حصلت شبكة CNN الأمريكية على مقاطع فيديو جديدة من داخل الهجومٍ الغامض الذي جرى باستخدام طائرتين بدون طيار ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو العام الماضي 2018، في أول محاولة معروفة في العالم لقتل رئيس دولة باستخدام طائرات من دون طيار متوفرة للبيع للعامة، وجرى شراؤها عبر الإنترنت وتسليحها بمتفجرات مخصصة للاستخدام العسكري.
وبحسب الشبكة الأمريكية، تقدَّم رجلٌ باعتباره مُدبِّراً للهجوم، قائلاً إنَّ الهجوم ارتُكِب على يد مجموعة من ضباط الجيش الفنزويلي المنشقين وآخرين. وروى الرجل في حوارٍ حصري مع شبكة CNN كيف حضَّروا للهجوم، وقدَّم مقاطع فيديو مُصوَّرة بهاتفٍ محمول للطائرات من دون طيار والمتفجرات ورحلات الطيران التدريبية في المناطق الريفية بكولومبيا.
قال الرجل الذي تحدَّث للشبكة الأمريكية شريطة عدم الكشف عن هُويته: "حاولنا بكل الطرق السلمية والديمقراطية وضع حدٍّ لهذا الطغيان الذي يصف نفسه بالديمقراطية"، في إشارة إلى نظام مادورو. وأضاف: "لدينا أصدقاء قيد الاحتجاز ويتعرَّضون للتعذيب. كان هذا قراراً صعباً".
واعترف أيضاً بأنَّ الهجوم كان يمكن أن يتسبَّب في قتل أناسٍ أبرياء بجانب هدفهم. فقال: "كانت تلك هي المخاطرة التي اضطررنا لأخذها. وكنا مهتمين بذلك، لأنَّ الشعب الفنزويلي هو مَن يتحمَّل العواقب دائماً".
وصرَّح زعيم المعارضة الفنزويلية الذي أعلن نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد، خوان غوايدو، رفضه للهجوم.
فقال: "مثل هذه الخيارات ليست جيدة". وأضاف أنَّه يشك أنَّ الهجوم مُختَلَق. وأردف: "أعتقد أنَّه كان أمراً داخلياً قامت به الحكومة. فينتهي المطاف بأن يجعلهم يبدون كما لو أنَّهم ضحايا".
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون في صباح اليوم التالي للهجوم إنَّه ربما كان هجوماً مُختَلَقاً لمنح حكومة مادورو "ذريعةً"، من أجل شن حملة قمعٍ ربما. لكن منذ ذلك الحين، صرَّح مسؤولون أمريكيون اطَّلعوا على معلومات استخباراتية لشبكة CNN بأنَّ ذلك ربما كان هجوماً حقيقياً لكنَّه فشل.
فوضى في كاراكاس
في أغسطس/آب 2018، انتشرت الفوضى في وسط كاراكاس.
فبينما كان مادورو يُلقي كلمة أثناء عرضٍ عسكري في شارع أفينيدا بوليفار، وهو أحد الشوارع الرئيسية في العاصمة، تسبَّب دوي انفجار في تبعثر المدنيين والعسكريين على حدٍ سواء. والتقطت كاميرات الأخبار التابعة للحكومة ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي في الموقع صوراً مُجزَّأةً لحالة الارتباك الجماهيري، فكانت سحب الدخان تتصاعد فوق المدينة، وانتشرت تشكيلة من الجنود، وهبَّ الحراس لحماية الرئيس.
لكن لن تُجمَع خيوط القصة إلا فيما بعد؛ وكان ما حدث هو أنَّ طائرتين صغيرتين من دون طيار قد انفجرتا فوق الفعالية. ولم تكن أيٌّ من الطائرتين قريبتين بما يكفي لإحداث دمارٍ مميت، ولو أنَّ سبعة من أفراد الحرس الوطني الفنزويلي أُصيبوا. وسيقول مادورو الذي لم يُصَب بأذى لاحقاً إنَّه كان يعتقد أنَّ الانفجارات مجرد ألعاب نارية.
بعد ذلك، اعتُقِل عشرات الأشخاص بعدما فتح المسؤولون الفنزويليون تحقيقاً لاكتشاف مَن دبَّر ما يبدو أنَّه هجوم. قال نشطاء إنَّ البعض تعرَّض للتعذيب، في حين لا يزال آخرون موجودين على قائمة المشتبهين الخاصة بالحكومة طلقاء. حمَّل مادورو المسؤولية كذلك لنشطاء اليمين المتطرف والحكومة الكولومبية، التي نفت أي مسؤولية لها.
وصرَّح مُدبِّر الهجوم لشبكة CNN بأنَّ كولومبيا لم تكن متورطة في الهجوم. وقال إنَّ هجوم الطائرات دون طيار كان بتدبير مجموعة تضم منشقين عن الجيش الفنزويلي بهدف اغتيال مادورو.
مسؤولون أمريكيون يلتقون المنفذين
وادّعى المهاجم أنَّه التقى عدداً من المسؤولين الأمريكيين ثلاث مرات بعد الهجوم. فقال: "بعد الهجوم، رتَّبوا ثلاثة لقاءات أتصوَّر أنَّها كانت لجمع المعلومات من أجل دراسة القضية، لكن الأمر لم يتجاوز ذلك".
وأضاف: "أرادوا الحصول على معلومات، ثُمَّ طلبنا الحصول على أشياء في المقابل. فكتبوا ملاحظات بخصوص ذلك، وسألنا ما إن كان بمقدورهم المساعدة. ثُمَّ غادروا ببساطة مع ملاحظاتهم، ولم يظهروا مجدداً".
ورفض متحدثٌ باسم الخارجية الأمريكية التعليق على اللقاءات المزعومة، لكنَّه قال: "سياستنا هي دعم عملية انتقالٍ سياسي في فنزويلا". ولم تجد CNN أدلة على حدوث اللقاءات.
ويقول المُهاجِم إنَّ الخطة أُحبِطَت بسبب الحراس الذين تسبَّبوا في انفجار الطائرتين دون طيار قبل أوانهما. إذ عادت إشارة التشويش على الهواتف المحمولة التي تحمي الرئيس للعمل فجأةً، مُتسبِّبةً في الانفجارات.
وتؤكد رواية الحكومة الفنزويلية للهجوم، والتي قدَّمها وزير الداخلية، أجزاء من تلك القصة، بما في ذلك مسارات تحليق الطائرتين بلا طيار.
وقد حُضِّر للهجوم في مزرعةٍ مستأجرة في ريف كولومبيا. وقبل أسابيع من خطاب مادورو، كان المنشقون الفنزويليون قد طلبوا طائرات من دون طيار تجارية مُتاحة للشراء عبر الإنترنت من الولايات المتحدة، وجهَّزوها لتفجير قنبلة محلية الصنع عبر تطبيق التحكم عن بعد.
وفي مقاطع الفيديو التي قدَّمها المُنشَق لشبكة CNN، يمكنكم سماع رجال وهم يشكون من أنَّ براغي الطائرات من دون طيار صغيرة جداً. ويقول أحدهم إنَّه يصعب قراءة الأحرف الصينية الموجودة على صناديق الطائرات.
تُظهِر مقاطع الفيديو كذلك المجموعة وهي تتدرب على المهمة الصعبة، ألا وهي جعل الطائرات تُحلِّق على ارتفاعٍ كافٍ لتجنُّب كشفها، ثُمَّ الانقضاض إلى أسفل بزاوية شديدة الانحدار لضرب هدفها. ويظهرون وهم يتدرَّبون على سيناريوهات مختلفة: وسط التلال الخضراء فوق حوض سباحة، أو إطلاق الطائرات من نافذة سيارة، أو تحت ستار الليل. وستنفجر إحدى الطائرات لاحقاً أثناء أحد الاختبارات.
ولاحقاً، سيُفكِّكون الطائرتين لتهريبهما عبر الحدود إلى داخل فنزويلا. وبمجرد عودتهم إلى بلادهم، سيعيدون ببطءٍ تركيب الطائرتين من دون طيار المخصصتين لاستهداف الرئيس.