رفضت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالإجماع الجمعة 8 مارس/آذار قائمة سوداء لدول صُنِفت بأنها تمثل خطراً كبيراً في ما يتعلق بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب. وكان الاقتراح الذي قدمته المفوضية الأوروبية، وهي الهيئة الإدارية التنفيذية للاتحاد الأوروبي، يضع أربع مقاطعات أمريكية والسعودية وبنما في قائمة تضم أمثال إيران وكوريا الشمالية واليمن. وكما كان متوقعاً، اعترضت كل من الولايات المتحدة والسعودية بصورة صاخبة على هذه القائمة. وتعهدت المفوضية بتقديم قائمة جديدة بحلول الصيف، وبعد التشاور المطوَّل مع الدول الأعضاء، بحسب صحيفة The Washington Post الأمريكية.
ولا يقتصر الغرض من وضع هذه القوائم واستمرارها على فضح الدول المستعصية علناً فحسب، بل تقع هذه القوائم في صميم نظام أوسع يُلزم البنوك بإجراء المزيد من التدقيق للمعاملات المالية مع الدول المدرجة في القائمة السوداء. ويمكن أن يعاني الأفراد والبنوك والشركات في الدول المدرجة من تأخيرات وتكاليف أعلى لإرسال الأموال إلى الخارج.
كذلك تستخدم المنظمات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي هذه القوائم السوداء باعتبارها دافعاً لتغيير السياسات. إذ تعمل أي قائمة سوداء على تبسيط المعلومات المعقدة؛ مما يسهل على كل من الدول والجهات الفاعلة في السوق معاقبة الدول سيئة السلوك. ولكن لكي تنجح هذه القوائم؛ فإنها تتطلب دعماً دولياً واسعاً، وهو ما تفتقر إليه القائمة السوداء التي قدمتها المفوضية الأوروبية.
تاريخ موجز للقوائم السوداء المتعلقة بغسل الأموال
منذ عام 1989، تعمل الدول سوياً لوقف غسل الأموال، وهي عملية يستخدمها المجرمون لإخفاء الأموال غير المشروعة من خلال تحويلها عبر البنوك والشركات. وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حينما أُعلن أن منفذي الهجمات قد تلقوا آلاف الدولارات من خلال تحويلات بنكية، كثف صناع السياسة جهودهم في مكافحة غسل الأموال لتشمل تمويل الإرهاب.
وتعمل الدول على هذه القضايا من خلال مجموعة العمل المالي، وهي هيئة حكومية دولية صغيرة تضم 38 عضواً. ورغم حجمها الصغير، تتمتع هذه الهيئة بنفوذ اقتصادي. ولا تشمل قائمة أعضاء هذه المجموعة الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين فحسب، بل تشمل أيضاً الاقتصادات الناشئة الرئيسية مثل الصين والبرازيل وروسيا والهند. وتصدر المنظمات الدولية مثل مجموعة العمل المالي معايير بدلاً من القوانين، لكن يمكن أن تكون لقراراتها آثار كبيرة على السياسة الداخلية. ويمكن القول بأن التأثير الأكبر لمجموعة العمل المالي يكون من خلال قائمتها السوداء.
لماذا تنجح القوائم السوداء؟
وتُعد القوائم السوداء، والأنواع الأخرى من المؤشرات والتصنيفات، أساليب شائعة بشكل متزايد لإجبار الحكومات على تغيير سلوكها. ومثلما تظهر مجموعة من الأبحاث، يمكن أن يؤدي تصنيف الدول وتقييمها إلى قوانين ولوائح جديدة. وقد ثبُت أن هذه الاستراتيجية لها عواقب على الأعمال التجارية والتعليم والاتجار بالبشر والتمويل غير المشروع والتنمية.
وقد تؤثر القوائم السوداء على سلوك الحكومات بأساليب مختلفة. تتمتع القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي بنفوذ قوي نظراً إلى تأثيرها على البنوك. بموجب القانون المحلي في معظم البلدان، يتعين على البنوك النظر في احتمالات مشاركة العميل بأنشطة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب؛ مما يعني أن تولي البنوك المزيد من الاهتمام عندما يحاول شخص من دول عالية المخاطر مثل إيران إرسال أموال من خلال نظامها المالي. المزيد من الوقت يعني المزيد من الأموال، وتضيف البنوك هذه النفقات على الأفراد والشركات في الدول المدرجة بالقائمة السوداء.
ويعطي هذا الدول دافعاً لسرعة اتخاذ إجراءات لتغيير القوانين وإخراج نفسها من القائمة، كما ذكر بحث، أظهر أن القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي ترتبط بتغييرات مهمة في السياسة. فمن بين أكثر من 60 دولة مدرجة في القائمة منذ 2010، شددت 75% منها قوانينها ولوائحها المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بصورة ملحوظة.
قائمة محكوم عليها بالفشل
لماذا إذن رفضت دول الاتحاد الأوروبي اقتراح المفوضية؟ كانت القائمة السوداء التي قدمتها المفوضية الأوروبية مثيرة للجدل لأسباب عدة. قد تشكل السعودية وبنما والمقاطعات الأمريكية الأربعة خطراً بالفعل في غسل الأموال، لكن هذا هو حال العديد من الدول الأخرى التي لم تُدرج في القائمة أيضاً. ومن خلال إدراج بعض الدول، وعدم إدراج أخرى مثل روسيا وجزر كايمان، سهلت المفوضية على الدول المتضررة أن تدعي أن هذه القائمة غير منصفة.
لكن المشكلة الأكبر كانت دبلوماسية. فمنذ أن أعلنت المفوضية الأوروبية عن مسودة للقائمة في يناير/كانون الثاني الماضي، كانت السعودية تضغط على أعضاء الاتحاد الأوروبي وتهدد بإلغاء عقود مربحة مع بعض الدول الأوروبية. أتى هذا الضغط الدبلوماسي بثماره، إذ اعترضت كل من المملكة المتحدة وإسبانيا علناً قبل أن تصدر المفوضية قائمتها النهائية حتى. وكان ذلك قبل أن تصبح الولايات المتحدة طرفاً في هذا النزاع.
ونظراً إلى فعالية القوائم السوداء؛ فإضافة أي دولة إلى القائمة يمكن أن تكون لها عواقب مالية فورية. ولهذا السبب، وفي غضون ساعات من إعلان المفوضية عن قائمتها في فبراير/شباط الماضي، نصحت وزارة الخزانة في الولايات المتحدة البنوك الأمريكية بتجاهل القائمة. وبمجرد أن انضمت الولايات المتحدة إلى السعودية وبنما في الضغط على أعضاء الاتحاد الأوروبي، كان فشل هذه القائمة السوداء مؤكداً.
تعتمد القوائم السوداء المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب على الدول لتنفيذها على الصعيد المحلي. يجب على الحكومات أن تشترك في العملية لتشجيع قطاعاتها المصرفية على معاقبة المخالفين. ولهذا السبب حققت مجموعة العمل المالي، وهي هيئة تتمتع بخبرة فنية ودعم الاقتصادات القوية، هذه النتائج القوية. فكانت معارضة اثنين من أكبر القطاعات المالية في العالم تعني أن قائمة المفوضية الأوروبية محكوم عليها بالفشل.
هل ستكون هناك قائمة سوداء أخرى؟
انتهى أمر قائمة المفوضية التي صدرت في فبراير/شباط الماضي، لكن القوى السياسية التي أيدت هذه القائمة ما زالت محتشدة. أصدر أعضاء في البرلمان الأوروبي خطاباً يعارض التدخل السياسي في عملية إدراج الدول. وقد تجد المفوضية الأوروبية مرشحين مناسبين آخرين لإدراجهم في القائمة. وفي غضون بضعة أشهر، قد تكون هناك قائمة جديدة مثيرة للجدل. ولكن من دون دعم سياسي، فإن أي قائمة سوداء سيكون مصيرها الفشل السريع على الأرجح.