اعتبرت شبكة CNN الأمريكية، أن الكراهية الدينية هي التي تقف وراء استهداف دور العبادة، وكان آخرها مسجدان في نيوزيلندا، في هجوم خلَّف عشرات الضحايا والمصابين.
وقالت الشبكة الأمريكية: معبد سيخي في ويسكونسن، مركز إسلامي في كيبيك، كنيسة الأم إيمانويل في ساوث كارولينا، كنيس جرة الحياة في بيتسبرغ.
وأمس الجمعة 15 مارس/آذار 2019، أُضيف مسجدان في كرايست تشيرش بنيوزيلندا، إلى القائمة الحزينة لدور العبادة المقدسة التي تعرَّضت للتدنيس الآثم.
وفي كل حالة من هذه الحالات، هاجم دورَ العبادة شخصٌ مؤمن بتفوق العنصر الأبيض، وفقاً لمسؤولي إنفاذ القانون.
وفي كل حالة تُرك مجتمع ديني كمداً، مفكراً في مستقبله، وشاعراً بعدم الاستقرار في الأماكن التي كان من المفترض لها أن تكون بمثابة ملاذ.
بحسب السلطات، قُتل 41 شخصاً بمسجد النور في كرايست تشيرش، و7 آخرون في مسجد لينوود، وتوفي شخص متأثراً بجراحه في المستشفى.
الدفاع عن العرق الأبيض
وفي منشور على أحد مواقع التواصل الاجتماعي قبل الهجمات مباشرة، كان لأحد الحسابات التي يُعتقد أنها مملوكة لأحد المهاجمين، رابط لبيان من 87 صفحة مليء بأفكار معادية للمهاجرين والمسلمين، وتبريرات لارتكاب هجوم ما، ولم يوقّع هذا البيان.
وفي البيان، عَرَّف مشتبه به يبلغ من العمر 28 عاماً، نفسه، على أنه رجل أبيض ولد في أستراليا، وسرد أسماء القوميين البيض الذين ألهموه، بحسب الشبكة الأمريكية.
وروَّعت هجمات أمس الجمعة المسلمين وآخرين في جميع أنحاء العالم، حتى مع قول كثيرين إنها كانت هجمات متوقعة، للأسف، نظراً لتصاعد العنف ضد الأقليات الدينية، وهو ما لا يقتصر على المسلمين فحسب، وإنما يشمل اليهود وأعضاء من ديانات أخرى أيضاً.
وفي حين أنَّ كثيراً من الهجمات على كنائس في الولايات المتحدة ليست مرتبطة فعلياً بالدين، بحسب الخبراء، لكن الهجمات على مواقع غير المسيحيين عادة ما يبدو أنها تنطوي على كراهية دينية في جوهرها.
وارتفعت جرائم الكراهية في الولايات المتحدة وحدها بنسبة 17% عام 2017، وهو آخر عام تتوفر فيه البيانات، وفقاً لمكتب التحقيقات الفدرالية. ولا تقتصر هذه النسبة على الهجمات على الأفراد المتدينين، وإنما على أماكنهم المقدسة أيضاً؛ إذ أُبلِغ عن تعرُّض 9 مساجد كل شهر في المتوسط، عام 2017.
ويبدو أن دور العبادة "أهداف سهلة" نوعاً ما للانتهاك؛ ذلك أنها قد صُمِّمت لتكون مفتوحةً ومرحِّبة بالغرباء، وتجمعات الأشخاص العاديين، غير المسلحين، والذين يأمنون على أنفسهم مع بعضهم البعض وأمام الله.
الأمر أكبر من الدين
بالنسبة للكثير من الديانات، فإنَّ هذا الأمر ليس مجرد سياسة، وإنما هو بند من بنود الإيمان. وهذا هو السبب الذي من أجله أبقى كنيس شجرة الحياة في بيتسبرغ أبوابه مفتوحة، على الرغم من الخوف من موجة معاداة السامية في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم.
وقبل ساعات من إطلاق النار على الكنيس، الذي وقع في شهر أكتوبر/تشرين الأول، نشر المشتبه به على الإنترنت قائلاً إنَّ HIAS، وهي وكالة يهودية لإعادة توطين اللاجئين "تحب جلب الغزاة الذين يقتلون شعبنا، لا يمكنني الجلوس ومشاهدة الناس يُذبحون".
وكما يشير هذا التعليق، فإنَّ هذه الهجمات على الأماكن المقدسة متعلقة بما هو أكثر من الدين؛ إذ تدور حول تعريف "الآخر" وإقصائه، ليس فقط الأشخاص الذين يصلون إلى آلهة مختلفة، وإنما أولئك الذين يعيشون ويتكلمون بشكل مختلف، ويرتدون ملابس مختلفة عن التيار الأبيض المسيحي السائد.
لكن ثمة شيء مزعج على نحو فريد، متعلق بالعنف في دور العبادة، وهو أمر متعلق بالمعنى المزدوج لهذه الكلمة. ذلك أنَّ هذه الملاذات (المعابد والمساجد والكنائس) ليست محض مبانٍ مقدسة، فهي مقدسة بمعنى آخر كذلك، بحسب الشبكة الأمريكية.
إنَّ المعابد والمساجد والكنائس مواقع لجوء من العالم، أماكن يمكن فيها للروح أن تتوق للأمن، والملاذات الخالية من الكراهية. عندما يحني المؤمنون رؤوسهم في الصلاة فإنهم يجعلون أنفسهم، عن قصد، عرضةً للخطر، فأفكارهم تتناغم مع ما هو أبدي، لا مع الأخطار الحاضرة والواضحة.
إذا أصبحت دور العبادة، بعد هذه الهجمات التي لا هوادة فيها محاطةً بأسلاك شائكة، ويحرسها رجال مدججون بالسلاح، فإنَّ هذا الإحساس بالملاذ سوف يكون قد فُقد، وربما لا يُستعاد قط.
لكن ربما يكون الخوف الأكبر أنَّ أولئك الإرهابيين والمؤمنين بتفوق العنصر الأبيض يعرفون هذا الأمر عن الملاذات هم أيضاً، ولهذا يهاجمونها.