الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يعود للبلاد بعد أن أمضى أسبوعين في مستشفى بسويسرا، أكثر من ألف قاضٍ يرفضون الإشراف على الانتخابات إذا شارك بوتفليقة، مدارس وشركات ومتاجر تغلق أبوابها استجابة لدعوات العصيان المدني، تلك بعض من عناوين ساخنة تصدرت الصحف والوكالات خلال الساعات الأخيرة.
فمن أين يستمد الرجل قوته في مواجهة تلك الجماهير الغفيرة الغاضبة، وبالأحرى يمكن القول من أين تستمد تلك المجموعة التي تحيط ببوتفليقة تلك القوة، فالرجل كما تشير العديد من التقارير لا يدرك ما يدور حوله.
الصحفي والكاتب الجزائري كامل داوود أشار في مقال له بصحيفة The Guardian البريطانية إلى محاولات التعتيم على حقيقة الوضع الصحي المتدهور لعبدالعزيز بوتفليقة.
مازال عبدالعزيز بوتفليقة مريضاً وغير قادر على الحركة منذ إصابته بجلطة في 2013.
في خطابه الأخير الذي ألقاه قبل عام من حدوث ذلك، وعد بأن "جيله -من المناضلين ضد الاستعمار- انتهى وطواه الزمن"، وأنه سيسلِّم الشعلة للجيل الجديد. كان الخطاب يهدف للتصالح مع مَن دون سن الثلاثين، الذين يشكلون الفئة العمرية الأكبر في الجزائر، دون تمثيل سياسي في البلاد.
لم يحافظ على وعده
لم يحافظ بوتفليقة على وعده وما زال في السلطة. أصبح الرئيس الآن خفياً، ومريضاً وصامتاً، وقد حلَّت محله لوحةٌ استعرضها أنصاره في جميع أنحاء البلاد وعانقوها أمام الكاميرات. لكن ذلك لم يمنعه هو ورجاله -شقيقه وقائد القوات المسلحة، وحفنة من رجال الأعمال المخلصين، والوزراء من منطقته- من أن يضعوا نصب أعينهم ولاية خامسة سريالية.
منذ أسابيع يخرج الجزائريون حتى الآن في المدن عبر أنحاء البلاد للتعبير عن غضبهم من هذا السيناريو، لكن فريق بوتفليقة يقاوم جميع الدعوات للتنحي، فمن أين تأتي "قوته"؟ وما هي الأسباب التي تجعله ضعيفاً في النهاية؟
أسباب الغطرسة
يقول داوود هناك عدة أسباب لغطرسة النظام. الأول هو النفط والغاز والعائدات التي يجلبونها. حتى لو انخفضت الأسعار، فإن الإعانات الاجتماعية لن تتأثر على الإطلاق. إن الجزائريين الذين يتغذون ويسكنون ويتمتعون بالحماية لا يمكن إلا أن -هكذا يدَّعون- يصوِّتوا لبوتفليقة، حتى في غيابه.
ثانياً: لا يزال النظام يسيطر على أجزاء كبيرة من المجال العام الجزائري، من الشرطة إلى النقابات ووسائل الإعلام. إنه نظامٌ اتجه في السنوات الأخيرة لقمع المعارضين والحزبيين القدامى وقبل كل شيء المدونين الشبان ومستخدمي الإنترنت.
السبب الثالث: -وهذا ما يجعل حقاً العاجز الكبير في الجزائر يعتقد أنه يستطيع أن يعيش إلى الأبد- هو سيطرة النظام على الجيش. (منذ أن تولى السلطة، قام بوتفليقة بنوع من الابتزاز الرقيق للضباط الكبار اليوم، من خلال ملفات الحرب الأهلية الدموية في الجزائر، مع "المختفين فيها" والمعذبين).
السبب الأخير نابع من صدمة الحرب: عقد من المذابح والقمع والهجمات، من 1990 إلى 2000، ترك أثراً عميقاً على الجزائريين. استعيدت ذكرى تلك الفوضى مع انتفاضات الربيع العربي، ومرة أخرى في الشهر الماضي، فبراير/شباط، قبل المظاهرات الكبيرة، كان لدى جميع رفاق بوتفليقة نفس الحجة: إذا انتفض الجزائريون، فسنتحوَّل إلى سوريا أو ليبيا أخرى.
هل ينهار رجال بوتفليقة؟
بحسب داوود يراهن النظام على أن معظم أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع سيخضعون في نهاية المطاف للخوف والإرهاق. وإذا لم تنجح الحجة الأمنية، فإن العشيرة الحاكمة تعتمد على أخرى وهي غياب البديل، فلا تزال مجموعة من الشعارات، تعبر بشكل غير متبلور عن الغضب بدون بدائل، ويعتقد النظام أن المعارضة على الرغم من شرعيتها لا يمكن تمثيلها، لذا فهي تلعب على الوقت، فقد ينتهي الوضع بقبول رحيل بوتفليقة، ولكن ليس انهيار النظام بأكمله.
من جانبهم، لا يريد المتظاهرون إلغاء العهدة الخامسة لبوتفليقة فحسب، بل تغييراً شاملاً؛ جمهورية ثانية. فالشعارات واضحة: "جبهة التحرير الوطني، ارحلوا"، و"رحيل النظام!"، و"أعيدوا لنا بلدنا!" فالنظام ما زال موجوداً، ليس لأنه قوي، لكن لأن المعارضة ليست ملموسة بعد.
هل يمكن أن ينهار نظام بوتفليقة؟
ويشير مقال الغارديان إلى أن إمكانية انهيار النظام متوقعة وبسرعة كبيرة. لكن يتطلَّب ذلك ظهور وسطاء لتأمين مغادرة رجال النظام وأسرهم ورؤوس أموالهم.
لقد كان النظام يرتكب زلات متكررة، ويبدو أنه تبنى في النهاية استراتيجية الصمت التام: لا تصريحات ولا استفزازات للمتظاهرين ولا قمع. بينما يصر المتظاهرون على أن احتجاجاتهم ستبقى سلمية، فإن النظام يدرك أن هناك إمكانيةً للعصيان إذا أُطلِقَت النار على أقدام الناس، كما فعل الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 1988، عندما خرج الشعب الجزائري إلى الشوارع للمطالبة بالديمقراطية. تسبب هذا القمع في مئات الوفيات، وتبعته حرب أهلية فظيعة. اليوم لن يطيع الجيش، هذا ما يعتقده الجميع.
صحة بوتفليقة هي سببٌ آخر يجعل النظام يواجه خطر الانهيار السريع. من رجل خفي، عاجز، تحت وصاية عائلية، أصبح لدينا الآن رجل أكثر مرضاً وإن حاول النظام التعتيم على ذلك.
لم يعش هذا الجيل حرب الاستقلال ولا الحرب الأهلية، بل حرية وسائل الإعلام الاجتماعية فقط. واليوم خرجت هذه الحرية من الشاشات إلى الشارع. كان الإنترنت هو المانح العظيم لحرية التعبير في الجزائر، وقد أدرك النظام ذلك بعد فوات الأوان. وقد حاول إعاقتها خلال الأيام الأولى من الاحتجاجات، لكن ذلك كان عديم الفائدة. وجد الجزائريون -المتصلون بالإنترنت- أنهم لا يملكون صفحة فيسبوك فقط بل بلداً.
المستقبل؟ سيتقرَّر هذا الأسبوع. الوضع الحالي لا يمكن احتماله من كلا الجانبين. لذلك، فإنه من الجدير متابعة هذا الربيع الجديد.