قبل أقل من شهر من الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 9 أبريل/نيسان 2019، تبدو فرص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البقاء في منصبه ضعيفة (نظرياً على الأقل)، بسبب اتهامات الفساد التي تلاحقه، وكذلك "طول مدة بقائه في السلطة"، لكن هل يكون اتساع رقعة الاتصالات مع الدول العربية "علناً وسراً" طوقَ النجاة للسياسي الإسرائيلي المخضرم؟
النائب العام الإسرائيلي وافق الثلاثاء 12 مارس/آذار 2019، على طلب نتنياهو تأجيل إطلاع محاميه ومحامي المدّعين على الأدلة الخاصة بادعاءات الفساد والرشوة، وباقي التهم الموجَّهة إليه، حتى يوم 10 أبريل/نيسان 2019، أي اليوم التالي لإجراء الانتخابات، طبقاً لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية.
نتنياهو اشتكى أكثر من مرة أن خصومه السياسيين يستغلون تلك الدعاوى سياسياً، رغم عدم توجيه اتهامات له بعد.
طلب نتنياهو يعكس -طبقاً لمحللين- قلقاً حقيقياً من التأثير السلبي لتلك الادعاءات، على فرصه للفوز في الانتخابات، والاستمرار في منصبه رئيساً للوزراء.
وداعاً لنظرية الأرض مقابل السلام
الكاتب الصحفي المصري سيد جبيل، يرى أن نتنياهو يستخدم ورقة "اتساع رقعة اتصالات إسرائيل مع دول العالم بشكل عام ومع الدول العربية بشكل خاص، كأحد أهم إنجازاته، ويتفاخر بذلك، مستخدماً خريطةً للعالم تَظهر عليها الدولُ التي فَتَحَ معها قنوات اتصال باللون الأزرق".
"نتنياهو لديه فكرة جوهرية يسوقها للرأي العام الإسرائيلي، مفادها أن كل مَن سبقوه كانوا يسعون للسلام مع الدول العربية مقابل تنازلات، أبرزها المعروف إعلامياً بالأرض مقابل السلام.
الفكرة الجديدة أنه (نتنياهو) يقول إنه ليس مضطراً لتقديم تنازلات من أجل الحصول على السلام، لكن العرب سيحصلون على السلام مع إسرائيل القوية، في مقابل علاقات مع دولة قادرة أن تساعدهم في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والاستخبارات والتنمية"، أضاف جبيل لـ "عربي بوست".
"نتنياهو، في إطار إثبات وجهة نظره، يستعرض خريطة يعرض عليها نجاحاته في فتح قنوات اتصال مع دول كانت تقاطع إسرائيل، سواء من أوروبا الشرقية أو إفريقيا أو الدول العربية"
"وبما أننا نتحدث عن الدول العربية بشكل خاص، فهو دائماً ما يتباهى بزيادة عدد الدول العربية الحريصة على أن تتواصل معه علناً أو سراً، ويضعها في ميزان إنجازاته. هو بالطبع لا يسمي الدول التي تتواصل معه سراً، لأنه حريص على تقوية تلك العلاقات، لكنه يمكن أن يسمح للصحف المقربة منه بتسريبات تلمح لوجهة نظره".
"على سبيل المثال، من الدول التي قالت الصحف الإسرائيلية إن مسؤولين منها زاروه سراً العراق، وهذه التسريبات أثارت ضجة كبيرة داخل بغداد، ونفتها الحكومة العراقية، وهو ما يعني أنه ربما يكون نتنياهو يُبالغ في تصوير حجم تلك الاتصالات"، أضاف جبيل.
تطور العلاقات مع دول الخليج
كانت الدول العربية في حالة حرب مع إسرائيل منذ إعلان تأسيسها عام 1948، واستمرت حالة العداء والحروب حتى توقيع معاهدة السلام بين مصر وتل أبيب عام 1979، لتصبح القاهرة أول عاصمة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية، وبعد محادثات أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية أصبح الأردن ثاني الدول العربية بعد مصر في هذا السياق.
وعلى الرغم من أنَّ إسرائيل حافظت على علاقات سرية مع دول الخليج منذ 10 سنوات على الأقل، فإن تلك العلاقات لم يُعلَن عنها، لأنَّ الزعماء العرب يشعرون بالقلق من إثارة غضب مواطنيهم، ما دام النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني قائماً من دون حل.
ولم يُظهر الجيل الأصغر لقادة دول الخليج العربية نفسَ تصميم قادتهم الأكبر سناً، على تجنُّب العلاقات الإسرائيلية-الخليجية، بسبب الصراع الفلسطيني، بل انخرطوا بدلاً من ذلك في تواصل غير رسمي مع تل أبيب.
في السياق ذاته يرى كثير من المحللين أن إشارات نتنياهو المستمرة لنجاح مخططه "السلام مقابل العلاقات" يقصد بها بشكل خاص دول الخليج العربي، التي ترى في إيران العدو الأول لها، وتغيَّرت نظرتها لإسرائيل لتصبح دولة توجد أزمة معها يمكن التفاهم حولها، بينما الهواجس المشتركة وأهمها إيران والجماعات الإرهابية مثل داعش باتت تحتل صدارة المشهد.
كيف يستخدم نتنياهو صفقة القرن انتخابياً؟
فيما يتعلق بصفقة القرن التي يروّج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كاقتراح "ينهي ملف الصراع العربي-الإسرائيلي للأبد"، ورغم عدم وجود ملامح رسمية محددة وواضحة لتلك الصفقة، يمكن النظر في هذا السياق لوجهة نظر نتنياهو على أن تلك الصفقة لن تؤدي لتحقيق المطالب العربية الأساسية، وهي إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
الواضح أن نتنياهو يريد الإيحاء للناخبين بأن الصفقة لا تعني أي تنازلات من الجانب الإسرائيلي، تطبيقاً لنظريته الجديدة "السلام مقابل العلاقات".
وفي هذا السياق، كانت الصحافة الإسرائيلية قد نشرت تقارير سبقت زيارة الوفد الأمريكي (وزير الخارجية بومبيو وجاريد كوشنر) إلى المنطقة، للترويج للصفقة "السرية"، أفادت بأن الفلسطينيين سيحصلون على نحو 85-90 من "أراضي الضفة الغربي بجانب غزة لإقامة دولتهم.
نتنياهو نفى تلك التقارير جملةً وتفصيلاً، وأكد أنه لن يتم إخراج "مستوطن واحد" من بيته، مؤكداً أن القدس الموحَّدة ستظل عاصمة لإسرائيل.
فهل تنجح علاقات نتنياهو مع الدول العربية، التي يتباهى بها، في إنقاذه من تُهم الفساد والرشوة، وينجح في البقاء في منصبه بعد التاسع من أبريل/نيسان؟