من باب تنظيم الصفوف وتوصيل صوت المتظاهرين، اختار النشطاء الجزائريون المحتجون محامين إصلاحيين بارزين ونشطاء حقوقيين لقيادة الحراك الشعبي ضد ما يعتبرونه "حكماً شمولياً منفصلاً عن نبض الشارع".
ورفض نشطاء المعارضة قرار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة العدول عن خوض انتخابات الرئاسة سعياً للحصول على فترة خامسة، واعتبروه إجراء غير كافٍ يهدف إلى تهدئة الغضب الشعبي ولا يقدم شيئاً لمعالجة عقود من المتاعب الاقتصادية والاجتماعية.
"نرفض المفاوضات.. وسنواصل الضغط"
في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الجزائرية الجديدة، الأربعاء 13 مارس/آذار، استعدادها لإجراء محادثات مع المحتجين قائلة إنها تستهدف نظام حكم يستند إلى "إرادة الشعب". رفض قياديون في الاحتجاجات المحادثات، قائلين إنها ليست مطروحة، على الأقل في الوقت الحالي.
وقال فضيل بومالة، أحد زعماء المحتجين، لرويترز: "نحن نرفض التفاوض مع النظام على فترة انتقالية، لا مفاوضات"، مضيفاً: "ميزان القوى في صالحنا، وسنعمل على تعزيز حركتنا، نحن بحاجة إلى مواصلة الضغط لمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع".
يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه رئيس وزراء الجزائر الجديد نور الدين بدوي، الخميس 14 مارس/آذار، إنه سيشكل حكومة خبراء ستشمل الشبان والشابات الذين يخرجون في مظاهرات حاشدة للضغط من أجل تحولات سياسية سريعة. وأضاف بدوي: "فيما يخصّ الحكومة نحن بصدد تشكيلها والتشاور فيما يخصّها، ونقول بصدق إن هذه التشكيلة ستكون تشكيلة تمثل كل الطاقات، وخاصة الشبانية من بنات وأبناء وطننا".
وأشار بدوي أيضاً إلى أن صحفيّي البلاد سيلعبون دوراً في المؤتمر الوطني للإصلاحات السياسية، داعياً المعارضة السياسية في البلاد إلى قبول الحوار والجلوس مع الحكومة على طاولة المفاوضات. وكشف رئيس وزراء الجزائر أن الانتخابات الرئاسية ستخضع لإشراف لجنة مستقلة، وأن تأجيلها جاء "استجابة لإرادة الشعب".
رئيس وزراء سابق وحقوقيون من بين زعماء الاحتجاجات
في السياق، قال نشطاء لرويترز إنه إلى جانب الناشط بومالة (48 عاماً) وهو مفكر معروف وأستاذ جامعي، يضم زعماء المحتجين رئيس الوزراء السابق أحمد بن بيتور (73 عاماً) الذي استقال في 1999 اعتراضاً على السياسات الاقتصادية لبوتفليقة، وزبيدة عسول (63 عاماً) وهي محامية وزعيمة حزب سياسي صغير.
وذكر عدة نشطاء أن من بين أبرز زعماء الاحتجاجات المحامي والنشط الحقوقي مصطفى بوشاشي (67 عاماً). وفي حين لم يتم إجراء تصويت رسمي قال النشطاء إن الأربعة من بين مجموعة تلعب دوراً بارزاً في حركة الاحتجاجات ويحظون بثقة المحتجين.
وقال بومالة: "هدفنا الرئيسي الآن هو تعزيز الحراك بحيث يمكن أن تنضم إليه قوى أخرى، وحماية الحراك من أي اختراق له من جانب نظام بوتفليقة".
"بوتفليقة لم يفهم الرسالة جيداً"
بعد أن أذعن بوتفليقة (82 عاماً) يوم الإثنين الماضي، لأسابيع من الاحتجاجات الحاشدة ضد حكمه المستمر منذ 20 عاماً، تعهَّد بمرحلة انتقالية من أجل تشكيل قيادة جديدة. لكنه أرجأ انتخابات كانت مقررة في أبريل/نيسان وهو ما يعني أنه سيبقى في السلطة على الأرجح لبعض الوقت.
لكن، يعتبر المتظاهرون هذه الخطوة أنها كانت بمثابة خدعة من جانب المسؤولين الذين "يتمتعون بسجل حافل من التلاعب بجماعات المعارضة للحفاظ على أركان هيكل السلطة الذي يهيمن عليه الجيش"، كما يقول ناشطون.
وأخفقت المبادرة التي عرضها بوتفليقة في كبح الاحتجاجات الذي أذكاها الغضب من البطالة والفساد وضعف الخدمات العامة وفشل البيروقراطية في توفير المزيد من الحريات أو تحفيز المشاريع الخاصة.
يقول الناشط بوشاشي: "أعتقد أن بوتفليقة لم يفهم جيداً رسالة المحتجين، لقد قالوا لا للانتخابات.. لا للعهدة الخامسة، وقالواً أيضاً لا لحكومة سبق لها تزوير الانتخابات".
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيها ناشطون أن غداً الجمعة سيشهد المزيد من الاحتجاجات الكبيرة المنادية بالإصلاح والرافضة للتمديد لبوتفليقة.
فترة انتقالية.. المحتجون يبحثون عن الثقة قبل الحوار
بالنسبة لقيادة الحراك الجزائري، فإن الثقة هي مطلب أساسي للمحتجين الذين يبحثون عمن يحاورهم بمصداقية بين ما يسميه الجزائريون "النظام الحاكم"، وهي قيادة "غامضة" يهيمن عليها الجيش، وهي بارعة في تقسيم حركات المعارضة والسيطرة عليها، كما يقولون.
ويرى حسن آيت عيسي (41 عاماً) أن المحتجين يريدون ممثلين عنهم يثقون فيهم للتعامل مع جناح بوتفليقة في السلطة، مضيفاً: "سأصوّت لبوشاشي على فيسبوك" مشيراً إلى منشورات المتظاهرين على الإنترنت بشأن الاحتجاجات.
في حين ذكر بومالة أن البلاد ستحتاج إلى فترة انتقالية ما بين 18 و24 شهراً؛ للتأكد من وجود مؤسسات جديدة وشرعية، وفي الوقت نفسه تعيين حكومة تكنوقراط انتقالية.
وكان عرض بوتفليقة للإصلاح تضمن عقد مؤتمر لوضع دستور جديد، وقال إن المؤتمر الذي ستتبعه الانتخابات قد يستغرق حتى نهاية عام 2019. وأثار احتمال بقاء بوتفليقة في السلطة حتى ذلك الحين غضب الكثير من الجزائريين الذين يتذكرون أن الرئيس لمَّح عدة مرات خلال رئاسته إلى إصلاحات سياسية واسعة النطاق.
في حين تقول مصادر سياسية إن الدبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي، الأكبر سناً من بوتفليقة، مكلَّف بتوجيه العملية السياسية؛ حيث من المتوقع أن يجلس خصوم بوتفليقة في مرحلة ما مع حلفاء الرئيس. وذكرت المصادر أن اللاعب الآخر في أي محادثات سيكون رئيس الوزراء الجديد نورالدين بدوي.