تتأهب السعودية لاستضافة أول معرض جوي دولي لها، في إطار مساعيها لتحويل الخطوط الجوية الوطنية إلى منافس عالمي، تنافس به الشركات الإقليمية، التي تُعرف بالثلاثة الكبار: طيران الإمارات، والاتحاد، والخطوط الجوية القطرية.
وقالت شبكة CNN الأمريكية إن لدى المملكة طموحات كبيرة لصناعة الطيران فيها، ضمن خطة يتزعَّمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد وتخليصه مما أطلق عليه سابقاً "إدمان" النفط. إلا أنَّ هذه الجهود ازدادت تعقيداً، عقب واقعة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، التي أضرّت بسمعة الحكومة السعودية دولياً.
وتتمتع السعودية بالفعل بسوق نقل جوي نَشِط؛ إذ تمتلك 27 مطاراً لخدمة سكانها الذين يتجاوز عددهم 30 مليون نسمة، إضافة إلى وفود الحجاج الذين يتدفَّقون إلى المملكة كلَّ عام لزيارة أقدس المواقع الإسلامية.
ويرغب محمد بن سلمان في أن تصبح الخطوط الجوية السعودية "Saudia" شركة نقل دولية منافسة للخطوط الجوية القطرية، وأكبر شركتي طيران في الإمارات "الاتحاد للطيران" و"طيران الإمارات".
ففي مقابلة مع التلفزيون الرسمي السعودي عام 2017، قال: "أشقاؤنا في الإمارات وقطر عملوا بكدٍّ لتطوير خدمات الطيران في الشرق الأوسط… يجب أن يكون للطيران السعودي حصة أكبر بكثير في سوق الطيران في المنطقة".
ظلال مقتل خاشقجي
انضمَّت العشرات من الشركات العالمية إلى قائمة المشاركين في معرض الطيران الدولي الذي سينطلق الثلاثاء القادم، 19 مارس/آذار 2019، في العاصمة الرياض. إلا أنَّ شركات Boeing الأمريكية وAirbus الأوروبية وRaytheon الأمريكية وThales الفرنسية ذكرت أنَّ موظفيها الإقليميين سيمثلونها في الحدث بدلاً من مسؤوليها التنفيذيين العالميين.
إذ سادت حالة من الشكوك بين الشركات التجارية حيال تعميق علاقاتها مع المملكة منذ مقتل خاشقجي، في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية، في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
ففور انتشار أنباء مقتل الصحفي المخضرم، انسحب عشرات المسؤولين التنفيذيين الأجانب مثل: جيمي ديمون، المدير التنفيذي لبنك JP Morgan Chase الأمريكي، وجو كايسر، المدير التنفيذي لشركة Siemens من مؤتمر الاستثمار الرائد في المملكة، الذي أُطلِق عليه اسم "دافوس الصحراء".
إضافة إلى ذلك، تراجَعَ الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون عن تنفيذ مشروعين ضخمين مع السعودية لتطوير السياحة في البحر الأحمر، وعلَّق المحادثات مع حكومة المملكة حول استثمار بقيمة مليار دولار في شركات الفضاء التابعة له.
يُذكر أنَّ مسؤولي الاستخبارات الأمريكية أعربوا عن اعتقادهم بأنه لم يكن من الممكن قتل الصحفي دون علم ولي العهد السعودي، وهي المزاعم التي تنفيها السلطات السعودية.
ووفقاً لخطة ولي العهد الكبيرة لتطوير الاقتصاد، المعروفة باسم "رؤية 2030"، ترغب السعودية في تنمية صناعة السياحة لديها، وزيادة أعداد الزوار للمملكة.
إذ تستهدف جذب 30 مليون حاج سنوياً بحلول عام 2030، مقابل 8 ملايين حاج عام 2016. وذكرت كذلك أنها ستبدأ في إصدار التأشيرات السياحية لأول مرة، إضافة إلى أنها تخطط لبناء مطارين جديدين وتجديد 3 مطارات قديمة.
وفي هذا الصدد، قال وزير النقل السعودي نبيل بن محمد العامودي، في تصريح لشبكة CNN الأمريكية: "تُصمَّم هذه الخطط وفقاً للزيادة في معدل ارتفاع عدد الركاب، ومن خلال متابعة خطط التطور والطلب المتوقعة في المنطقة".
هل يمكن أن تنافس السعودية "الثلاثة الكبار"؟
يقول محللون إنَّ هناك احتمالات كبيرة بأن يحدث هذا.
إذ ساهم سوق الطيران المحلي الضخم في السعودية، وجاذبيتها بوصفها مقصداً سياحياً دينياً، في تمكين شركة Saudia، الخطوط الجوية الرئيسية للمملكة، من منافسة أفضل شركات النقل الجوي في المنطقة من حيث عدد المقاعد المعروضة.
وغالباً ما يُشار إلى شركات "الاتحاد للطيران"، و"طيران الإمارات"، والخطوط الجوية القطرية باسم "الثلاثة الكبار" في الشرق الأوسط. وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة، شهدت هذه الشركات الثلاث نمواً متسارعاً، عبر استغلال موقعها الجغرافي لإنشاء مراكز تربط آسيا بأوروبا وأمريكا الشمالية. وحصدت كذلك الشريحة الأكبر من حركة المسافرين من خلال تقديم أحدث البنى التحتية والخدمات الحائزة على جوائز.
من جانبه، قال المدير التنفيذي لشركة Aerotask لاستشارات الطيران، روب واتس: "من حيث عدد المقاعد المتوفرة، وحجم الخطوط الجوية، يمكن القول إنَّ الثلاثة الكبار ينبغي في الواقع اعتبارهم الأربعة الكبار".
وأضاف: "لدى السعودية مزيج أكثر تنوعاً من حركة المسافرين مقارنة بشبكات نقل الثلاثة الكبار، ومن ثم فهي أقل عرضة لتقلبات أداء الاقتصاد العالمي، وهو الأمر الذي يمثل تحدياً مستمراً لطيران الإمارات والاتحاد للطيران والخطوط الجوية القطرية".
لكن لا يزال يتعيَّن على الحكومة السعودية بذل المزيد من الجهد لتحظى شركة الطيران الوطنية Saudia بنفس السمعة الدولية التي يتمتع بها منافسوها الإقليميون.
أيضاً من الأمور التي قد تعوق هذه الرؤية، القرار الخاص بما يُعرف بالإركاب، والذي يعني السماح للموظفين الحكوميين في الوظائف المدنية والعسكرية في البلاد بعدم دفع قيمة تذاكر الطيران، فيما لا تقوم الدولة بالدفع نيابة عنهم، مما يعني وقوع عدد من الخسائر لا بأس به، بسبب زيادة عدد الموظفين في المملكة.
وأوضح واتس: "لكي تستغل السعودية حقاً هذا السوق وتنضم للثلاثة الكبار، بوصفها شبكة نقل جوي عالمية، هناك الكثير مما يجب القيام به لتحسين الرؤية الدولية للبلاد، وهو المجال الذي حقَّقت فيه تقدماً كبيراً بالفعل، ومع ذلك يجب بذل المزيد إذا ما أريد تشجيع المسافرين على اختيار الخطوط السعودية بدلاً من نظيراتها التي تتمتع بالكفاءة العالية".