التعافي من آثار سيطرة التكنولوجيا على حياتنا: التخلص من إدمانك للهاتف قد يكون مكلفاً

تشجع العديد من كتب وبرامج وتطبيقات العافية الرقمية بهدف مساعدة الناس على التحكم في وقتهم، في ظلِّ اقتصاد مصمَّم لإعطاءنا القليل مقابل بياناتنا واهتماماتنا

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/17 الساعة 17:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/17 الساعة 17:16 بتوقيت غرينتش
Multicultural friends group using smartphone with coffee at university college break - People hands addicted by mobile smart phone - Technology concept with connected trendy millennials - Filter image

تشجع العديد من كتب وبرامج وتطبيقات العافية الرقمية على تغييرات سلوكية منطقية -كأن تترك هاتفك خارج الغرفة حين تأوي للفراش- بهدف مساعدة الناس على استعادة التحكم في وقتهم، في ظلِّ اقتصاد رقمي مصمَّم لتغذيتنا بقطرات المعلومات والدوبامين، في مقابل بياناتنا واهتماماتنا؛ بحسب التقرير المنشور في صحيفة The Guardian البريطانية.  

التطبيق الذي قد يساعد

يقول الكاتب: في التاسعة والنصف، صباح يوم الأربعاء، تلقَّيتُ إشعاراً يخبرني بأنني تفحَّصت هاتفي 30 مرة اليوم، "مازالت هناك 11 مرة باقية لتتجاوز الحد الذي وضعته، 40 تفحصاً للهاتف يومياً"، كما كُتب على الشاشة "ضع هاتفك جانباً حتى 9:52 واستمتع بوقتك، عِشِ اللحظة".

هذه التنبيهات أُرسلت من قبل Moment، وهو تطبيق يتتبع الوقت الذي أقضيه على شاشة الموبايل.

أنشئ تطبيق Moment على يد كيفن هوليش عام 2014، ليواجه إدمانه الشخصي للأجهزة، كان يعمل مطور تطبيقات مستقلاً، ويقضي ساعاتٍ يومياً محدقاً في الشاشات.

بعد الانتهاء من العمل لاحظ هوليش أنه كان يقضي وقته في تصفح تويتر بلا هدف، بدلاً من الحديث مع زوجته أو التمشية مع كلبه.

قال لي: "أردت طريقة لمعرفة مقدار الوقت الذي كنت أغرق فيه في هاتفي"، "لذا أنشأت شيئاً يمكنه مراقبة الفترات التي أمضيها أمام الشاشة".

اكتشف هوليش أنه كان يمضي 75 دقيقة على هاتفه يومياً، فأضاف خاصية للتطبيق تنبهه عندما يتجاوز 40 دقيقة، "يهتز هاتفي، ويجب عليّ أن أذهب لفعل شيء آخر"، يقول: "كأنه ملاك صغير على كتفي يرشدني للطريق الصحيح".

فكّر هوليش في أنه إذا كان هذا النظام مفيداً له فسيُفيد غيره، ومؤخراً في ذلك العام نشر Moment ليكون تطبيقاً مجانياً، تم تنزيله 8 ملايين مرة حتى الآن.

بجانب تتبعه لاستخدام الجهاز، يحوي التطبيق حالياً خاصية "مدرب"، توفر برامج إرشادية لمساعدة المستخدمين على أن يركزوا ويصبحوا أكثر إنتاجية، مقابل 7.99 دولار شهرياً.

اشتركتُ في دورة مدتها أسبوع أطلق عليها Bored and Brilliant، كان يفترض أن تساعدني على استعادة قدرتي على الإبداع، لكن بعد خمسة أيام لم أحرز إلا تقدماً طفيفاً. بحلول العاشرة والنصف، صباح الأربعاء، تلقَّيت إشعاراً آخر يبلغني بأنني تجاوزت الـ41 تفحصاً المحددة للهاتف.

ومع ذلك فقد حقَّق تطبيق Moment انتشاراً، والعديد من التعليقات عنه على الإنترنت إيجابية، "أنا سعيد للغاية، نومي أفضل، وأقرأ أكثر، وأوجه مزيداً من عنايتي لنفسي، والأهم من ذلك كله أنني حاضر في الحياة اليومية"، كما يقول أحد المعلقين ليزيد من شعوري بالفشل.   

شعبية Moment تعكس وعياً متزايداً بـ "العافية الرقمية"، وهو الاسم الذي أطلق على نمط الحياة الذي يشجع استخدام الأجهزة بشكل صحي. تعكس توجهات "العافية" مخاوف العصر الذي نشأت فيه، هذه المرة حيال الوقت الذي يُسرق منا. إذا كان تواجدك الإلكتروني على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، أو تمتع أطفالك بالبراعة في استخدام التكنولوجيا، في وقت ما دلالة على الإنتاجية والثراء، فقد أصبح إدمان الأجهزة الآن دلالة على فقدان السيطرة.

علاج أعراض الانسحاب

كان لدى الباحثين منذ عقود تخوّفاتهم من الإدمان المحتمل لأجهزة الحاسب الآلي. ومبكراً للغاية في السبعينات، حذَّر جوزيف ويزنباوم، رائد علم الكمبيوتر ونقد التكنولوجيا، من أن الناس أصبحوا "مدمنين" للتكنولوجيا الحديثة، وأن هناك حاجة لـ "علاج أعراض الانسحاب".

هذه الانتقادات عادة كان يسكتها التفاؤل التقني السائد -الاعتقاد بأن عالماً أكثر اتصالاً كان عالماً أفضل- لكن هذه السردية بدأت في التغير بنهاية العقد الماضي، مع ظهور الهواتف الذكية، عندما أصبحنا أكثر ارتبطاً بشاشاتنا، ونشر عدد متزايد من الخبراء والمعلقين الاجتماعيين، مثل شيري توركل ونيكولاس كار، تحذيرات حاسمة بأننا نقضي وقتاً طويلاً للغاية عليها.

ومع تناقص الثقة في صناعة التكنولوجيا على مدى السنوات القليلة الماضية، أصبح هذا المنظور الناقد شائعاً.

الآن تخبرنا مقالات ودراسات وكتب لا تُعد ولا تحصى كيف أن إدماننا للشاشات يجعلنا أكثر قلقاً وكآبة، وغير قادرين على التفكير بعمق، ويشتت انتباهنا عن الدخول في علاقات جادة وعن التفكير في أنفسنا. المخاوف متفاقمة بشكل خاص فيما يتعلق بصغار السن، وكيف يؤثر ذلك على نموهم.

وُلدت حركة العافية الرقمية من رحم هذا القلق الثقافي، على عكس الانتقادات التقنية السابقة، التي سعت إلى تشخيص ورفع الوعي حول إدمان التكنولوجيا، تهدف العافية الرقمية إلى توفير حلول، غالباً على هيئة برامج خطوة بخطوة.

كتاب "How to Break Up With Your Phone: The 30-Day Plan to Take Your Life Back" لصحفية العلوم كاثرين برايس، الذي كان أفضل الكتب مبيعاً للعام الماضي، يعتمد على علم وفلسفة الإدراك، لإظهار كيف تم تصميم الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعية مثل ماكينات القمار، بهدف إبقائنا منجذبين إليها.

ثم تقدم لنا خطة عمل تتضمن استراتيجيات ذهنية، مثل وضع رباط مطاطي حول الجهاز كتذكير للتوقف قبل توصيله مرة أخرى.

التسويق للطامحين في التعافي

كتاب كال نيوبورت "Digital Minimalism: Choosing a Focused Life in a Noisy World"، يدرس ممارسات من واقع حياة مزارعي الأميش، والمبرمجين المتفوقين في وادي السيليكون، وغيرهم، لتحديد استراتيجيات "التنظيم الرقمي". جعل هذا نيوبورت، وهو أستاذ علوم الكمبيوتر بجامعة جورج تاون، يحصل على لقب "ماري كوندو التكنولوجيا".

هناك طريقة أخرى لها شعبية هي برنامج التخلص الموجَّه من السموم الرقمية.

مؤخراً أطلقت جوسلين ك. جيلي، التي تقدم بثاً إذاعياً في مواضيع متعلقة بالإنتاجية، يدعى "Hurry Slowly"، دورة مدتها أربعة أسابيع على الإنترنت بعنوان "Reset"، تهدف إلى المساعدة في "كبح العادات السامة للتكنولوجيا".

يتلقى عملاؤها محادثات بالفيديو، وطقوساً لاستعادة الحياة (بما في ذلك رقصات النصر اليومية) وتدريبات تأمل لتعلم الوصول إلى "التمكين" بدلاً من "الانسحاق"، و "الامتنان" بدلاً من "الانتقاد" و "الإرادة" بدلاً من "تشتت العقل".

إن التغيير في هذا السياق، هو طموح يتم تسويقه حصرياً "للمشغولين"، أولئك الذين تعد الإنتاجية والتركيز أمراً أساسياً بالنسبة لهم، لكن بمقدورهم في نهاية المطاف تحمل إجازة. لهذا السبب ترتبط العديد من برامج التخلص من السموم والانسحاب الرقمي بحياة مرفهة.

يقدم موقع Time To Log Off عروضاً للانسحاب في أماكن يتخلى فيها المشاركون عن هواتفهم الذكية، ويذهبون في رحلات لمسافات طويلة، ويتحدثون عن ضغوط البقاء "متصلين" على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. وتوفر Villa Stephanie في ألمانيا للضيوف خيار فصل غرفهم عن الشبكة الكهربائية، باستخدام ألواح نحاسية وطلاء يحجب الإشارة، كجزء من حزمة "التخلص من السموم" بقيمة 570 دولاراً في الليلة.

إدمان الهاتف: العافية الرقمية ومساحة نامية

بالنسبة لهوليش فإن جزءاً من جاذبية Moment هو أنه يضفي طابعاً ديمقراطياً على العافية الرقمية، بـ "الوصول إلى الناس حيثما كانوا".

مازالت العديد من المميزات الأحدث في التطبيق مثل "وضع العائلة" الذي يسمح لك بمراقبة الوقت الذي تقضيه أسرتك على الشاشات- مجانية، والمستخدمون الجدد يحصلون على أسبوع تجربة مجانية لبرامج التدريب المدفوعة.  

لكن كما هو الحال مع غيره من برامج العافية الناجحة، فإن هذا المظهر الخيري يدفع ثمنه من خلال نموذج تجاري وخط خفي.

في العام الماضي عيّن هوليش تيم كيندال، وهو مسؤول سابق في فيسبوك وبينترست، معروف في وادي السيليكون بأنه يستحم في الثلج، ويرتدي قميصاً مكتوباً عليه "ركِّز"، ليساعد في نمو التطبيق.

كيندال، الرئيس التنفيذي للشركة حالياً، أخبرني أنه يرى العافية الرقمية مساحة نامية في مجال صناعة الصحة والرفاهية الواسع، بالمقارنة مع مجال تطبيقات التأمل، التي حققت في الربع الأول من 2018 ربحاً بلغ 27 مليون دولار في السوق العالمي.

في هذه المرحلة يحقق Moment أرباحه من الاشتراكات في برامج التدريب. ويؤمن كيندال أنه من خلال فهم المستخدمين بشكل أفضل سيكون بإمكانهم تقديم برامج شخصية أكثر لمساعدة الناس على الانفصال عن هواتفهم بكفاءة أعلى.

وقال: "بنفس الطريقة التي تستفيد بها شركة Fitbit من المعلومات بشكل شامل لتجعل الشركة قادرة على تقديم توصيات حول كيف يمكن للأشخاص تغيير السلوك ليصبحوا أكثر نشاطاً، يمكننا استخدام بيانات ملايين المستخدمين لمساعدة العملاء على السيطرة على وقتهم".

أكد لي كيندال أن Moment لا يستخدم البيانات الشخصية في شيء غير تطوير الخدمة للمستخدمين، لكن سياسة الخصوصية على موقعهم تنص على أن البيانات الشخصية يمكن أن تباع لجهة ثالثة، وتستخدم في "أغراض التسويق المباشر"، مما يعزز النموذج التجاري لاقتصاد الانتباه، بينما يقدم علاجاً لعيوبه من خلال المساعدة الذاتية.

إتجاهات منافسة

ويجري الآن نشر تكتيك مماثل على نطاق واسع من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى. ففي العام الماضي فقط، أصدر فيسبوك وإنستغرام أدوات لإدارة الوقت، وخياراً لكتم الإشعارات.

وأعلنت جوجل عن ميزات "صحية" جديدة، تساعدك على تذكير نفسك لأخذ قسط من الراحة من يوتيوب، وتحد من الإشعارات، وتنظم فوضى هاتفك.

وقدمت شركة آبل "Screen Time"، الذي يتيح لك تتبع مقدار الوقت الذي تقضيه في تطبيقات معينة.
بالنسبة للعديد من المناضلين في حركة العافية الرقمية، فإن اعتناق شركات التكنولوجيا الكبيرة لأخلاقياتهم يعتبر مخادعاً. أخبرتني كاثرين برايس أن "شركات التكنولوجيا تحب فكرة العافية الرقمية، لأنها تضع المسؤولية علينا"، "إن ذلك يعطيهم عذراً لأن يكونوا مثل شركات التبغ، ويكتفوا بالقول: حسناً، إذا كنت لا تحبنا، فلا يجب عليك استخدام منتجاتنا".

وأشارت برايس أيضاً إلى أن آبل تصعب الحياة على مطوري تطبيقات العافية الرقمية المستقلين (حتى إن بعضهم حظروا من متجر التطبيقات). وتساءلت: "إذا كانوا مهتمين بصحتنا، فلماذا يفعلون هذا؟"، مضيفة "بصراحة، يبدو كل ذلك مجرد تمرين للعلاقات العامة".

يتساءل مانوش زمردي، وهو صحفي يكتب عن العافية الرقمية منذ 2015، عما إذا كانت الشركات التي أصبحت غنية من خلال تصميم حلقات من ردود الفعل القصيرة المدفوعة بالدوبامين يمكن أن تكون جزءاً من الحل دون تغيير في نموذجها التجاري.

أخبرني زمردي أن "الناس يقولون: أغلق هاتفك، إنه ليس أمراً صعباً! حسناً، إننا في مواجهة شركات تملك مليارات الدولارات، وتعرف كيف تتلاعب بك".

مضيفاً: "إنها ليست مجرد مشكلة خاصة بي لأنني أحتاج عادات أكثر صحية. تحتاج التكنولوجيا إلى أخلاقيات للتصميم".  

وبينما يعترف زمردي وبرايس بهذه المشاكل البنيوية، فإنهما يعتقدان أن ممارسات العافية الرقمية يمكن أن تكون أدوات مفيدة. تقول برايس:

"يجب أن نستخدم كل شيء بمقدورنا استخدامه"، وأضافت: "إذا أردت أن ترى تغييراً فورياً ينبغي أن تتحلى بمسؤولية شخصية لأن ذلك يعني أن بمقدورنا أن نتغير فوراً".

خطوة يمكن أن تكون مفيدة

لكن جيني أوديل، وهي فنانة قدَّمت كتاباً بعنوان "How to Do Nothing" عن تأملاتها الشخصية حول كيفية الانفصال عن اقتصاد الانتباه، ترى أن صناعة العافية الرقمية، بتركيزها على استعادة الوقت والإنتاجية المفقودة، تؤكد مشكلة ثقافية أعمق.

تقول: "لقد درَّبونا على التفكير في أنفسنا كأننا أغراض يمكن تسويقها، لدينا 24 ساعة يمكن الربح منها"، وفي هذا النمط الفكري فإن مشكلة التكنولوجيا الإدمانية هي أنها تجردنا من وقتنا الذي يمكن أن يكون أكثر إنتاجية إذا أنفق على تعظيم مهاراتنا خلال ساعات الاستيقاظ.  

وتضيف أوديل: "أعتقد أنه يجب التمييز بين وجود معنى لحياتك، وبين أن تصبح أكثر إنتاجية"، موضحة "إنهما ليسا نفس الشيء، لكن منتجات التخلص من السموم الرقمية عادة ما تخلط بينهما".

تتبع أوديل في كتابها كيف أن انجذابها إلى برامج التواصل الإلكترونية خفتت بعدما صارت مهتمة بالطيور التي تعيش في حيها، وهو ما أصبح فيما بعد هواية حقيقية لمراقبة الطيور. قالت لي: "وجدت ذلك أكثر واقعية مما قد يقدمه أي برنامج أو تطبيق للتخلص من السموم الرقمية"، وأضافت: "ليس علي أن أصارع التكنولوجيا. أترك هاتفي لأنني أذهب للتمشية وهناك شيء أرغب في رؤيته".

تعترف أوديل أن مراقبة الطيور لن تنفع الجميع، وأن الكثير من برامج العافية الرقمية خطوة بخطوة يمكن أن تكون مفيدة في مساعدة الناس، لكن السؤال هو مدى استدامة هذه الحلول.

وتقول: "بدلاً من متابعة برنامج لاستعادة التركيز والإنتاجية تركت نفسي أنفتح على اللاعمل"، وتتابع: "لكن الرغبة الإنسانية في حل سريع عميقة جداً، لدرجة أنك إذا أخبرت شخصاً بأن لديك عدداً من الخطوات يمكن من خلالها حل هذه المشكلة البنيوية والثقافية الضخمة، فإنه سيتجاهل الصورة الأكبر، وسيكتفي بأخذ ما يمكنه الحصول عليه".

 

تحميل المزيد