
وقالت كاتي ويلبارغر، القائمة بأعمال مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي الأمريكي: "إس-400 كمبيوتر وإف-35 كمبيوتر. لا يمكنك توصيل جهاز الكمبيوتر الخاص بها بذلك التابع لخصمك، وهذا بالأساس ما سنفعله".
وعلى الرغم من عدم اتخاذ قرار في هذا الصدد حتى الآن، فقد أكد مسؤولون أمريكيون أن واشنطن تدرس وقف الخطوات الجارية حالياً لإعداد تركيا للحصول على طائرات إف-35 التي تصنّعها شركة لوكهيد مارتن الأمريكية وتشارك أنقرة في خطوات تصنيعها.
وتم تصميم الطائرة S-400 الروسية لإسقاط طائرات أمريكا وقوات التحالف في نطاقات وأطوال أكبر من الأنظمة القديمة.
ويشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من احتمال تعرض تقنية F-35 الحساسة المصممة للتهرب من هذا النظام للخطر، واستخدامها لتحسين نظام الدفاع الجوي الروسي إذا كانت تركيا تمتلك كلا النظامين، حسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
الأمريكيون لأردوغان.. نحن جادون هذه المرة
وقال ويلبارغر: "هناك قرارات تصدر باستمرار بشأن الأشياء التي يجري تسليمها، تحسباً لحيازتهم الطائرات في نهاية المطاف".
وتابعت: "إذن، هناك أمور كثيرة سارية يمكن إيقافها، لكي نبعث بإشارات إليهم بـ(أننا جادون)". دون الخوض في تفاصيل تلك الإجراءات.
بيد أن مسؤولاً أمريكياً آخر قال إن من تلك التدابير أن تبحث الولايات المتحدة عن مواقع بديلة لمستودع للمحركات في تركيا.
وأضاف المسؤول أن البدائل المحتملة ستكون على الأرجح في غرب أوروبا.
ويوجد في تركيا مستودع لإصلاح محركات إف-35 بمدينة أسكي شهير في غرب البلاد.
ولكن الشركة الأمريكية المنتجة تقول كلاماً آخر
وقبل يوم واحد من تصريح رويترز، صرح متحدث باسم برنامج F-35، الثلاثاء 19 مارس/آذار 2019، بأن الولايات المتحدة ستسلم طائرتين مقاتلتين من طراز F-35 إلى تركيا، وفقاً لما نقلته صحيفة "الديلي صباح" التركية عن وكالة الأناضول.
وقال جو ديلا فيدوفا، لوكالة الأناضول، إن برنامج التسجيل التركي F-35، ومن ضمنه تدريب أفراد طياري الـF-35 الأتراك في قاعدة لوك الجوية الأمريكية، مستمر "حتى يتم توجيهه بطريقة أخرى".
وأنقرة أصبحت بالفعل تمتلك الطائرة
وقالت ديلا فيدوفا: "تمتلك تركيا حالياً طائرتين من طراز F-35A في القاعدة، وهناك طائرتان أخريان في طور الاستعدادات الأخيرة للذهاب إلى القاعدة.
ومن المقرر حالياً وصول الطائرتين الأُوليَين إلى البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني 2019″.
ولكن ديلا فيدوفا تجنب إعطاء المصادر موعد محدد، بسبب الاستعدادات النهائية والقضايا الفنية والظروف الجوية وجدول الرحلة.
ولكن ذكرت مصادر مطلعة على الأمر أن تسليم الزوج الأخير من الطائرة سيتم في غضون أسابيع.
فهي موجودة بأمريكا، ولكن هناك جدول زمني لشحنها إلى تركيا
وتسلمت تركيا طائرتين من طراز F-35 في يونيو/حزيران 2018.
وتم إرسال الطائرة إلى قاعدة لوك الجوية في ولاية أريزونا الأمريكية، حيث يتم استخدامها لتعليم الطيارين والأطقم الأتراك صيانة الطائرات والطيران بها.
ووفقاً لشروط الجدول الزمني الموضوع، من المفترض أن ترسل الولايات المتحدة الطائرة إلى تركيا في غضون سنة أو سنتين، بعد اكتمال التدريب على الطيران تحت رعاية الولايات المتحدة.
ولماذا تصر تركيا على شراء هذه الصواريخ الروسية؟
وسبق أن قال وزير الخارجية التركي إن بلاده أرادت شراء صواريخ باتريوت أمريكية الصنع، لكنها لم تكن قادرة على الحصول على التزام من واشنطن بذلك.
وفي صيف 2015، أعلنت هولندا وألمانيا والولايات الأمريكية المتحدة، الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أنها ستسحب أنظمة الدفاع الجوية "باتريوت" من تركيا، لعدم حاجة أنقرة إليها بعد الآن، على حد تعبيرها.
وجاء ذلك في وقت كانت فيه العلاقات التركية-الروسية تتسم بالتوتر، وتركَ هذا القرار أنقرة، التي لا تمتلك نظام دفاع جوي متطوراً، مكشوفة أمام الروس، الذين تكررت اختراقاتهم بعد ذلك للمجال الجوي التركي، إلى أن انتهى الأمر بإسقاط تركيا طائرة روسية من طراز سوخوي 24، وهو الأمر الذي خلق أزمة خطيرة بين البلدين.
وبعد هذه التجربة المريرة فإن تركيا مصرَّة على امتلاك هذه المنظومة
وتسبب إعلان تركيا خططها للحصول على نظام الصواريخ الدفاعية الروسية "إس-400" في عام 2017، في احتكاك دبلوماسي بين أنقرة وواشنطن، التي تطلب من حلفائها الأتراك التخلي عن المنظومة الدفاعية الروسية "إس-400" لمصلحة منظومة الدفاع الجوي الأمريكية "باتريوت".
لكن السلطات التركية اتخذت موقفاً حازماً بشأن هذه المسألة، ولا تخطط للتخلي عن شراء منظومات "إس-400" حتى عند شراء منظومات "باتريوت" الأمريكية.
ومن الأسباب التي تجعل تركيا تصر على إبرام هذه الصفقة هو الحصول على تكنولوجيا التصنيع لهذه المنظومة، خاصة أن أنقرة عانت تركيا كثيراً حتى حصلت على موافقة روسيا على معرفة عمل تقنية هذه المنظومة، وهو ما يتيح لتركيا مستقبلاً تصنيع هذه المنظومة محلياً، أو على الأقل المشاركة في تصنيعها مع روسيا.
ومن الأهداف التركية أيضاً لهذه المنظومة استمرار التعاون مع روسيا، التي باتت اللاعب الأهم في الأزمة السورية، إضافة إلى تركيا وإيران، فهذه الصفقة تقرب إلى حد كبير، وجهات النظر بين موسكو وأنقرة حيال هذا الملف الحساس والمهم بالنسبة إلى تركيا، وإبرام هذه الصفقة يأتي في إطار مزيد من التقارب بينهما.
أمريكا تهدد بعدم تسليم تركيا طائرات إف 35، ولكن لماذا لا تنفذ وعيدها؟
وسبق أن أعلن الكونغرس الأمريكي من قبلُ، أنه يعتزم تعليق تزويد تركيا بهذه المقاتلات الأمريكية التي تعتبر الأكثر تطوراً في العالم، بسبب خطط أنقرة للحصول على منظومات صواريخ إس-400 الروسية.
وخلال عام 2018، وقعت أزمة مماثلة، ولكنها كانت أسوأ بسبب اعتقال أنقرة القس الأمريكي أندرو برانسون، إضافة إلى مشكلة الصواريخ الروسية.
ففي أغسطس/آب 2018، مرَّر الكونغرس الأمريكي قانوناً قد يُوقِف بيع 100 مقاتلة من طراز F-35 من إنتاج شركة Lockheed Martin Corp لتركيا، بسبب الاتفاق الذي يمكّن الأتراك من شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية.
إلا أن وكالة Bloomberg الأمريكية علقت آنذاك، قائلة إن قرار حرمان الأتراك من هذه المقاتلات التي تعد الأحدث في العالم، ليس بالسهل.
إذ إنَّ تركيا تخطط لشراء 100 طائرة من طراز إف-34 إيه. وبصفتها شريكاً في البرنامج، فإنَّ القطاع العسكري المحلي لديها يساعد في صناعة طائراتٍ من طراز إف-35.
والمشكلة أنَّ وقف تصدير الطائرة إلى تركيا قد يؤدي إلى تفاقم عدة مشكلات في برنامج الطائرة أصلاً.
فتركيا ليست مجرد شريك في تصنيع الطائرة.. بل تحتكر بعض مكوناتها
فتركيا من رواد صناعة الطيران في العالم، وستجني 10 شركات تركية أرباحاً تقترب من 12 مليار دولار من صناعة مكونات للطائرة F-35، من بينها مكونات أساسية مثل مركز جسم الطائرة وبعض معدات الهبوط.
وتمثل تركيا المصدر الوحيد في العالم لإنتاج بعض المكونات، مثل نظام عرض قمرة القيادة.
والأمر الأبرز هو أنَّ شركة Turkish Aerospace Industries تُصنِّع مركز جسم الطائرة.
وقد اختيرت أيضاً مركزَ دعمٍ لمجموعة إف-35 الدولية.
وهذه قائمة تضم شركات صناعة الطيران التركية المشاركة في المشروع
تصنّع شركة TAI وتجمّع، جنباً إلى جنب مع Northrop Grumman، مركز جسم الطائرة، وأبواب حجيرة الأسلحة، وأبراج حمولة جو-أرض المستخدمة لنقل المعدات.
وتمثل شركة Ayesas المُورِّد الوحيد لمكونين رئيسيين في طائرة F-35: وحدة إطلاق الصواريخ عن بُعد، ونظام عرض قمرة القيادة البانورامي.
أما شركة Kale Aerospace، فتصنّع الهيكل الميكانيكي للطائرات، والقِطع التي تثبِّت دواليب الطائرات في أثناء الهبوط.
وتصنع شركة Fokker Elmo ما يمثل 40% من نظام الربط الكهربائي البيني السلكي لمحرك F135 المستخدم في الطائرة.
وتصنّع شركة Alp Aviation الهياكل الميكانيكية للطائرات، وأجزاء معدات الهبوط، وأكثر من 100 قطعة لمحركات F135، من بينها شيفرات الدوارات المتكاملة المصنوعة من مادة التيتانيوم.
وأردوغان قد يردُّ بشكل يؤدي إلى عرقلة مشروع الطائرة
وتشير Bloomberg إلى أنه في حال منعت الولايات المتحدة صفقة الطائرات، فإن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد يُوقِف تدفق تلك المكونات من بلاده.
وكتب وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، في يوليو/تموز 2018، في خطابٍ له وجهه إلى الكونغرس: "إن انقطع توريد المكونات التركية اليوم، فسيُسبِّب ذلك تعطُّلاً في إنتاج الطائرات، وهو ما سيؤخر تسليم من 50 إلى 75 طائرة ما يقرب من 18 إلى 24 شهراً، إلى حين توفير مصدر آخر للمكونات".
ولم يقل أردوغان كثيراً عما يمكن أن يفعله في حال حدوث ذلك.
وآنذاك قالت شركة Lockheed إنَّ الصفقة مع تركيا تسير حتى الآن في مسارها الطبيعي.
وقف تسليم الطائرات إلى تركيا لن يضر أنقره فقط، بل المشروع برمته
وكان وزير الدفاع الأمريكي السابق، جيمس ماتيس، قد حذر الكونغرس، العام الماضي (2018)، من وقف عمليات تسليم طائرات إف-35.
وقال ماتيس في رسالةٍ إلى المشرعين، في يوليو/تموز 2018، إنه على الرغم من اتفاقه مع "مخاوف الكونغرس حول ما وصفه بـ(الاتجاه الاستبدادي) في تركيا، وتأثيره على حقوق الإنسان وسيادة القانون"، فإنَّ وقف إرسال طائرات إف-35 يخاطر بـ "تعطيل سلسلة الإمدادات" الدولية، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع التكاليف وتأخير تسليم المقاتلات.
وتعتزم تركيا، في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، شراء نحو 100 طائرة من طراز إف-35، وبذلك تنضم إلى المملكة المتحدة وأستراليا كواحدة من أكبر الزبائن الدوليين.
والأمر قد ينعكس على أرباح الشركة الأمريكية وتكلفة الطائرة
وتمثل مبيعات الطائرات، وضمن ذلك طائرة F-35، نسبة 40% من عائدات شركة لوكهيد مارتن لعام 2018 والتي تزيد على 50.3 مليار دولار.
وخلال الأزمة السابقة التي وقعت العام الماضي (2018)، أراد محللون من مسؤولي شركة لوكهيد مارتن أن يشرحوا كيف سيؤدي منع تركيا من الاستحواذ على طائراتها من طراز F-35 إلى الإضرار بالأداء المالي الإجمالي لأكبر برنامج للشركة.
ولقد تحدث كل من قادة الكونغرس ومسؤولي البنتاغون ومديري "لوكهيد مارتن"، بشكل متكرر، عن الحاجة إلى خفض التكلفة الإجمالية للبرنامج إلى أقل من 100 مليون دولار لكل مقاتلة، إذا كان البرنامج سيكون مستداماً.
ولكن أي خطط للتوفير في التكاليف تمت مناقشتها من قبلُ، كانت في الأصل تشمل شراء تركيا المخطط له 100 طائرة من طراز F -35.
وتركيا تقول إن لديها بدائل
وفي أغسطس/آب 2018، انتقد الرئيس رجب طيب أردوغان قرار الولايات المتحدة تأجيل تسليم الطائرات، قائلاً: "تركيا لديها بدائل أخرى لطائرات مقاتلة من طراز F-35".
وأكد أن "تركيا بحاجة إلى صواريخ إس-400، كما تحتاج تركيا أيضاً طائرات F-35".
وقال: "لدينا اتفاق على تسليم 120 طائرة من طراز F-35 إلينا، يجب أن تصل إلينا".
وأضاف أن العالم لم يعد مكوناً من دولة واحدة، وهناك كثير من البدائل.
وقال الرئيس التركي: "إذا لم يقدموا لنا، فسنشتريها من مكان آخر أو سننتجها".
وتحدثت تقارير إعلامية عن أن تركيا قد تلجأ إلى شراء طائرات حربية روسية من طراز Sukhoi Su-57 ذات محركين بدلاً من F-35 ذات محرك واحد، خلسة، إذا أوقفت واشنطن تسليم الأخيرة رداً على شراء أنقرة أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات من طراز S-400 من روسيا.
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "يني شفق" اليومية التركية، فإن تكلفة الطائرة الروسية Sukhoi Su-57، التي يتم تطويرها من أجل التفوق الجوي والعمليات الهجومية، تقارب نصف تكلفة الطائرة F-35.
وأضاف التقرير أن الطائرة المقاتلة الروسية من الجيل الخامس يمكنها أن تستجيب لاحتياجات تركيا الوطنية أكثر من طائرة F-35 .
المشكلة أن هذا البلد مهم بشكل استثنائي
وأقر تقرير سابق للبنتاغون بموقع تركيا الاستراتيجي الجغرافي الفريد من الجهة الجنوبية الشرقية لحلف شمال الأطلسي.
وقال إن "لدي أنقرة أيضاً خطة موثوقة" لزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024، وهو مطلب رئيسي يطرحه الرئيس دونالد ترامب على الشركاء في حلف شمال الأطلسي.
وقال البنتاغون: "على الرغم من التوترات الثنائية، لا تزال تركيا شريكاً عسكرياً منتِجاً في كثير من المناطق"، حيث يوجد أكثر من 2000 جندي أمريكي و "العشرات من الأصول الجوية والرادارية" في البلاد.
والحل قد يكون في توفير بديل للأتراك
وبينما تحاول الولايات المتحدة إثناء تركيا عن خطط شراء صواريخ "إس-400" الروسية، اقترحت الإدارة الأمريكية حزمة بديلة لتزويد تركيا بنظام دفاع جوي وصاروخي قوي وقادر متوافق مع حلف الناتو ويتطلب دعماً من الكونغرس، وفقاً لما ذكره ملخص التقرير.
وقال البنتاغون إن هذا "ضروري لتوفير بديل حقيقي من شأنه أن يشجع تركيا على الابتعاد عن صفقة S-400 الضارة"، حسب تعبيره.