عندما أطلق برينتون تارانت، النار على مسجدين وأردى 50 كان بمفرده، ولكنه لم يكن "مستقلاً بذاته"، فهو جزء من حركة الإرهاب القومي الأبيض.
لقد كان جزءاً من حركة كبيرة ممتدة وشاملة تماماً مثل تنظيم القاعدة عندما هاجم الولايات المتحدة عام 2001.
ولكن ربما هذه الحركة أخطر بكثير على مستقبل الديمقراطيات الغربية من الإرهاب المنسوب للإسلام، حسبما يرى تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي.
يقول الموقع: لأنه من الضروري أن تبدأ مكافحة التطرف بمخاطبة الأفكار وبلغة واضحة لا لبس فيها، فلا بد أن نكون واضحين تماماً بشأن ما زعم برينتون تارانت، وحش كرايستشيرش البالغ من العمر 28 عاماً أنه يمثله وما مثله ويمثله بالفعل، وهو الإرهاب القومي الأبيض.
حان الوقت لشن حرب عالمية على الإرهاب القومي الأبيض
والوقت مناسب الآن لمواجهته بالقدر نفسه من الاهتمام الدولي المشترك والموارد الذي ظهر أثناء مواجهة أسامة بن لادن، قبل أن يزداد قوة، حسب الموقع.
إذ يقول الموقع الأمريكي: لقد حان الوقت لشن حرب عالمية على الإرهاب القومي الأبيض.
ولكن ليس من المرجح أن يحدث هذا، لأن موقع The Daily Beast ذكر في تقرير يوم الجمعة 15 مارس/آذار، أن أقل من حالة واحدة من بين كل خمس حالات في المباحث الفيدرالية الأمريكية FBI تستهدف المتعصبين للعرق البيض.
وشبكة المدافعين عن هذا الإرهاب تساعدهم
لا يمكن لأحد أن يخرج علينا ويقول، كما فعلت إدارة جورج بوش الابن: "إننا سنقاتلهم هناك حتى لا نضطر إلى قتالهم هنا"، لأنهم "هنا" بالفعل وحاضرون بقوة، ويزيدون بصورة ثابتة من قوتهم وحضورهم في الديمقراطيات الغربية.
تعد شبكات المدافعين عن القومية البيضاء والمتعاطفين معها والمؤيدين والميسرين لأفعالها- وهو أمر حيوي لأي حركة إرهابية- جزءاً لا يتجزأ من النسيج السياسي والاجتماعي.
فهم حرفياً أعداء الداخل، حسب وصف الموقع الأمريكي.
وترامب واحد منهم
وينبغي القول إن ترامب يعدّ متميزاً لأنه أحد المدافعين عنهم. إذ أنه "رمز لتجديد الهوية البيضاء والهدف المشترك"، مثلما كتب تارانت في بيانه.
إن تدابير مثل هاجس الجدار الحدودي، ومحاولات حظر دخول جميع المسلمين- تسير في ركب تارانت لأن قاعدة ترامب تؤمن بها.
وحينما يتعلق الأمر بتغذية الغرائز الأساسية للقاعدة لإحكام القبضة على السلطة، فليس من الواضح على الإطلاق إلى أي حد قد يذهب ترامب في أفعاله.
وقد يصل به الأمر إلى تنظيم انقلاب إذا خسر الانتخابات
إن أحد أكثر اللحظات التي تقشعر لها الأبدان أثناء شهادة مستشار ترامب، مايكل كوهين سيئ السمعة، أمام الكونغرس الشهر الماضي كانت عندما قال: "أخشى أنه إذا خسر الانتخابات عام 2020، فلن يكون هناك انتقال سلمي للسلطة أبداً".
ويقول كاتب التقرير: لقد أخبرني أحد كبار مسؤولي الاستخبارات السابقين في الولايات المتحدة أنه يشعر بالقلق إزاء إمكانية انجرار البلاد إلى عنف يمزقها إذا أُقيل ترامب وأزيح من منصبه.
ويحب ترامب نفسه أن يتظاهر بأنه يمضي في هذا الاتجاه، كما فعل في مقابلته مع موقع Breitbart الأسبوع الماضي.
وفي تصريح غريب، في منتصف حوار ممل حول رئيس مجلس النواب السابق بول ريان، قال ترامب: "أحظى بدعم الشرطة، ودعم الجيش، ودعم حركة Bikers for Trump- أحظى بدعم الأشخاص الأقوياء، لكنهم لا يظهرون هذه القوة- إلى أن تصل بهم الأمور إلى درجة معينة، وحينها سيكون الأمر بالغ السوء".
وفسر العديدون هذا التصريح بأنه تهديد مستتر باللجوء للعنف لأن من الواضح أنه كذلك.
ومن هنا فإنه أكبر عقبة أمام مكافحة الإرهاب الأبيض ورجاله يخترقون الحكومة
لذا، إذا كنا سنأخذ خطوة حرب عالمية على الإرهاب القومي الأبيض على محمل الجد، فعلينا أن نعترف أن الرئيس الأمريكي يمثل عقبة ضخمة.
ولكن دعونا نفترض أن آراءه تغيرت جذرياً أو أنه مُني بالهزيمة عام 2020، وقررت الحكومة الأمريكية أن الوقت قد حان لإزالة هذه العناصر التي تحدث عنها ترامب من الجيش والشرطة، أو أولئك الذين يدعمون أجندته العنصرية التي تكاد تكون علنية. لأنه، لنكن واضحين، هناك الكثير منهم، حتى لو لم يكونوا في مراكز قيادية.
فهل يمكن حينها أن يمضي الأمر؟ إذا طرحنا جانباً معاملة اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية، فليس هناك سوى سابقتين فقط في تاريخ الولايات المتحدة حدث أثناءهما مثل هذا التطهير: كانت الأولى عندما أُزيح الضباط العسكريون والدبلوماسيون وغيرهم من المسؤولين الذين يحملون تعاطفاً حقيقياً أو مشكوكاً فيه مع الكونفدرالية أثناء الحرب الأهلية الأمريكية (وقد غادر الكثير منهم من تلقاء أنفسهم).
وجاءت الثانية في عهد مكارثي عندما شنت حملة بشعة ضد الشيوعيين المزعومين في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات.
وخطتهم أيضاً تتضمن إشعال المواجهة وخاصة في أمريكا
يصبو الاستفزازيون أمثال تارانت إلى رؤية تدابير وحشية، على أمل أن تؤدي إلى إشعال المواجهة.
يقول لنا بيان تارانت: "يجب أن تكون الحرب الأهلية في ما يسمى بـ" بوتقة الانصهار "، وهي الولايات المتحدة، هدفاً رئيسياً في الإطاحة بهيكل القوة العالمية وثقافة الدول الغربية العالمية المهيمنة التي تدعم حقوق الفرد والمساواة".
إنه يأمل أن يؤدي "النزاع حول التعديل الثاني" (الذي يعطي المواطنين حق حمل السلاح) إلى هذا الاقتتال الأهلي و"تقسيم الولايات المتحدة في النهاية على أسس سياسية وثقافية، والأهم من ذلك، عنصرية".
وما طرحه سفاح المسجد ليس مجرد جنون بل مبادئ القوميين البيض
عندما يكتب تارانت بحروف كبيرة بارزة قائلاً: "يجب أن تنتهي أسطورة بوتقة الانصهار وتنتهي معها أسطورة الأمة متساوية الحقوق"، فهو لا يطرح نظرية جنونية صاغها بنفسه.
ولكن يردد تلك الكلمات التي نشرها العنصريون الأمريكيون من قبلُ لسنوات، وتطورت إلى أيديولوجية في أوروبا كصدى للإرهاب اليوم مثلما كان كتاب كفاحي لهتلر في العشرينيات.
وبوتين يشجع سراً هذه الاتجاهات الخطيرة
يعدّ فلاديمير بوتين ومؤيدوه رسل القومية الإثنية واللغوية، ويروجون لها سراً وعلناً في بلدان أوروبا الغربية لتعطيل وتقسيم ديمقراطياتها.
وأصبحت الأحزاب التي تروج لبرامج معادية للمهاجرين من ذوي البشرة السمراء أو السوداء مشاركين فاعلين في سياسات بريطانيا وهولندا وألمانيا والنمسا وإيطاليا.
ونحن نعلم أن تارانت سافر مؤخراً إلى إسبانيا وبلغاريا ودول أخرى توجد بها حركات يمينية مغرقة في التطرف.
ومن المحتمل أن منفذ هجوم نيوزيلندا شعر بأنه في وطنه وهو في المجر، حيث تعرف حكومة فيكتور أوربان بمعاداتها المتطرفة للهجرة والواضحة للسامية.
وقد حضر القاتل انتخابات فرنسا
كان العنوان الرئيسي في صحيفة Le Parisien الفرنسية الشهيرة صباح يوم السبت 16 مارس/آذار يقول: "49 قتيلاً في نيوزيلندا: كل شيء بدأ في فرنسا.."
جاء تارانت إلى فرنسا عام 2017 لمراقبة الانتخابات الرئاسية بين إيمانويل ماكرون، الذي يمثل كل شيء، من العولمة إلى التعليم العالي، يكرهه تارانت وأمثاله، واليمينية المتطرفة مارين لوبان، التي خلص إلى أنها لم تكن عنصرية بما يكفي لتروق له.
وهو وأمثاله يستلهمون أفكارهم من مفكر فرنسي يتحدث عن الاستعمار الإسلامي
ولكن مفتاح طريقة تفكير تارانت وأمثاله يكمن في عنوان بيانه، "الاستبدال العظيم"، المستمد مباشرة من عمل المؤلف الفرنسي اليميني المتطرف رينو كامو، الذي كتب أن الشعوب التي تتمتع بالخصوبة في إفريقيا والعالم الإسلامي سوف يُغرقون أوروبا ويحلون محل سكانها.
ومثلما أشارت صحيفة Le Monde اليومية الفرنسية، فإن خيالية هذه المؤامرة الشريرة قائمة في الأصل على فكرة أن اليهود كانوا هناك لتقليص أعداد السكان البيض في أوروبا وإخضاعهم- وهي فكرة استمرت في أوساط التيار اليميني حتى بعد الحرب العالمية الثانية وكشف المحرقة.
وهي لا تزال شائعة بين الأمريكيين الذين ينتمون للتيار اليميني المتطرف. وعندما خرج النازيون الجدد في مسيرة في شارلوتسفيل عام 2017، كانوا يتعهدون بأن اليهود لن يحلوا محلهم.
ولكن هنا في أوروبا في القرن الحادي والعشرين، حيث تعتبر العديد من الدول الإفصاح عن معاداة السامية جريمة، أضاف رينو كامو فكرة جديدة إلى خرافة الاستبدال تلك بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، بزعمه أن المسلمين كانوا يستعمرون أوروبا.
ونفى كامو أي تحريض على الإرهاب بطريقته الخاصة. إذ كتب: "يجب ألا يقلد المُستَعمر"، أي الأوروبيين البيض المحاصرين، "أساليب المستعمِر"، أي المهاجرين إلى أوروبا، بتبني الأساليب الإرهابية. "لأن ذلك يعني أن يصبح مثله بالفعل ويستسلم للاستعمار".
قد يكون من الممكن إسكات أصوات الكراهية هذه. إذ حاولت العديد من الحكومات الأوروبية أن تفعل. لكن هل سيكون ذلك كافياً لوقف انتشار الإرهاب القومي الأبيض؟
على الأغلب لن يفعل.
لا أحد لديه حماس لمحاربة الاٍرهاب الأبيض كما يفعلون مع الاٍرهاب الإسلامي
في نهاية المطاف، وبقدر صعوبة المهمة، يجب خوض الحرب على الإرهاب القومي الأبيض كحرب لإنفاذ القانون وحرب الأفكار.
ويتعين على أفراد الشرطة ورجال الادعاء العام المخلصين للقيم الديمقراطية متابعة التحقيقات المتعلقة بالجماعات القومية البيضاء بالحماس نفسه الذي تعاملوا به مع المنظمات الإرهابية الإسلامية المتطرفة.
ويتعين على الناخبين في الدول الغربية أن يفهموا أن الذين يؤيدون الإرهاب القومي الأبيض ليسوا مشاركين مرحباً بهم في الديمقراطيات الحديثة، وألا يصوتوا لهم، أو يعملوا على خضوعهم للمحاكمة، أو كليهما.
والخطوة الأولى في هذه العملية هي التوقف عن تقديم الأعذار أو استخدام التعبيرات المُلَّطّفة.
إن المعركة ليست ضد المحافظين، أو التيار اليميني، أو اليمين البديل، إنها ضد الإرهاب القومي الأبيض والمدافعين عنه.