بعد سنوات من مقتل أبيه على يد قوات النخبة التابعة للبحرية الأمريكية "نافي سيلز" بباكستان، يجد حمزة بن لادن نفسه في مرمى القوى العالمية.
ففي تعاقب سريع للأحداث خلال الأسابيع الماضية، حددت الولايات المتحدة جائزة بقيمة مليون دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تساعد في اعتقاله، ووضعه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قائمة عقوبات دولية؛ وهو ما دفع الإنتربول إلى إصدار مذكرة لاعتقاله، وأوضحت المملكة العربية السعودية، بلده، أيضاً، أنها سحبت منه جنسيتها.
بحسب تقرير لموقع Voice of America الأمريكي، فإن هذه الإجراءات تشير إلى أن المسؤولين الدوليين يعتقدون أن المتشدد، البالغ من العمر الآن 30 عاماً، صار يشكل تهديداً خطيراً على نحو متزايد.
لا يقود التنظيم، لكن اسمه يسطع بقوة
لا يقود حمزة تنظيم القاعدة، لكن نجمه يسطع بين دوائر التنظيم الإرهابي الذي أسسه أبوه، ولعل التنظيم يُجهزه ليكون قائداً لجيل من المتشددين الشباب.
قال علي صوفان، وهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي تركز عمله على مكافحة الإرهاب وأجرى تحقيقاً في هجمات القاعدة ضد المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول": "كُتب على حمزة أن يسير على خطى والده، ويستعد لأن يكون له دور قيادي في القاعدة".
وأضاف: "ربما هناك معلومات استخبارتية أخرى تشير إلى حدوث شيء ما، وذلك هو ما يجعله ذا أولوية كبرى".
لا تزال كثير من الأمور مجهولة بشأن حمزة بن لادن -لا سيما السؤال الرئيس المتعلق بمكانه- لكن حياته تعكس مسار تنظيم القاعدة، الذي يمضي قدماً بهدوء وبخطى ثابتة نحو التفوق على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المنافس له، والذي تفرَّع منه في الأساس.
ويبقى تاريخ الميلاد الصحيح لحمزة بن لادن محل خلاف، لكن الغالبية يقولون إنه وُلد في عام 1989. كان ذلك عام التحول بالنسبة لأبيه، الذي لفت الأنظار إلى دوره في إمداد المجاهدين الذين يقاتلون الاتحاد السوفييتي في أفغانستان خلال الثمانينيات، بالمال والسلاح.
وعندما هدأت وتيرة الحرب، أطلق أسامة بن لادن جماعة جديدة حاولت زيادة نفوذ تلك الشبكة العالمية، من أجل حركة جهادية أكبر أطلقوا عليها اسم "القاعدة".
التقى بن لادن خيريةَ صابر، وهي أخصائية علم نفس الأطفال، جاءت من مدينة جدة الساحلية، وتزوجها. وأنجبت خيرية له ابنهما الوحيد حمزة، عندما كانت القاعدة تتخذ أولى خطواتها التجريبية نحو تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
كان يعيش ويتنفس حياة القاعدة
قالت إليزابيث كيندال، وهي باحثة كبيرة بكلية بيمبروك في جامعة أوكسفورد، تُجري دراسات حول حمزة بن لادن: "كان هذا الصبي يعيش ويتنفس ويشهد حياة تنظيم القاعدة منذ ميلاده".
بدأت هجمات تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة بصورة جدية في عام 1998، مع تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، وهو ما تسبب في مقتل 224 شخصاً. وتسبب هجومه الانتحاري على المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" التي كانت ترسو على أحد موانئ اليمن، في مقتل ما لا يقل عن 17 بحاراً.
ثم جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. تسببت العملية المنسقة لاختطاف 4 طائرات تجارية أمريكية، في مقتل نحو 3000 شخص، ودفعت الولايات المتحدة إلى غزو أفغانستان للإطاحة بحركة طالبان، حليفة تنظيم القاعدة، واعتقال أسامة بن لادن.
هرب زعيم القاعدة وانفصل عن عائلته عندما دخل باكستان. وكانت تلك هي المرة الأخيرة التي رأى فيها حمزة أباه، وكان يبلغ من العمر آنذاك 12 عاماً، واستقبل حينها هدية وداع كانت عبارة عن مسبحة.
وقد كتب عن الانفصال: "كان كأننا نزعنا أكبادنا وتركناها هناك".
قصة هروبه إلى إيران
اتجه حمزة وأمه مع أعضاء آخرين في تنظيم القاعدة إلى باكستان. ومن هناك، عبرا إلى إيران، حيث أخفاهما قادة آخرون في التنظيم في عدد من المخابئ، حسبما أشار خبراء ومحللو الوثائق التي صادرها الفريق التابع للبحرية الأمريكية "نافي سيلز" والذي قتل بن لادن في أبوت آباد بباكستان. وفي نهاية المطاف، احتجزت إيران أعضاء القاعدة على أرضها، إذ تشير التقارير إلى أنها وضعتهم داخل قواعد عسكرية أو داخل مجمعات مغلقة.
أدى احتجاز حمزة بن لادن وأعضاء القاعدة الآخرين بإيران في النهاية إلى توفير مظلة آمنة لهم؛ نظراً إلى أن الولايات المتحدة شنت خلال عهدي بوش وخلفه باراك أوباما حملة من الغارات الجوية لطائرات من دون طيار، استهدفت المتشددين في الشرق الأوسط. هرب سعد أخو حمزة غير الشقيق من إيران، ومضى في طريقه نحو باكستان، ليُقتل فوراً لغارة جوية أمريكية في 2009.
وخلال هذا الوقت، تزوج حمزة من بنات أحد أنصار القاعدة، وهو المصري عبدالله أحمد عبدالله، الذي تقول الولايات المتحدة إنه ساعد في التخطيط لهجمات السفارة التي حدثت في نوفمبر/تشرين الثاني 1998. أنجب الزوجان طفلاً وطفلة، وسماهما على اسمي والديه: أسامة وخيرية.
وفي مارس/آذار 2010، غادر حمزة وآخرون مكان احتجازهم في إيران، وذهب إلى منطقة وزيرستان في باكستان، حيث طلب التدريب على استخدام السلاح، حسب خطاب مرسل إلى الابن الأكبر لأسامة بن لادن. غادرت الأم متجهة إلى أبوت آباد، لتنضم إلى زوجها في مخبئه.
وفي 2 مايو/أيار 2011، نفذ فريق "نافي سيلز" غارة في أبوت آباد، وقتلوا أسامة بن لادن وابنه خالد وآخرين. سُجنت خيرية والزوجات الأخريات اللائي عشن في المنزل. واختفى حمزة مرة أخرى.
وفي أغسطس/آب 2015، ظهر فيديو على المواقع الجهادية لأيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة، يقدم "أسداً من عرين القاعدة"، وهو حمزة بن لادن.
ومنذ ذلك الحين، ظهر في نحو 10 رسائل للقاعدة وهو يلقى خطباً عن كل شيء، بدءاً من الحرب في سوريا ووصولاً إلى زيارة دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية، لتكون أولى زياراته الخارجية بعد توليه منصب رئيس الولايات المتحدة.
وأثارت رسائله المتكررة تكهنات بأن التنظيم الإرهابي ربما يحاول التخطيط من أجل المستقبل عن طريق طرح وجه جديد.
ومع ذلك، لا يزال ما يدور داخل القاعدة محاطاً بالغموض. فلم تصدر أي رسائل من حمزة بن لادن منذ رسالة أصدرها في مارس/آذار 2018، هدد فيها حكام السعودية.