عندما اخترقت رصاصتان العضلة الخلفية لساقه اليسرى، لم يشعر فيروز محمد ديتا بأي شيء.
رقد على بوابة مسجد النور، نصفه في الداخل، ونصفه الآخر في الخارج. قال لنفسه: "اليوم سأقابل الخالق"، بينما كان محاصَراً بعشرين جثة، وسمع القاتل عائداً للمرة الثانية، نقلاً عن موقع Stuff النيوزيلندي.
جالساً على أريكته في منزله، وساقه المضمدة متدلية ومستندة إلى وسادة، بدا ديتا المتعب مستمتعاً بعودته إلى المنزل بصحبة زوجته وابنتيه، تحيط به الضواحي التي يعرفها جيداً، حيث التهديد الأكبر هناك، هو نباح الكلب في الشارع.
كان ديتا، البالغ من العمر 51 عاماً، ومالك ومدير متجر Mainfreight، واحداً من أول ضحيتين خرجا من المستشفى، بعد إصابتهما بإصابات خطيرة جراء إطلاق النار، مساء الإثنين 18 مارس/آذار.
وصف ديتا ملاحظات تصريح الخروج، قائلاً: "جروح بسبب عيارين ناريين في أسفل الساق اليسرى. لا توجد إصابات في العظم". لم يكن هذا ما يتذكره ديتا.
عاش تفاصيل الهجوم ثانية بثانية
كان ديتا يؤدي صلاة الجمعة بمسجد النور في جادة دينز أفنيو. وكان داخل قاعة الصلاة الرئيسية، فلم يرَ الكثير. لكنَّه سمع دوي إطلاق نار، "طاخ، طاخ، طاخ" شبيه بدوي الألعاب النارية التي لا تتوقف. فركض نحو مخرج الطوارئ الجانبي، ثُمَّ كسر الزجاج، وحاول أن يعبر من خلال الباب.
قال ديتا: "كان المشهد مثل فرار جماعي لأشخاص يحاولون الخروج. لقد دُفعت بقوة، ثم تكوَّم فوقي أشخاصٌ كثيرون. رقدت مكاني، ولم أستطِع الحركة. سمعت إطلاق نار. لقد دخل. أطلق كل طلقاته، ثم ساد السكون لوهلة. كنت أرقد على الأرض منتظراً أن يأتي. عاد وأطلق النار مجدداً. استطعت أن أسمعه، لقد كان قريباً جداً. ظننت ذلك اليوم أني سأقابل الخالق".
ثم بعد 10 دقائق، ساد السكون، حينها أدرك ديتا أنه أصيب بطلقات. كان معظم جسده يعلوه أشخاص كثيرون، ولكن ساقه كانت مكشوفة. أصيبت ساقه بطلقتين أثناء إطلاق النار العشوائي. لم يشعر بشيء في البداية. ولكن بعد 10 دقائق، صار الألم قاتلاً.
قال ديتا: "عندها سحبت نفسي من تحت كومة الجثث. كانت الجثث في كل مكان، بعضهم كان يصرخ لنجدته. الدم في كل مكان. لقد كان مشهداً مروعاً".
لم يستجِب أحد، لذلك اعتقد أنهم جميعاً قد ماتوا. لم يستطِع الوقوف، فسحب نفسه خارجاً نحو الشارع. كان سامري صالح في الانتظار. أخلى سيارته تماماً، ووضع ديتا في المقعد الخلفي، بالإضافة إلى اثنين آخرين، وذهب بهم إلى المستشفى.
إصابته كانت بالغة
كان قسم الطوارئ يعج بالفوضى، ولكنَّ الأطباء والممرضين والممرضات كانوا رائعين. لقد نظفوا الجروح، حيث اخترقت العضلة الخلفية لساقه اليسرى رصاصتان. ثم قاموا بتخدير ألمه بالمورفين. بعد ذلك، لم يسعه سوى الانتظار.
بالإضافة إلى 50 شخصاً راحوا ضحية إطلاق النار في مسجدَي النور ولينوود، تدفق 48 شخصاً مصاباً إلى مستشفى كرايستشرش، منهم 11 مصاباً في حالة خطرة. كان ديتا مسجلاً ضمن قائمة الأولويات.
أجرى الجراحون عملية في الثامنة صباح السبت 16 مارس/آذار، وأزالوا الشظايا وخاطوا جلد ساقه، لسد الفجوات التي سببتها الطلقات. خرج 12 مريضاً بإصابات طفيفة من المستشفى مساء الجمعة 15 مارس/آذار، بينما انتظر 36 آخرون. أصبح "جناح 19" مركزاً للحب الذي يخالطه شعور بالقلق، بعد تدفق الناس لزيارة الجرحى.
كانت الرعاية رائعة، ولكن ديتا كان سعيداً بعد إخباره أنه أحد شخصين باتت حالتهما مستقرة ليذهبا إلى منزليهما مساء الإثنين 18 مارس/آذار. لم تُعَدُّ احتفالاتٌ أو وجباتٌ خاصة، فقط لقاءٌ من أسرته بعد أن تنفسوا الصعداء، وجرعة مورفين، ونوم.
أخبروه أن جرحه سيبرأ، ولكن الراحة واجبة لثلاثة أو أربعة أشهر. إنه محظوظ لأن عمله سيستمر. عليه فقط أن يستأجر سائقين. كان من ضمن الخمسين قتيلاً، عائلات فقدت معيلَيها الوحيدين، بينما كان آخرون من المسنين. لقد كانوا عمود المجتمع.
قال ديتا: "لا شيء يعوض حكمتهم وخبرتهم".
وأضاف: "لقد كانوا ملاذنا وقت الضيق. إنني أفكر فيمن هم ليسوا بيننا اليوم، كما أفكر فيمن سيختبرون الصدمة والألم. سأدعوا لأجلهم".
بينما سيتمكن من التعامل مع الألم الجسدي، فإن معالجة الشرخ العاطفي أصعب.
مازال يعاني كوابيس بسبب الحادث
قال ديتا: "ما زلت أسمع صوت الصرخات، كلما رقدت ليلاً. ما زلت أسمع صوت إطلاق النار. الضوضاء التي أثارتها صرخات الناس. كل ذلك ما زال حاضراً".
ولكن لم يغيّر الهجوم شيئاً من مشاعر ديتا تجاه مدينة كرايستشرش أو نيوزيلندا. لقد انتقل إلى هنا، من فيجي، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، بعد الانقلاب الأول. نشأت وترعرعت ابنتاه سنا (21 عاماً)، وزهرة (25 عاماً)، اللتان تعملان معلمتين، هنا. الدعم الذي تلقته الأسرة لا يُصَدّق.
وسوف يعود لصلاة الجمعة حين يتمكن من ذلك.
قال ديتا: "إيماننا قوي. لن تدحضنا، أو تدحض المجتمع، تصرفات شخص واحد".
وأضاف: "سيجعلنا كل هذا أقوى من ذي قبل. سنبني المسجد مجدداً. ولن ندعهم يفوزون".