"لا محل لعهدة خامسة ولن يجرى انتخاب رئاسي يوم 18 أبريل"، هذا ما أعلن عنه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، الإثنين 11 مارس/آذار بعد يوم واحد من عودته إلى البلاد قادماً من مستشفيات جنيف الجامعية حيث خضع لفترة علاجية.
في حدود الساعة السادسة والنصف مساء، بتوقيت الجزائر، تهاطلت الأخبار العاجلة على التلفزيونات والمواقع الإخبارية، بدايتها كانت برسالة مطولة للرئيس بوتفليقة، أعلن فيها عدوله عن الترشح لعهدة رئاسية خامسة وتأجيل الانتخابات وتنظيم ندوة وفاق وطني جامعة لكل مكونات الشعب الجزائري تحدد موعد الاستحقاقات المقبلة.
كما قدم الوزير الأول أحمد أويحيى، استقالته للرئيس بوتفليقة، ليعين مكانه وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية نور الدين بدوي، واستحدث بمرسوم رئاسي منصب نائب الوزير الأول أسندت حقيبته لوزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة.
واستقبل بوتفليقة، الذي عاد من رحلة علاجية أسالت الكثير من الحبر بجنيف، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح، الذي سلمه تقريراً عن الأوضاع الأمنية.
وكلف بوتفليقة، الوزير الأول الجديد بتعيين حكومة جديدة، قال إنها ستعرف "تعديلات جمة"، وسيتم الإعلان عنها في أقرب الآجال.
المفاجأة في رسالة بوتفليقة كانت بكلماته وليس قراره
لم يكن مفاجئاً أبداً، تراجع الرئيس الجزائري، عن الترشح لعهدة رئاسية خامسة، فبالنظر لملايين المواطنين الذين خرجوا إلى الشارع رفضاً لها، والتحاق تنظيمات نوعية بها، على غرار المجاهدين، المحامين، الطلبة والقضاة وفئات أخرى، بدا مستحيلاً إجراء الانتخابات التي كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان 2019.
غير أن المفاجئ في رسالة بوتفليقة، إلى شعبه، هو الجملة التي أرفقت الإجراء الأول في الرسالة حينما قال: "لا محلَّ لعهدة خامسة، بل إنني لـم أنْوِ قط الإقدام على طلبها".
وكان بوتفليقة في رسالة إعلان الترشح، ورسالة تقديم ملف الترشح لدى المجلس الدستوري، قد أكد أنه متقدم إلى الانتخابات الرئاسية، وأنه سيحدث جملة من التغييرات إذا "منحتموني ثقتكم" (مخاطباً المواطنين).
فمن أقدم على طلب العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، إذا كان فعلاً لم ينو ذلك؟ وهل قام محيطه القريب منه بترشيحه رغماً عن إرادته أو دون علمه؟ أم أن للأمر قراءات أخرى؟
والسؤال المطروح هنا، ما هو السند القانون لقرار بوتفليقة؟
رسالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لم تكشف عن السند القانوني الذي جعله يتخذ قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية.
وفي وقت ربطت بعض القراءات الأمر بالمادة 107 من دستور البلاد التي تنص على ما يلي: "يقرر رئيس الجـمهوريّة الحالة الاستـثنائيّة إذا كانت البلاد مهدّدة بـخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسّساتها الدّستوريّة أو استقلالها أو سلامة ترابها".
وتضيف المادة "ولا يـتّخذ مـثل هذا الإجراء إلاّ بـعد اسـتشارة رئـيس مـجلس الأمـة ورئـيس المجلس الـشـعبي الـوطني، ورئيس المجلس الدّستوريّ والاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن ومجلس الوزراء".
وتنص أيضاً "تـخـوّل الحـالـة الاسـتـثــنـائـيّـة رئـيس الجــمـهـوريّـة أن يـتّـخـذ الإجـراءات الاسـتـثــنـائـيّـة الّـتي تستوجبها المحافظة على استقلال الأمة والمؤسّسات الدّستوريّة في الجمهوريّة".
وتشترط أن "ويجتمع البرلمان وجوباً". وأن "تنتهي الحالة الاستثنائيّة، حسب الأشكال والإجراءات السّالفة الذّكر الّتي أوجبَت إعلانها".
ولم يذكر الرئيس بوتفليقة، أن بلاده تمر بحالة استثنائية، وإنما قال في بداية رسالته إن "الجزائر تمر بمرحلة حساسة من تاريخها".
وينص القانون الجزائري، على أن تأجيل الانتخابات، يكون في حالة واحدة هي "حالة الحرب"، وتفصل في ذلك المادة 110، "يوقَف العمل بالدّستور مدّة حالة الحرب ويتولّى رئيس الجمهورية جميع السلطات، وإذا انتهت المدّة الرّئاسيّة لرئيس الجمهوريّة تمدّد وجوباً إلى غاية نهاية الحرب".
ولا تعيش الجزائر حرباً، كما لم تعلن حالة طوارئ أو حالة استثنائية للبلاد، ما يعني أن بقاء بوتفليقة في الحكم دون انتخابات، مخالف للدستور، لكنه في المقابل برر الخطوات الجديدة التي اتخذها بالاستجابة إلى مطلب "فتح ورشة واسعة بأولوية واسعة للغاية".
بداية.. خرج الجزائريون فرحين بالانتصار، ثم شعروا بالغضب الشديد!
فور إعلان تراجع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن الترشح، لعهدة رئاسية خامسة، عبر الجزائريون عن فرحتهم "بانتصار الإرادة الشعبية"، لكن وبعد ساعات قليلة، عادت منشورات الغضب إلى صفحات فيسبوك، حيث عبر العديد من النشطاء عن رفضهم للإجراءات المتخذة.
وسرعان ما أرسلت دعوات للتظاهر مجدداً يوم الجمعة 15 مارس/آذار، ضد ما سمي "محاولة الالتفاف على الحراك السلمي".
ورغم أن أولى التظاهرات بدأت بإسقاط الترشح إلى العهدة الخامسة، إلا أن السقف ارتفع ويطالب العديد من النشاط والمعارضين بتغيير جذري للنظام، "تغيير يبنى على مجلس تأسيسي وحكومة وفاق وطني لا تشارك فيها الوجوه التي اشتغلت مطولاً مع بوتفليقة"، مثلما قال السياسي كريم طابو.
#كريم طابو يناشد الشعب الجزائري في ان يواصل #الحراك
Gepostet von Algerian Street الشارع الجزائري am Montag, 11. März 2019
بينما اعتبر الحقوقي مصطفى بوشاشي، الذي يطرح بقوة كشخصية توافقية تمثل حراك الشارع الجزائري، "أن عدول بوتفليقة عن الترشح لعهدة رئاسية خامسة، انتصار جزئي للشعب، يجب أن يتبع بحكومة وطنية تنتج عن مشاورات موسعة، تمثل أبرز مكونات الحراك".
اول تعليق من الاستاذ مصطفى بوشاشي
Gepostet von وزارة الفقر والسّعادة am Montag, 11. März 2019
ويشكك الرافضون لاستمرار بوتفليقة في الحكم، في مدى قدرة النظام على الوفاء بالتزاماته، وعدم الالتفاف على الإصلاحات التي أطلقها في كل مرة منذ قيام الدولة سنة 1962.
لكن البعض مصرون على اعتبار القرار أكبر تحول في تاريخ البلاد
في المقابل، اعتبر نائب الوزير الأول، وزير الخارجية رمطان لعمامرة، "أن الجزائر تعرف أكبر تحول في تاريخها منذ الاستقلال سنة 1962″، وقال في أول تصريح له عقب تعيينه في المهمة الجديدة لإذاعة فرنسا الدولية "إن المسؤولية التاريخية اليوم تقع على نساء ورجال الجزائر وخاصة شبابها، لبناء المستقبل الأفضل للشعب الجزائري".
ووصف الدبلوماسي الجزائري الذي شغل مناصب مرموقة قارياً ودولياً، ما اقترحه بوتفليقة "بالتوجيهات الاستراتيجية، بدءاً بندوة الوفاق الشامل، التي ستشرف بكل سيادة على تنظيم الانتخابات وتشكيل حكومة كفاءات وطنية".
منهم من يطالب بسحب صلاحيات هائلة من الرئيس
في المقابل، تمهد ندوة الوفاق الوطني الشامل، لسحب صلاحيات هائلة من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، فهي ستشرف بكل سيادية على تعديل الدستور وتحديد موعد الانتخابات الرئاسية.
وتشكل قيادة الندوة من شخصيات وطنية بارزة تحقق التوافق ويتم انتقاؤها عن طريق الانتخاب وفق قانون سيسن في أقرب الآجال مثلما جاء في رسالة عبدالعزيز بوتفليقة.
وفي العادة يتولى رئيس الجمهورية المراقبة والإشراف على كل التعديلات الدستورية وتحديد تواريخ الانتخابات.
وإذا حدث ونجح النظام الجزائري، في الذهاب نحو هذه الندوة، فإن بوتفليقة لن تكون له بصمة رسم ملامح الجمهورية الثانية، وسيكون بمثابة الرئيس الشرفي للورشة الضخمة.
العودة إلى المربع الأول
في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2018، طرحت بقوة مسألة تأجيل الانتخابات الرئاسية وتمديد فترة حكم بوتفليقة، وتنظيم ندوة وفاق وطني يعدل فيها الدستور، وقاد عملية الترويج للفكرة رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري، ورئيس حزب تجمع أمل الجزائر العضو في التحالف الرئاسي عمار غول.
حديث مقري وغول، وبالرغم من كون البعض رأى فيه نوعاً من "نقص الجدية"، إلا أنه كان خارطة طريق فعلية لتحضير إنهاء حكم عبدالعزيز بوتفليقة وتحقيق الانتقال الديمقراطي بشكل "سلس".
وواجهت فكرة تأجيل الانتخابات، العائق الدستوري المتمثل في أن "الخطوة لا يمكن إقرارها إلا في حالة الحرب"، لذلك استقر مخبر رئاسة الجمهورية الجزائرية، على الذهاب نحو عهدة رئاسية خامسة، حتى لو كانت شكلية، لتنفيذ ورشتي الندوة الوطنية وتعديل الدستور.
ترسيم العهدة الخامسة، ومثلما وصفته مراكز دراسات دولية، أشعر الجزائريين "بالإهانة الكبرى"، ودفعهم للنزول إلى الشارع بالملايين بدءاً من 22 فبراير/شباط، مطالبين بالتراجع عنها بشكل فوري.
جهاز الاستخبارات توقع الرفض الشعبي الواسع لهذه العهدة
وكشفت مصادر أمنية جزائرية لـ"عربي بوست"، أن جهاز الاستخبارات توقع الرفض الشعبي الواسع لهذه العهدة وقدم تقارير لأعلى السلطات في هذا الاتجاه، لكن أحزاب الموالاة وبعض مؤسسات الدولة مسندة إلى رجال الأعمال الأقوياء جداً، مضوا في المشروع، إلى غاية تراجع الرئيس عنه الإثنين 11 مارس/آذار.
تسارع الأحداث في الأيام القليلة الماضية، كانسحاب أغلب المترشحين من السباق الرئاسي، والتحاق تنظيمات معروفة بانضباطها المؤسساتي بالاحتجاجات السلمية، أعطى الانطباع أن جناحاً في السلطة أو السلطة كلها أحكمت قبضتها على الحراك وتقوده إلى ملعبها الذي تريده.
المظاهرات السلمية، في النهاية لم تكن مفاجئة للنظام، والتقى مطلبها الرئيسي المتمثل في مرحلة انتقالية دون عهدة خامسة، مع مقترح مخبر الرئاسة الذي طرح بقوة في ديسمبر كانون/الثاني الماضي، المتمثل في الذهاب إلى ذات المرحلة عبر ندوة وطنية وتعديل الدستور وتمديد حكم بوتفليقة إلى غاية تنظيم انتخابات.
وقد أعطت المسيرات المليونية، الحجة السياسية للنظام، من أجل إقرار خطته الأولى، معتقداً أن استناده إلى الإرادة الشعبية سيغنيه عن ضوابط الدستور.
ويفهم من كل هذا أن قول بوتفليقة "لم أكن أنوي التقدم إلى عهدة خامسة"، أن "إعلان الترشح، كان مناورة متعمدة للدفع باتجاه "تمديد الحكم" و"نيل شرف بناء الجزائر الجديدة"، والتمكين لذلك من خلال موجة الشارع واستغلالها لصالحه، في حالة ما إذا لم يثبت أنه تعرض لعملية نصب واحتيال من قبل محيطه القريب.
ويؤكد هذا الطرح أستاذ التاريخ بجامعة وهران رابح لونيسي قائلاً "خرجت لنا الرئاسة بقرارات التمديد لبوتفليقة دون انتخابات، أي تحقيق ما طالبه في رسالة الترشيح يوم 03 مارس عنوة، وهو ما يعد خروجاً عن الدستور، وكأن نظام بوتفليقة وظف هذه المسيرات لتحقيق ما كان يريده هو قبل دعوة الهيئة الانتخابية وهي التمديد وتأجيل الانتخابات".
لامحل للعهدة الخامسة ..الصقور مازالوا يستهدفون رأسه
وإلى جانب هذه القراءة، يوجد طرح آخر، مرتبط بصراع الأجنحة داخل النظام الجزائري، صراع استطاع فيه طرف أن يحرك الشارع ضد خصمه بشكل قوي.
وبالعودة إلى الوثيقة الداخلية لحركة مجتمع السلم، التي سربت للصحافة، وتحدث فيها رئيسها عبدالرزاق مقري، عن "رفض صقور المخابرات القديمة (الجنرال محمد مدين المدعو توفيق قائد الجهاز الاستخباراتي سابقًا)، مدعومين بأجنحة الإعلام والسياسية على غرار الوزير الأول أحمد أويحيى لمقترح تأجيل الانتخابات وتمديد حكم بوتفليقة حينما طرح نهاية العام الماضي".
وعليه يكون هذا الجناح المتغلغل في الشارع، قد أكد أن المسيرات السلمية هي السلاح الوحيد الذي يسقط عبدالعزيز بوتفليقة من العرش الذي اعتلاه مدة 20 سنة، دون أي تمديد.
وعقب ساعة من رسالة بوتفليقة، عادت التعبئة إلى مظاهرات جديدة الجمعة المقبل، إلى أوجها، بشكل يوحي بوجود رغبة جامحة في عدم إطالة عمر عهد الرئيس الحالي إلى ما بعد 18 أبريل/نيسان 2018.
ومعروف لجوء أجنحة النظام عندما تتصارع إلى الشارع، وفي السياق ذكر إطار جزائري لعربي بوست "أن أحداث الخامس أكتوبر/تشرين الثاني سنة 1988، صنعها جناح كان يريد إصلاحات رفضها جناح آخر، فمررها عبر الشارع، رغم ما نجم عن ذلك من وفيات وجرحى جراء أعمال العنف".
السيناريو الأول
مع تجدد الدعوات للتظاهر الجمعة المقبل، تحت شعار "لا تأجيل لا تمديد، نريد منكم الرحيل"، تتجه الجزائر نحو سيناريوهات مفتوحة على احتمالات عدة.
الأول يرتبط بمدى استجابة الجزائريين إلى دعوات التظاهر، ومدى سرعة تصرف الرئاسة الجزائرية وإظهار تركيبة الحكومة الجديدة بقيادة الوزير الأول نور الدين بدوي، بحيث قد تساهم في تقليل تعبئة الشارع خاصة إذا ما استطاعت إقناع وجوه معارضة لها شعبية بالانضمام إليها.
وهنا تكون السلطة قد ربحت جزءاً من المعركة، ووضعت قدماً في التحضير لندوة الوفاق الوطني.
السيناريو الثاني
في حالة الاستجابة الواسعة للمظاهرات وخروج الجزائريين بأعداد مماثلة أو تزيد عن جمعة الفاتح من الشهر الجاري، يمكن للرئيس بوتفليقة أن يواصل تنازلاته لشعبه، وهنا سيرمي بآخر ورقة لديه وهي انسحابه نهائياً من الحياة السياسية عند نهاية عهدته أواخر أبريل/نيسان المقبل، وهو مخرج لا يريده دون شك، لأنه معروف برغبته الشديدة في الموت رئيساً.
وإذا ما حظي بوتفليقة بدعم المؤسسة العسكرية، وتقرر عدم تقديم أي تناول إضافي أمام المحتجين، قد تفتح أمام البلاد أبواب الصدام أو الانزلاق نحو العنف، جراء تصلب المواقف، وحينها يتطلب الأمر إثبات أكبر قدر ممكن من سلمية المسيرات ومسارعة النظام إلى إنقاذ الموقف بدعوة أبرز وجوه المعارضة الراديكالية إلى طاولة الحوار.