يعيش قادة الحشد الشعبي في العراق حالة إنكار لواقع أن الإنجازات العسكرية التي تحققت طيلة سنوات الحرب على تنظيم داعش كانت بإسناد مكثف من طيران التحالف الدولي، وهو عامل الحسم الأول الذي من دونه ستكون عمليات استعادة المدن صعبة للغاية، أو غير ممكنة.
وتركز الاستراتيجيات الأمريكية انطلاقاً من وجود جنودها في العراق على استمرار الحرب على بقايا تنظيم داعش ومنع عودته ثانية، ودعم قوات سوريا الديمقراطية، إلى جانب "مراقبة" النشاطات الإيرانية ونشاطات القوات الحليفة لها في العراق، خاصة ما يتعلق بالممر البري بين إيران وساحل البحر الأبيض المتوسط.
مراقبة إيران والحشد الشعبي
يمكن لمهمة القوات الأمريكية في تنفيذ استراتيجية البقاء التي رسمها الرئيس الأمريكي "لمراقبة إيران" أن تؤدي أدواراً واضحة في التصدي للنشاطات الإيرانية التي تتخذ من الأراضي العراقية ممرات وصول إلى القوات الحليفة لها في سوريا ولبنان.
إلا أنه في ذات الوقت سيكون على القوات الأمريكية مراقبة نشاطات فصائل الحشد الشعبي الحليفة لإيران باعتبارها أحد أهم أذرع توسع النفوذ الإيراني الذي تعمل الولايات المتحدة ضمن دائرة أوسع تضم دولاً عربية على التصدي له في عموم المنطقة.
لم تطلب الولايات المتحدة "إذناً" من العراق لتقوم قواتها الموجودة على الأراضي العراقية بمراقبة إيران، وفقاً لتصريحات أدلى بها الرئيس العراقي، برهم صالح، الإثنين 4 شباط/فبراير، في رده على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالبقاء في العراق "لمراقبة إيران".
تأكيدات الرئيس الأمريكي على بقاء جنوده في العراق "لمراقبة إيران" أثارت ردود فعل واسعة رسمية رأت فيها انتهاكاً للسيادة العراقية، وتيارات سياسية شيعية ترفض بقاء الأمريكيين، كما لا تخفي نيتها في استهداف القوات الأمريكية وإرغامها على الخروج بالقوة أو عن طريق تشريعات يقرها مجلس النواب.
تخطط عدة كتل سياسية شيعية، منها ممثلة لفصائل الحشد الشعبي، لانتزاع قرار من مجلس النواب العراقي للدفع باتجاه مغادرة القوات الأمريكية أو على الأقل معرفة أماكن انتشارها وعديدها ومهماتها، والحد من نشاطاتها خارج ما اتفق عليه مع الحكومة العراقية بتدريب القوات الأمنية والشراكة في الحرب على تنظيم داعش.
ومن المتوقع في حال تصويت أعضاء مجلس النواب على قرار يطالب الولايات المتحدة بسحب قواتها، فان قراراً كهذا سيحظى بالأغلبية نظراً لأن الأعضاء الشيعة هم الأكثرية، كما أن كتلاً سنية متحالفة في ائتلافات يقودها شيعة هم قيادات في الحشد الشعبي، مثل ائتلاف البناء برئاسة هادي العامري الذي يضم جزءاً من تحالف المحور الوطني (سني) وأعضاء سنة مستقلين أيضاً.
غياب المركزية في القرار
كما أن ائتلاف الإصلاح الذي يرأسه مقتدى الصدر هو من بين أكثر الكتل السياسية التي تطالب بإخراج القوات الأمريكية عبر وسائل دبلوماسية.
وقلّة من الأعضاء أو الكتل السياسية الشيعية ترى ضرورة لبقاء القوات الأمريكية في المرحلة الراهنة، تيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم، وهو ذات موقف الحكومة المركزية التي يرأسها عادل عبدالمهدي.
إلا أن القرار العراقي يفتقر إلى المركزية نظراً لتعدد مراكز القرار، والنفوذ الواسع لقيادات الحشد الشعبي، خاصة المقربة من إيران، والتي ترفض بقاء أي قوات أجنبية تنتهك سيادة العراق، في ذات الوقت ترفض بشكل قاطع اتخاذ الأراضي العراقية منطلقاً لاستهداف دول أخرى، إيران تحديداً.
يمكن أن يؤدي سحب القوات الأمريكية من العراق إلى عودة تنظيم داعش لاستئناف هجماته على المدن الكبرى وتعزيز قدراته القتالية في شن هجمات على معسكرات ومقرات القوات الأمنية والحشد الشعبي بشكل أوسع وبأعداد وآليات أكثر، يتجنب التنظيم الزج بها في المرحلة الراهنة خشية استهدافها من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
من شأن ذلك أن يخلق حالة من عدم الاستقرار الأمني يمكن أن تشكل تهديداً لوحدة الأراضي العراقية.
القواعد الأمريكية في العراق
وتمارس القوات الأمريكية نشاطاتها متعددة الجوانب من ثماني قواعد غرب وشمال غربي العراق، وفي إقليم كردستان أيضاً، وفقاً لتقارير أشارت إلى أن عديد القوات الأمريكية يتعدى 5 آلاف مقاتل بقليل.
اعتمدت القوات الأمنية على فصائل الحشد الشعبي بشكل أساسي كقوات برية "رديفة" في بعض الأحيان، لكنها في الواقع كانت القوة الأساسية في الدفاع عن المدن المستعادة من تنظيم داعش أو الهجوم على المدن لاستعادتها من التنظيم، وفي الغالب كانت كل من القوات الأمنية والحشد الشعبي لا تحسمان معظم معاركهما إلا بإسناد جوي من طيران التحالف الدولي.
ومع انتهاء الخطر المفترض لتنظيم داعش بعد خسارته جميع مناطق سيطرته، فإن قيادات في الحشد الشعبي ترى أن مسوغات وجود القوات الأمريكية في العراق لم تعد موجودة بعد هزيمة التنظيم عسكرياً.
طوال فترة الحرب على تنظيم داعش حدثت عدة احتكاكات بين بعض فصائل الحشد الشعبي والقوات الأمريكية، أو حوادث قصف لمقراتها في مناطق عدة تؤكد الولايات المتحدة على أنها بالخطأ.
في الحقيقة، فإن الولايات المتحدة لا يمكنها مواجهة فصائل الحشد الشعبي والدخول معها في معركة مفتوحة، إلا أنها، أي الولايات المتحدة، يمكن لها أن تقاتل الحشد الشعبي بالاعتماد على قوات محلية حليفة من العرب السنة، خاصة الذين قامت بتدريبهم طيلة سنوات الحرب على تنظيم داعش؛ ولا تبدو مؤشرات على استعداد قوات البيشمركة، وهي قوات حليفة لها، القتال بالإنابة عن الولايات المتحدة التي "تخلت" عنها عندما هاجمت القوات الأمنية وفصائل الحشد الشعبي مدينة كركوك ومناطق متنازع عليها كانت تحت سيطرة البيشمركة.
قد لا تجد الولايات المتحدة قوات حليفة لها على الأرض بعد انسحابها من العراق لتأمين مصالحها السياسية والاقتصادية.
ولا تفكر الولايات المتحدة في استدراج الحشد الشعبي إلى مواجهات مفتوحة مع قواتها الموجودة في العراق، إلا أنها تسعى من خلال إعادة نشر قواتها إلى طمأنة بعض حلفائها وحثهم على القتال إلى جانبها والدفاع عن مصالحها مع أي مستجدات يمكن أن تحدث جراء استفزازات فصائل الحشد الشعبي أو رفض أمريكي متوقع لأي قرار يصدره مجلس النواب بمغادرة العراق، ما قد يؤدي إلى رد فعل من فصائل الحشد الشعبي.