اتَّخذت مصر وروسيا، منذ وقت قريب، خطوةً مهمةً نحو تشييد المنطقة الصناعية الروسية في شرق بورسعيد، في المنطقة الاقتصادية بقناة السويس الجديدة، شرق العاصمة القاهرة.
وقال مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس ورئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، في 21 فبراير/شباط، إنَّ أعمال تشييد المنطقة الصناعية الروسية سوف يجري إطلاقها قريباً. وقال مميش لوكالة TASS الروسية للأنباء إنَّ عملية التشييد سوف "يجري إطلاقها بنهاية عام 2020 أو بداية عام 2021″، بحسب تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
وبحسب وكالة TASS، فقد عبَّرت أكثر من 50 شركة روسية عن رغبتها في أن تكون جزءاً من هذه المنطقة الصناعية.
وقال مميش، في مؤتمر صحفي في 23 فبراير/شباط، إنَّ اتفاقية قد وقعت بين هيئة قناة السويس والشركة الروسية الرائدة في بناء الرافعات CJSC SMM، في روسيا، بتاريخ 22 فبراير/شباط، لإنشاء مصنع رافعات في المنطقة الصناعية الروسية. وسوف يزور وفد من هذه الشركة المنطقة في وقت ما من شهر مارس/آذار الجاري، لمناقشة آليات إنشاء هذا المصنع.
وفي تصريح آخر في 19 فبراير/شباط، قال مميش أيضاً إنَّه قد جرى التوصل إلى اتفاقية مع الحكومة الروسية لإنشاء شركة لتشغيل وإدارة المنطقة الصناعية الروسية، مضيفاً أنَّ مصر وافقت أيضاً على الطلب الروسي لإعداد الأرض اللازمة لإطلاق هذا المشروع.
استثمارات بـ7 مليارات دولار
ومنذ شهر فبراير/شباط 2015، والحكومتان تتفاوضان لجذب استثمارات تقدر بنحو 7 مليارات دولار إلى المنطقة الصناعية الروسية.
وفي 10 فبراير/شباط 2015، التقى الرئيس عبدالفتاح السيسي بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في القاهرة، حيث ناقشا عدداً من الموضوعات الثنائية، بما في ذلك إنشاء منطقة صناعية روسية. ويهدف المشروع إلى تعزيز التجارة والاستثمارات بين البلدين، فضلاً عن توفير بيئة مواتية للشركات الروسية في مجالات مثل البنية التحتية والخدمات.
وسوف تغطّي هذه المجموعة الصناعية متعددة الأغراض مساحة 5.25 مليون متر مربع (1297 فداناً)، على أساس حق الانتفاع. وسوف تبنى المنطقة على ثلاث مراحل، من المقرر أن تكتمل بحلول عام 2031، وتوفر 35 ألف فرصة عمل للسكان المحليين.
وسوف ينفذ المرحلة الأولى المقررة للعام الجاري، مطور روسي سيعمل أيضاً على جذب المستثمرين والشركات الروسية.
وفي مايو/أيار 2018، وقَّع وزير التجارة والصناعة السابق، طارق قابيل، ونظيره الروسي، دينيس مانتوروف، اتفاقيةً مدتها 50 عاماً لإنشاء المنطقة الصناعية، وسوف يتجدد هذا الاتفاق تلقائياً لمدة خمس سنوات إذا وافق الطرفان.
وكان السيسي قد أطلق مشروعاً آخر عام 2015، وهو مشروع قناة السويس الجديدة، الكائنة بموازاة قناة السويس التي تبلغ من العمر 150 عاماً، لربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر. وتتوقع الدولة المصرية أنَّ هذا الممر المائي الصناعي، الممتد من ميناء بورسعيد إلى خليج السويس، سيُدرّ 12.3 مليار دولار من العائدات سنوياً، بحلول عام 2023. وبالإضافة إلى المنطقة الروسية، فمن المخطط أن تستضيف القناة مناطق صناعية لدول أخرى، بما في ذلك الصين وإيطاليا، بحسب موقع Al-Monitor.
روسيا ستستفيد من الموقع الجغرافي لمصر
وقال السفير المصري لدى روسيا، إيهاب نصر، في 26 فبراير/شباط، إنَّ إنشاء مثل هذه المنطقة الصناعية يعد فرصة لتعزيز العلاقات الروسية- المصرية في جميع المجالات، لا سيما في التجارة والاقتصاد. وأضاف أنَّ هذه المنطقة سوف تساعد روسيا، ليس على الاستثمار في مصر فحسب، لاسيما بالنسبة لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، ولكن أيضاً على التعمق أكثر في الأسواق الإفريقية والعربية والأوروبية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مقابلة مع صحيفة الأهرام الحكومية، إنَّ التجارة بين البلدين تجاوزت 8.6 مليار دولار.
وهناك مشروعان رئيسيان بين البلدين، أحدهما المنطقة الصناعية، والآخر محطة الضبعة للطاقة النووية، وهي الأولى من نوعها في مصر، وسوف تغطي روسيا تكلفة بنائها البالغة 21 مليار دولار.
وقال رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، وأستاذ الاقتصااد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، لموقع Al-Monitor، إنَّ كلا البلدين سوف يستفيدان من هذا المشروع الضخم.
وقال عبده: "سوف يوفر قدوم عدد كبير من الشركات الروسية إلى هنا الآلاف من فرص العمل لشباب البلاد. وسوف تبنى مدن جديدة لأولئك العمال الذين سوف يأتون من أجزاء مختلفة من البلاد للعمل في المنطقة. وسوف يساعد ذلك على إعادة توزيع الخارطة الديمغرافية للبلاد".
وأضاف عبده أنَّه سيكون هناك نظام ضريبي ودي للشركات الروسية المقيمة. وقال: "سوف تكون ضريبة المبيعات صفراً"، في إشارة إلى أنَّ هذه المنطقة ستكون فرصة عظيمة لروسيا للتعمق في الأسواق الإفريقية والأوروبية.
وأشاد أستاذ الاقتصاد باستراتيجية الدولة الحالية لتحسين البنية التحتية، بما في ذلك الكهرباء والغاز والطرق. مشيراً إلى أنَّ مصر قد شهدت في السنوات الأخيرة الكثيرَ من الاكتشافات بما في ذلك حقل ظهر، أكبر حقل غاز في البحر المتوسط، الذي أعاد المستثمرين الأجانب الذين كانوا قد تراجعوا بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ما أدى إلى تزايد مدفوعات الديون.
وقال: "وكذا، فإنَّ المصانع في المنطقة لن تعاني من نقص الكهرباء أو الغاز، مثلما حدث في السنوات التي تلت ثورة 25 يناير/كانون الثاني. في ذلك الوقت أغلق عدد من المصانع بسبب نقص الكهرباء والغاز، وهو ما أعاق تصدير منتجاتهم وتحقيق أهدافهم"، مضيفاً: "إنَّ مصر تسير على الطريق الصحيح".
الاقتصاد المصري سيتجاوز اليابان وروسيا
وفي 10 يناير/كانون الثاني، توقعت شركة الخدمات المصرفية والمالية متعددة الجنسيات، ستاندرد تشارترد، أنَّ الاقتصاد المصري سوف يتجاوز الاقتصاد الروسي والياباني والألماني بحلول عام 2030. وتستند هذه النتائج إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، الذي من المتوقع أن يصل إلى 8.2 تريليون دولار، مقارنة بروسيا واليابان، اللتين وقف ناتجهما المحلي الإجمالي عند 7.9 تريليون دولار، و7.2 تريليون دولار، على التوالي.
وأكدت يمن الحماقي، أستاذة الاقتصاد بكلية التجارة بجامعة عين شمس، أهمية زيادة الاستثمارات الأجنبية في مصر. إذ قالت لموقع Al-Monitor: "إنَّ زيادة دور الاستثمارات المشتركة في مصر في هذا الوقت مهم للغاية، لأنّ الدولة حريصة على زيادة الاستثمارات وتوفير فرص العمل وتعزيز التصدير والإنتاج، فضلاً عن إنتاج منتجات تحل محل الواردات".
وقالت يمن إنَّ من بين المصانع التي ستشيد في هذه المنطقة مصانع لتصنيع الآلات الزراعية، مضيفة: "هذه الآلات مطلوبة في السوق المصرية، في ضوء مشروع المليون ونصف فدان، الجاري تنفيذه في الكثير من أجزاء البلاد لتحسين الإنتاج الزراعي. لذا فإنَّ تصنيع الماكينات هنا بدلاً من استيرادها سوف يكون أمراً عظيماً".
ويهدف مشروع المليون ونصف فدان، الذي أطلقه السيسي عام 2015، إلى توسيع الرقعة الزراعية المصرية بنسبة 20%، من 8 ملايين فدان إلى 9.5 مليون فدان. ويساعد أيضاً على خلق فرص استثمارية في مختلف المجالات الزراعية.
وأشارت يمن إلى أنَّ مصر تبحث مع روسيا بخصوص إنشاء منطقة تجارة حرة مع دول من الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي. وقالت: "عندما تتحقق هذه المنطقة، فسوف توفر فرصاً إضافية لتوسيع التعاون الاقتصادي بين الدول المشاركة".