نشرت صحيفة The New Zealand Herald تفاصيل عن كيفية تمشيط رجلي الشرطة للشوارع بحثاً عنه لتوقيفه، بعد أن علما بوجود مُسلَّحٍ نشطٍ هاربٍ داخل المدينة.
ويعيش رجلا الشرطة، اللذين وافقت الصحيفة على عدم نشر اسميهما، في بلدة صغيرةٍ خارج كرايستشيرش. وكانا وقت الحادثة يتلقيان حصة تدريبية على كيفية التعامل مع المُجرمين المُسلَّحين.
وقال الرقيب بيتي ستيلز، مدير شعبة الاستجابة الريفية، إن الثنائي سافرا إلى كرايستشيرش لحضور حصةٍ تدريبيةٍ داخل مستشفى الأميرة مارغريت في منطقة كشمير.
وأُجرِيَ التدريب في طابقٍ مهجورٍ من المستشفى ودار حول كيفية إخلاء الغرف والتعامل مع المُجرمين خلال الحوادث المُسلَّحة.
وقال ستيلز للصحيفة: "كانا يُؤدّيان تدريباتهما حين وصلهما النداء بوجود مُجرمٍ مُسلَّحٍ نشطٍ في كرايستشيرش. وكانت لديهما سيارات الشرطة وأسلحتهما بداخلها. فجهَّزوا نفسيهما للعمليات وصعدا إلى إحدى السيارات وقرَّرا تمشيط أطراف المدينة لأنهما ظنا أن المُجرم سيفعل ذلك -عوضاً عن القيادة عبر وسط المدينة. وقادا سيارتهما في شارع بروغهام لأنهما اعتقدا أنه قد يسلك ذلك الطريق طالما أنه كان في حي لينوود منذ لحظات [موقع المسجد الثاني]".
ورصدا سيارةً مشبوهةً بعد لحظاتٍ بالفعل.
وأضاف ستيلز: "شاهدا شخصاً يُوافق أوصاف المُجرم ويقترب منهما. كانت سيارته تتهادى بين المسارات ومصابيح الانتظار بها مُضاءة. فتوثَّقا من أرقام لوحة التسجيل ليتأكَّدا أنها السيارة الصحيحة واستدارا بسيارتهما ليتبعاها. وحاولا اللحاق به أثناء مناقشة التكتيك الأنسب للتعامل معه -هل كان يجب أن يتعقباه في هدوء؟".
وأضاف ستيلز إن الشرطيين يتمتَّعان بخبرة 40 عاماً في العمل الشُرطي مما أهَّلهما للتعامل مع الموقف. وفكَّر الشرطيان في مطاردة المُسلَّح، لكنهما اعتقدا أنه قد يهرب "ويُطلق النيران" على المزيد من العامة الأبرياء.
وفكَّرا أيضاً في أن مُطاردته ربما تُؤدي إلى حدوث تصادمٍ قد يطول مُستخدمي الطريق الأبرياء.
قرَّرا إيقاف السيارة عن طريق صدمها
وتابع ستيلز: "ارتأيا ضرورة إنهاء الأمر بأسرع ما يُمكن، فقرَّرا إيقاف السيارة عن طريق صدمها".
وصدما سيارة المُسلَّح من جانب السائق، في حين أظهرت صور الصحيفة رجال الشرطة وهم يجُرُّون المُسلَّح خارج السيارة من جانب الراكب.
وأضاف ستيلز إن أحد رجال الشرطة رأى مُعدَّاتٍ "عالية الخطورة" في مؤخرة السيارة، فهرع إلى سيارة الشرطة ليُرسل المعلومات عبر موجة الشرطة اللاسلكية ويُحذِّر زملاءه.
إذ اعتقد أن هذه المُعدَّات ستضع حياة زملائه في خطر، وأرادهم أن لا يقتربوا منها.
وفي تلك الأثناء، غاب المسلح المزعوم عن بصر الشرطي فأصابه القلق على زميله، لذا تخلَّى عن تلك الخطة وعاد إلى سيارة المُسلَّح.
وقال ستيلز: "صرخ الشرطي في المارة ليأمرهم بالتراجع. لأن السيارة كانت تُشكِّل خطراً".
وبمُجرِّد احتواء المُسلَّح المزعوم، استخدم الشرطيان موجات اللاسلكي لإعلام أفراد الشرطة الآخرين بالموقف.
ووصلت تلك الرسائل إلى ستيلز -وكذلك مايك بوش، مُفتِّش الشرطة.
وقال بوش إن المُسلَّح المزعوم لم يستسلم و"لم يَكُن مُنصاعاً للأوامر".
حافظوا على رباطة جأشهم طوال العملية
لكن ستيلز أكَّد أن ضُبَّاطه حافظوا على رباطة جأشهم طوال العملية. وقال: "فُوجئت بمدى هدوئهم وثباتهم. لم يكونوا خائفين بالطبع لأننا نتدرَّب من أجل تلك المواقف -وإحقاقاً للحق، من حسن حظنا أن شرطيين بهذا القدر من الخبرة والخدمة كانا موجودين في المكان. واتصل بي أحد رجال الشرطة بعدها مُباشرةً ليُخبرني أنهما تسبَّبا في تحطيم سيارة".
وأضاف ستيلز أن هذه ثاني سيارة تتحطَّم في أسبوع، وقد أوصى مُوظفيه بعدم صدم أي سياراتٍ أخرى نظراً لأن السيارات المُتبقية كانت قليلةً للغاية.
لكنه لم يقلق حين علم بما أنجزه رجاله. وأثنى على عملهما آملاً أن يتمكَّنا من رواية قصتهما في يومٍ من الأيام. وقال: "كان ذلك صيداً جيداً. يُمكن أن تقضي 100 عامٍ في الشرطة ولا تُنجز عملية اعتقالٍ بهذه السلاسة. لقد كان عملاً رائعاً".
ولا يستطيع رجلا الشرطة التعليق على عملية الهجوم أو اعتقال المشتبه به في ظل استمرار التحقيقات.
وانتشرت صور عملية الاعتقال على الشبكات الاجتماعية، ووُصِف رجلا الشرطة بالبطلين على لسان الكثيرين، ومنهم المُفتِّش بوش.
إذ قال إن أفعالهما الشجاعة حالت دون مقتل المزيد من الأشخاص.
وتحدَّث ستيلز إلى رجلي الشرطة مُطوَّلاً عن الواقعة.
وأعرب الرجلان عن عدم رغبتهما في أن يُوصفا بالأبطال، لأنهما ليسا كذلك.
وأضاف ستيلز: "لقد كانا يُؤدّيان عملهما ليس إلَّا، وهذا ما تدرَّبا على فعله".
ويقضي الشرطيان عطلةً قصيرة، في حين سافر أحدهما خارج البلاد في إجازةٍ مُحدَّدةٍ مُسبقاً.
وقال كريس كاهيل، رئيس اتحاد الشرطة، في تصريحه للصحيفة إنه أجرى حديثاً "مُطوَّلاً" مع واحدٍ من الشرطيين وتواصل مع الآخر.
وقال إنه -وبقية أفراد الشرطة- فخورٌ بالثنائي.
وتواصلت أجهزة الشرطة العالمية مع كاهيل لتطلُب منه تمرير رسائل الفخر والدعم والثناء إلى الشرطيين.
وقال كاهيل: "هما رجلان مُتواضعان للغاية، ولن تسمع أياً منهما يصف نفسه بالـ'بطل'. لقد تصرَّفا بناءً على قرارٍ اتَّخذاه ووصلا إلى النتيجة المرجُوَّة".
وأضاف كاهيل إن الشرطيين أكَّدا أنهما كانا يُؤدّيان وظيفتهما وأن "أي شرطيٍ في موقفهما كان سيتصرف بنفس الطريقة". لكن كاهيل خالفهما الرأي قائلاً: "هذا ليس صحيح".
ولم يرغب الشرطيان في أي احتفاءٍ أو اهتمامٍ من الرأي العام. إذ قال كاهيل: "هما من الأشخاص الذين يرغبون في مواصلة عملهم. لكنهما يُدركان أسباب ردود الفعل".
الشرطة تُواجه مشاهد غير مسبوقة
قضى كاهيل جُلَّ يومه في زيارة رجال الشرطة الذين يحرسون مسارح الجريمة حول المدينة -وغالبيتهم من رجال الشرطة الشباب الذين أتوا إلى كرايستشيرش من كافة أنحاء نيوزيلندا.
وتخرَّج أحد أولئك الرجال من كلية الشرطة يوم الخميس الماضي.
وقال كاهيل: "بدأ خدمته يوم الجمعة. واليوم هو يومه الثالث منذ التخرُّج. كنت أمُرُّ عليهم لطمأنتهم والتأكُّد من أنهم بخيرٍ وإعلامهم بأهمية دورهم وحجم الدعم المُتوفِّر لهم".
وقضى كاهيل كذلك بعضاً من الوقت مع رجال الشرطة العاملين في مسرح الجريمة بمسجد النور.
وأضاف أن رجال الشرطة تكيَّفوا مع أدوارهم جيداً -وخاصةً المعنيين بتحديد هوية الجثث.
نُقِلَت كافة الجثث إلى خارج مسجد النور الآن -بالإضافة إلى المسجد الثاني بحي لينوود حيث وقع الهجوم التالي.
وتابع كاهيل: "أدَّى الفريق وظيفته في إخراج الجثث بأسرع ما يُمكن. ولم يتوقَّع أيٌ من الرجال أن يُصادفوا شيئاً من هذا النوع، ونتمنى ألَّا يتكرَّر ذلك أبداً. هذا فحصٌ عميقٌ لمسرح الجريمة، وليس ذلك أمراً هيِّناً -لكنهم يُدركون أن تأدية عملهم بشكلٍ صحيح هو أفضل ما يُمكن أن يفعلوه من أجل الضحايا. وأرفع لهم قُبَّعتي إجلالاً".