قالت وكالة Bloomberg الأمريكية إن خليفة حفتر أقوى أمراء الحرب في ليبيا يضع عينيه نصب العاصمة طرابلس، لكن حتى داعميه الدوليين قلقون من هذه الخطوة.
فحفتر، المقيم شرقي ليبيا، لم يخفِ طموحه للاستيلاء على طرابلس، مقر الحكومة المعترف بها دولياً شمالي غربي البلاد. ولطالما أُهملت تهديداته بوصفها محض كلام، لكنَّ التقدم السريع الذي أحرزه حفتر جنوبي البلاد، العام الجاري، جعله مسيطراً على معظم موارد النفط وقد يجرئه على تنفيذ حملته الأخيرة التي يتبجح بها كثيراً.
وتسعى القوى الدولية، التي تشعر بالقلق، لتجنب مواجهة عسكرية من شأنها أن تهز أسواق النفط العالمية وتنشر المزيد من الفوضى في هذا البلد المقسم الذي يكافح بالفعل لهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وإيقاف تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
وفي أواخر شهر فبراير/شباط، استضافت الإمارات العربية المتحدة، وهي أحد الداعمين الأساسيين لحفتر، خليفة حفتر ورئيس الوزراء الذي يتخذ من طرابلس مقراً له، فايز السراج، لإجراء محادثات تهدف إلى توجيه زخم المعركة هذا إلى عملية لصنع السلام. واتفق الرجلان على السعي لحل تفاوضي والإسراع في تنفيذ خارطة الطريق لإجراء الانتخابات، التي تدعمها الأمم المتحدة والتي واجهت تأخيرات متكررة.
وبحسب الوكالة الأمريكية، فإن حفتر استمر في الإشارة إلى أنَّ الهجوم على طرابلس يلوح في الأفق، وذلك وفقاً لثلاثة دبلوماسيين غربيين رفضوا الإفصاح عن أسمائهم. وتزيد الشائعات بأنَّ جيشه الوطني الليبي المزعوم يزيد من القوات والأسلحة في الغرب من هذه الحالة القلقة. وقال المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي، أحمد المسماري، في شهر فبراير/شباط إنَّ الانتخابات لا يمكن عقدها إلا بعد تأمين البلد بأكمله.
وقال محمد الجرح، المؤسس المشارك لمركز أبحاث، Libya Outlook for Research and Consulting، شرقي البلاد: "ينبغي ألا يخالطنا شك في أنَّ كل ما فعله حفتر حتى الآن كان يهدف إلى الوصول إلى طرابلس، لكي يكون رجل طرابلس". ومن المحتمل أن يستمر في التخطيط للاستيلاء عليها "سواء بشكل سلمي أو عنيف".
ترحيب جنوبي
ومنذ أن أنهت حرب مدعومة من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عام 2011، حكم معمر القذافي الذي استمر 42 عاماً، جرى تقسيم ليبيا بين الميليشيات، لتظهر في النهاية إدارتان متنافستان في الشرق وفي طرابلس. وعلى الرغم من احتكام ليبيا على أكبر احتياطات مؤكدة من النفط الخام في إفريقيا، فإنَّ الاقتتال الداخلي قد أوقف، بشكر متكرر، شحنات النفط وإنتاجه، ما أدى إلى الإضرار بالاقتصاد وإرباك أسواق النفط العالمية.
وفشل اتفاق الوحدة الذي توسطت الأمم المتحدة في إتمامه عام 2015، في معالجة هذه الانقسامات. فالحكومة التي جلبها هذا الاتفاق في طرابلس، بقيادة السراج، ليس لديها جيش خاص بها، وتكافح لفرض سلطتها. وإنَّ نظرة واحدة إلى الخريطة لا تترك أي مجال للشك حول من له اليد العليا حالياً.
إذ أحكم الجيش الوطني الليبي، الذي يتحكم بالفعل في المحطات الرئيسية لتصدير النفط الليبي، سيطرته على أكبر حقل نفطي منذ بداية حملته الجنوبية في شهر يناير/كانون الثاني. ويجعل هذا الأمر حفتر مسيطراً على أكثر من مليون برميل من النفط يومياً، ما يمنحه نفوذاً حاسماً على مصدر الدخل الأساسي في ليبيا، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، فضلاً عن قيادته لأقوى قوة قتالية في البلاد، بحسب الوكالة الأمريكية.
ويقول مراقبو الشأن الليبي إنَّه من الممكن لحفتر، ببساطة، أن يستغل المخاوف بشأن دوافعه لتكون بمثابة نفوذ تفاوضي. ويقول الدبلوماسيون إنه على الرغم من التوترات، فإنَّ المحادثات مستمرة لتكوين حكومة وحدة من شأنها أن تمنح حفتر مزيداً من النفوذ السياسي في طرابلس وتقدم مخرجاً من هذه الأزمة.
ويحظى حفتر بدعم فرنسا ومصر، اللتبن تعتبره حليفاً لهما في القتال ضد المتشددين الإسلاميين، إلى جانب دعم روسيا والإمارات. لكن حتى أولئك الحلفاء يسعون للتعقل معه، وذلك وفقاً لدبلوماسي آخر على اطلاع بهذه الجهود المبذولة.
وقال الدبلوماسيون الغربيون إنَّ حفتر تلقى رسالة واضحة أيضاً من الولايات المتحدة بأنَّ طرابلس محظورة عليه.
"نحن مستعدون"
وقالت كلاوديا غازيني، المحللة الأقدم للشأن الليبي في مجموعة الأزمات الدولية، إنَّ الحملة الجنوبية "جرأت الجيش الوطني الليبي". وقالت غازيني: "حتى حلفاء حفتر خائفون من احتمالية تقدم عسكري مباشر إلى طرابلس ويبدو أنهم يمارسون ضغوطاً [عليه]".
والتصور الشائع أنه ليس لأي من الطرفين القوة العسكرية اللازمة لإخضاع البلاد لرغبته، بحسب المجلة الأمريكية.
وكان حفتر قد استولى على المدن الشرقية الرئيسية بعد حرب طاحنة على مدى العامين المنصرمين. أما في الجنوب الذي جرى إهماله منذ وقت طويل، ويعد مركزاً للمتطرفين والمهربين والمتمردين التشاديين والمهاجرين الأفارقة المتجهين إلى أوروبا، فقد كان الكثيرون مستعدين للترحيب بقوات حفتر إذا جلبت معها الأمن. وكذا فقد تفاوض الجيش الوطني الليبي، في معظم الأحوال، للوصول إلى حقول النفط والبلدات في الأسابيع الأخيرة.
لكنَّ التحرك العسكري باتجاه الشمال الغربي، موطن معظم سكان ليبيا، سوف يكون أصعب بكثير.
وفي حين أنَّ قوات حفتر أفضل تنظيماً من منافسيه، فإنها تتكون من مجموعة متفاوتة من الجنود متوسطي التدريب والمرتزقة. وقد تواجه هذه القوات معارضة أكثر تصميماً حول طرابلس، إلى جانب مصراتة وسرت، حيث تحرس الميليشيات المحلية باستماتة استقلالها الذي حققته بشق الأنفس.
وقال مسؤول مصراتي إنَّ قوة قد تجهزت مؤخراً للهجوم على مهاجمة الجزء الخلفي من الجيش الوطني الليبي، لكنها توقفت لاحقاً. وقال المسؤول: "لن تقاتل مصراتة ما لم يأتِ حفتر إلى المدينة".
أما في سرت، فقد أعلنت قوات الحماية المحلية (قوة حماية وتأمين سرت) عن حالة طوارئ وحشد للقوات. وقالت القوات: "أي محاولة للاعتداء على المدينة هو بمثابة إعلان حرب ستكون عواقبها كارثية ونحن مستعدون لها".
وعلى الرغم من نجاح الحملة الجنوبية، فهي قد كشفت أيضاً عن محدوديات الجيش الوطني الليبي، بما في ذلك العداوات القبلية والتمويل الضعيف وتجاوز الإمكانيات. ولما كانت هذه القوات قد بالغت في التمدد، فقد تعين عليها بالفعل أن تسلم بعض البلدات التي استولت عليها مؤخراً إلى حلفاء محليين.
وقال العقيد في الشرطة، أحمد بركة: "كانت الخطة هي الاستيلاء على الجنوب سلمياً خلال ثلاثة أيام". لكنَّ الصراع المستشري بين قبيلة التبو التي ينتمي إليها بركة وتقطن جنوبي ليبيا، وفي تشاد والنيجر، مع المقاتلين من قبيلة أولاد سليمان، الذين جرى تجنيدهم في صفوف الجيش الوطني الليبي، أشعلت فتيل العنف.
أين المال؟
سلم حفتر منشآت النفط التي تم الاستيلاء عليها إلى شركة النفط الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، والتي ما يزال بحاجة إليها لتحقيق الإيرادات، ذلك أنَّ قوى كثيرة كانت قد سيطرت على منشآت النفط على مر السنين، لكنَّ واحدة منها لم تنجح في بيع كميات تجارية من النفط الخام إلا من خلال هيئة النفط الرسمية.
وكذا، فإنَّ ما يستطيع أن يفعله هو أن يغلق صنابير النفط ومن ثم يجبر منافسيه التفاوضيين على الاستجابة لمطالبه.
وقال ولفرام ليشر، الباحث في الشأن الليبي في مركز أبحاث SWP الألماني: "إنَّ أي اتفاق قد يرغب حفتر في قبوله سوف يكون غير متوازن ومن ثَم فسوف ترفضه القوى الرئيسية غربي ليبيا. لذا فإنَّ أية محاولة دولية للدفع باتجاه مثل هذا الاتفاق سوف تخاطر هي الأخرى بإثارة نزاع مفتوح".