كان عمر عبدالغني يسرع في خطاه بعد أن تأخر على صلاة الجمعة متجهاً إلى مسجد النور ليلحق بوالده حينما انتبه أن الناس يركضون نحوه ويصرخون "هناك مجرم يطلق الرصاص".
ولاعتقاده أنها مجرد مزحة، واصل عبدالغني السير على طول شارع Deans Ave حتى صار على بعد 50 متراً من المسجد.
وقال: "شاهدت أحد أصدقائي يهرع حافياً وترتسم على وجهه تلك النظرة المفزوعة وهو يقول لي اهرب. وبعد أن أخبرني ذلك سمعت دوي إطلاق الرصاص" نقلاً عن موقع Stuff النيوزيلندي.
ركض عبدالغني في الجوار وأخذ يشاهد بينما يهرول الناس في الشارع ويستمر صوت طلقات النيران قادماً من المسجد.
وفي تمام الساعة 1:43 اتصل بالشرطة وأخبرهم أنه ثمة إطلاق نيران بالمسجد. فأخبره عامل الهاتف أن عليه أن يمضي بعيداً عن الشارع.
شاهد والده في فيديو الهجوم
سمح زوجان كانا في كرايستشرش لمشاهدة الكريكت، لعبدالغني وصاحبه أن يقبعا في منزلهما وحاول آنذاك الاتصال بوالده، أحمد جمال الدين عبدالغني البالغ من العمر 68 عاماً، حوالي 70 مرة.
"كنت أعرف أنه هناك، وكل أملي أنه ربما نسي هاتفه في سيارته".
ثم ترددت أخبار عن مقطع فيديو يعرض الهجوم الإرهابي عبر الإنترنت. "حمل" عمر نفسه على مشاهدة الفيديو ليرى إذا ما كان والده -الذي دائماً ما يجلس على كرسي على الحائط الخلفي الأيمن- لا يزال حياً.
"خلت أنني لمحت والدي ثم أوقفت كل لقطة ولقطة والتقطت كل من ظننت أنه والدي".
لا يزال عمر غير متأكد من أن والده كان من بين القتلى، وقرر ألا يخبر والدته شادية أمين عما رآه.
"لم أرغب في إثارة قلقها وكان لا يزال الأمل داخلي أنه ربما يكون أحد المصابين لذا احتفظت بالأمر لنفسي مع أن شعوراً داخلي يخبرني أنه ربما مات".
وفي حوالي الساعة الثانية والنصف صباح السبت 16 مارس/آذار، ظهرت قائمة بأسماء المصابين في المستشفى. ولم يكن اسم أحمد جمال الدين عبدالغني فيها.
وتأكدت الظنون نهائياً في تمام الساعة الحادية عشرة مساء الأحد 17 مارس/آذار عندما صدرت قائمة بأسماء القتلى.
كان يأمل عودة والده
تحدث عبدالغني إلى أحد المراسلين بموقع Stuff من منزل أسرته الثلاثاء 19 مارس/آذار، قائلاً إنه لا يزال يعتقد أن والده لم يمت لأنه لم ير جثته بعد.
وقد وصف والده بأنه "أطيب وأنقى النفوس. فقد كان رجلاً حنوناً ومحباً وكريماً ومعطاءً".
هاجرت العائلة من مصر حيث كان يعمل والده في البحرية وفي أحد الفنادق 1996.
في البداية لم يكن العثور على وظيفة بالأمر السهل على أحمد جمال الدين عبدالغني، الذي انتهى به الحال إلى استلام وظيفة في شركة للحديد.
كذلك أدار مطعم دجاج سلوفاكي مع زوجته وعربة طعام في كاتدرال سكوير تسمى Egyptian Donuts الدوناتس المصري.
عاش مكافحاً من أجل أسرته
قال عمر عبدالغني: "لم يكن والدي أبداً من الأشخاص الذين يجلسون مكتوفي الأيدي. بعض الأشخاص يتقاعسون ويحصلون على إعانة البطالة ولم يكن والدي منهم أبداً".
تقول شادية إن زوجها كان رجلاً "مُتعدد الحرف" دائماً ما يجهد نفسه في العمل.
وقبل وفاته بيوم كان قد بدأ في طلاء السياج ليبدأ العمل في الحديقة فور الانتهاء من الطلاء.
قال عبدالغني: "لو لم يجد وظيفة لكان اخترع لنفسه وظيفة".
انهار بعد تأكد وفاة والده
قال عبدالغني إنه انهار تماماً عندما تلقى تأكيداً على أن والده قد توفي.
وفي الوقت الراهن، يحاول الابن الوحيد التماسك من أجل والدته وجدته برغم أن ذكريات مقطع الفيديو لا تزال حية في رأسه.
"وفي كل لحظة يتبادر إلى ذهني أي كلمة من المقطع أرى الأشياء الصغيرة التي صورت فيه، فأرى طلقات الرصاص، والدماء، والأجسام تتهاوى. الأمر لا يعدو يكون تكراراً للتفاصيل".
إلى جانب والده، كانت العائلة مكلومة لأن حوالي 15 صديقاً للعائلة راحوا ضحية الهجوم الإرهابي.
قال عبدالغني: "جميعنا من المهاجرين، وقد لا تربطنا صلات بالدم لكننا بنينا مجتمعاً ندعم فيه بعضنا البعض كأبناء جلدة واحدة، وجميعنا نتشاطر الأحزان".