تعهَّد الرئيس الجزائري المنتهية ولايته عبدالعزيز بوتفليقة، منذ أيام، في رسالة للجزائريين، بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة دون الترشح فيها حال فوزه بسباق الرئاسة، ولكن، لم تتوقف التظاهرات الشعبية في البلاد، ودعوات المعارضة برحيل الرئيس الذي ما زال يرقد على سرير العلاج في مدينة جنيف السويسرية حتى اللحظة.
إذ يعتبر محللون أن تلك الرسالة التي تعتبر الأولى لبوتفليقة منذ بدأت الاحتجاجات عبارة محاولة لاسترضاء للشعب وامتصاص لنقمته وغضبه، فيما اعتبر آخرون أن بوتفليقة يعتزم البقاء في السلطة، ولن يَصدق في كلامه، وإن كان سيخرج من الحكم، فسيكون ذلك بشروطه الخاصة.
حول ذلك، يقول المحلل السياسي الجزائري عبدالعالي رزاقي لـ "عربي بوست"، إن وعود بوتفليقة هذه ليست بجديدة، وهي محاولة متأخرة لتهدئة الشعب الغاضب، الذي بات يخرج كل يوم بقطاعاته المختلفة للتظاهر في مختلف المدن، رفضاً لحكم بوتفليقة.
شراء الوقت وتحضير البديل
وفي إجابة عن سؤال حول إذا ما كان الرئيس المنتهية ولايته جاداً في تسليم السلطة وإجراء انتخابات مبكرة، قال زراقي إن رجالات النظام الملتفين حول بوتفليقة ربما يريدون تحضير بديل له من خلال شراء الوقت، بعد أن يكون الشارع قد هدأ تماماً ليتسنَّى لهم وضع ترتيب خاص بهم، دون تغيير للسياسات التي تدير البلاد منذ عقود.
وكان بوتفليقة في رسالة منسوبة إليه، نقلها مدير حملته، عرض التنحِّي بعد عام واحد في حال انتخابه، وقال: "لقد نمَت إلى مسامعي، وكلي اهتمام، آهات المتظاهرين، ولاسيما تلك النابعة عن آلاف الشباب الذين خاطبوني في شأن مصير وطننا"، مكرراً تعهداً سابقاً بإجراء استفتاء على تعديل الدستور أيضاً.
لكن بحسب توقعات رزاقي، فإنه لن تُجرى انتخابات رئاسية في موعدها المقرر في الأول من أبريل/نيسان القادم، وأنه سيتم تأجيلها وستدخل البلاد في مرحلة انتقالية مفتوحة على كل الاحتمالات، لكنه شدد على أن مرحلة بوتفليقة قد انتهت تماماً ولن يكون هناك عودة لها.
ودعت أحزاب من المعارضة الجزائرية وشخصيات وطنية، مساء الإثنين 4 مارس/آذار 2019، إلى إعلان حالة شغور منصب رئيس الجمهورية وتأجيل الانتخابات.
في السياق، يرى علي بن فليس رئيس وزراء الجزائر السابق ورئيس حزب طلائع الحريات المعارض أن بوتفليقة لم يكتب الرسالة الأخيرة التي تلاها مدير حملته الانتخابية عبدالغني زعلان.
علي بن فليس في حوار خاص لعربي بوست
"ترشح بوتفليقة للرئاسة مهزلة ستشعل الجزائر، ولا أعلم من كتب خطابه الأخير للشعب!"حصري| علي بن فليس في حوار خاص لعربي بوست، عن العهدة الخامسة وجزائر ما بعد بوتفليقة … كيف ترون مصير الانتخابات القادمة؟
Gepostet von عربي بوست am Dienstag, 5. März 2019
وقال بن فليس في حوار مع "عربي بوست" إن الرئيس ليس هو مَن كتب الرسالة لأسباب الكل يعرفها، ويجب التحقيق فيمن كتب هذه الرسالة، معتبراً أن هذه الرسالة تعود لقوى غير دستورية.
ورأى بن فليس أن هذه القوى قد استولت على القرار والحكم في الجزائر وباتت هي الحاكم الحقيقي للبلاد مؤخراً.
حالة من التخبُّط والخوف في جناح الرئيس المريض
يتفق مع ذلك المحلل السياسي الجزائري، محمد باشوش، إذ يقول لـ "عربي بوست"، إن الوعود المنسوبة لبوتفليقة تُظهر حالة التخبط والخوف من المتظاهرين، لدى جناح الرئيس المنتهية ولايته؛ لأنها تضمنت تنازلات وتعهّداً ببقاء بوتفليقة لسنة واحدة فقط، ومثل هكذا طرح ما كان ليصدر عن بوتفليقة لو كان قادراً على التعاطي مع الوضع بالشكل المطلوب.
ويضيف: "جناح بوتفليقة لن يتنازل عن الحكم إلا تحت ضغط الشعب؛ لأن بوتفليقة هو مَن عدّل الدستور وفتح عدد ولايات الرئيس سنة 2008 حتى يتسنى له البقاء في السلطة. وعليه لا يمكن المراهنة على صدق نوايا جناح الرئيس ما دامت الشواهد العملية على تمسكهم بالسلطة كثيرة، طوال العقدين الماضيين".
ويرى باشوش أن الهدف من كل ما ورد في الرسالة المنسوبة لبوتفليقة هو محاولة لربح الوقت، حتى يتسنى للملتفين حول بوتفليقة الاتفاق على شخصية أخرى يكون ولاؤها لحاشية الرئيس. ولا يمكن توقع تنازلهم عن الحكم في غضون سنة بعد الانتخابات، كما قال.
في السياق، ذكرت صحيفة الخبر الجزائرية، الإثنين 4 مارس/آذار، أن أحزاب المعارضة اعتبرت رسالة بوتفليقة "مجرد مناورات لإجهاض الحراك الشعبي والالتفاف على أهدافه وتضحياته، ومحاولة تمديد عُمر هذا النظام".
ودعا المجتمعون، المترشحين إلى الانسحاب من السباق الرئاسي الذي وصفوه بـ "الاستحقاق المغلق"، مرحبين بقرارات باقي المرشحين رفض ترشحهم. داعين في بيان صحفي، إلى "تفعيل المادة 102 من الدستور الناصة على حالة الشغور وتأجيل الانتخابات".
ما هي سيناريوهات المشهد المحتملة؟ وكيف يُقرأ موقف الجيش؟
يقول باشوش لـ "عربي بوست"، إن الحراك الشعبي الجزائري سيستمر تصاعدياً؛ لأن حالة الغضب باتت تتزايد كل يوم، وعموم الشعب يشعر باستفزاز كبير، وسببه تحدّي سلطة بوتفليقة للناس وترشيح الرئيس المنتهية ولايته لعهدة خامسة، بحسب تعبيره.
ولكن بحسب باشوش، فإن آفاق تغيُّر المشهد في البلاد مرهونة بموقف مؤسسة الجيش من الحالة السياسية، فهل ستضغط قيادة الجيش برئاسة الجنرال قايد صالح على جناح بوتفليقة للانسحاب من الحكم، وبالتالي تأجيل الانتخابات، وبعد ذلك النظر في ترتيبات جديدة؟ أم أنها ستدعم بوتفليقة كما فعلت من قبل؟ يطرح باشوش الاحتمالات.
لكنه استدرك ذلك بالقول، إن "سيناريو دعم الجيش لجناح بوتفليقة سيؤجج الوضع في البلاد، وسيدفع لوقوع صدام بين الجزائريين الرافضين تماماً لجناح بوتفليقة، وبين أجهزة الأمن، وهو ما لا يريده المتظاهرون الذين يؤكدون سلمية حراكهم ويرفضون أي محاولة لتشويه صورة حراكهم".
وكان رئيس أركان الجيش الجزائري قايد صالح قد قال في بيان متلفز، الثلاثاء، إن "الجيش سيبقى ماسكاً بزمام مقاليد إرساء مكسب الأمن الغالي وسيضمنه، وإن هناك مَن يريد أن تعود الجزائر إلى سنوات الألم والجمر".
الفريق قايد صالح يحذر من مؤامرات تستهدف أمن واستقرار الجزائر
الفريق قايد صالح يحذر من مؤامرات تستهدف أمن واستقرار الجزائر#دزاير_نيوز #دزاير_تي_في
Gepostet von Dzaïr TV am Dienstag, 5. März 2019
وفي قراءة لتصريحات الجنرال صالح، يقول رزاقي، إنه من الطبيعي أن يخرج الجيش بهذه التصريحات الآن، وإن اللهجة الشديدة في الخطاب ربما تكون موجَّهة لأطراف خارجية تراقب عن كثب ما يحصل في البلاد، وتريد التدخل في شؤون الجزائريين أو لعب دور في المشهد، بحسب تعبيره.
وكانت الخارجية الفرنسية قد علّقت، الثلاثاء، على الأزمة الجزائرية بالقول، إن "القرار بيد الشعب الجزائري فيمن سيختار زعيماً له، والقرار أيضاً بيده فيما يتعلق بمستقبله". وأضافت باريس أنها على علم بأن بوتفليقة سيرشح نفسه مجدداً، متمنية أن يجري التصويت على الرئاسيات في أفضل ظروف ممكنة.
فيما علقت الولايات المتحدة الأمريكية على الاحتجاجات، الأربعاء، بالقول إنها تراقب هذه التظاهرات وستواصل فعل ذلك، مؤكدة أن البيت الأبيض "يدعم الشعب الجزائري وحقه في التظاهر السلمي".
الجيش لن يتدخل إلا في هذه الحالة
وفي سؤال عن احتمالية تدخُّل الجيش بتغيير المشهد، يرى رزاقي أنه من المستبعد أن يتحرك الجيش ضد التظاهرات الرافضة لسلطة بوتفليقة، طالما أن هذه التحركات الشعبية تحافظ على سلميتها، وهو كذلك حتى اللحظة، مضيفاً أن التظاهرات لن تذهب للعنف ومطالبها واضحة تماماً.
في حين، أكد جنرال جزائري متقاعد لـ "رويترز"، الأربعاء، رفض الكشف عن هويته أن "الجيش لن يتدخل بتغيير المشهد في الوقت الحالي؛ لأن النخبة الحاكمة هي المنوط بها القضاء على الفوضى، وهذا ليس شأن الجيش"، بحسب تعبيره، مضيفاً: "لكنه لن يقبل تكرار سيناريو التسعينيات".
وكان بوتفليقة وحلفاؤه قد أقالوا العشرات من القادة العسكريين العام الماضي، وذلك لإبعاد أي مناوئين محتملين عن الجيش، وسبق أن اتخذوا إجراءات مماثلة في أجهزة الأمن، بحسب رويترز.
التظاهرات تدخل مرحلة جديدة.. هذه أبرز ملامحها
إلى ذلك، يرى محللون أن الاحتجاجات الشعبية دخلت مرحلة جديدة، فبعد أن كانت عفوية وعشوائية وغير منظمة، باتت التظاهرات الآن أكثر انتظاماً، وبعد أن دخلت قطاعات جديدة في البلاد إليها، أصبحت أكثر قوة وصلابة، خصوصاً الجامعات وكليات الدراسات العليا، وأساتذة الجامعات والقضاة والمحامين.
وتجددت مظاهرات لطلبة الجامعات بعدة مدن جزائرية، الثلاثاء، رافعين شعارات أبرزها "لا دراسة ولا تدريس حتى يرحل الرئيس".
وخرج نحو 5 آلاف من طلبة "جامعة الجزائر 1" إلى ساحة البريد المركزي رافعين شعارات رافضة لولاية بوتفليقة الخامسة. وانضم مواطنون للمسيرة التي وصلت لاحقاً إلى ساحة موريس أودان، بحسب وكالة الأناضول.
🔴#بث_مباشرطلاب جامعة الجزائر 1 يتظاهرون ضد العهدة الخامسة لبوتفليقة
Gepostet von بالعربي DMA Algérie am Dienstag, 26. Februar 2019
أيضاً شهدت "جامعة الجزائر 2 للغات والعلوم الإنسانية" في منطقة بوزبعة بالعاصمة، مسيرة داخل الحرم بمشاركة مئات الطلاب، حسب شهود عيان.
في حين، جرى تسجيل مسيرات ضد الولاية الخامسة لبوتفليقة، الأربعاء، في جامعتي بجاية وتيزي وزو، شرقي العاصمة، شارك فيها آلاف الطلبة، بحسب فيديوهات نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي.
وبحسب رويترز، فقد أظهرت استمرارية التظاهرات، تصدُّعات في أوساط النخبة الحاكمة التي تعتبر منيعة على أي تغيير منذ فترة طويلة.
🔴 احتجاج طلبة جامعة الجزائر 2 #بن_عكنون ضد ترشح عبد العزيز بوتفليقة ل #عهدة_الخامسة
Gepostet von Casbah Tribune am Sonntag, 3. März 2019
وانضم بعض المسؤولين من حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم إلى عشرات الآلاف من الأشخاص الذين خرجوا يوم الجمعة لمطالبة بوتفليقة، الممسك بزمام السلطة منذ 20 عاماً، بالتنحي هو ودائرته المقربة، بحسب الوكالة نفسها.
في حين أعلنت عدة شخصيات عامة استقالاتها، إذ كتب الوزير السابق سيدي أحمد فروخي على فيسبوك لدى إعلان استقالته من الحزب الحاكم والبرلمان "مهمتنا في هذا البلد هو أن نستمع.. أن نستمع وأن نتشرب الحكمة كي نواكب هذه الحركة الاجتماعية المهمة من أجل مستقبل بلدنا".
وشهد منتدى رؤساء المؤسسات، وهو رابطة أعمال يدعم زعماؤها بوتفليقة منذ فترة طويلة، استقالات تعاطفاً مع المحتجين، ومن بينهم نائب رئيس المنتدى العيد بن عمر.
إلى ذلك، تمكن الرئيس الذي يبلغ من العمر 82 عاماً والذي يتولى المنصب منذ 1999، من البقاء في السلطة خلال احتجاجات الربيع العربي التي أطاحت بزعماء عرب بعضهم من جيرانه، كتونس وليبيا ومصر، لكن بوتفليقة، وبما لديه من احتياطات كبيرة من النقد الأجنبي، تمكن آنذاك من زيادة الإنفاق الحكومي واسترضاء المواطنين بالدعم السخيّ.
إلا أن المحتجين الشبان اليوم، لا يخفون حالة الإحباط التي أصابتهم من مراوحة حالهم في مكانه، فتجد حالة من الغضب على منصات التواصل الاجتماعي لحالة الشباب الذي بات يهرب من الحالة الاقتصادية المتردية نحو البحر إلى أوروبا، أملاً في إيجاد مستقبل أفضل.
ولأن الشباب باتوا يشعرون بأن البلاد حالها لم يعد يحتمل، في ظل إمساك "زمرة" من الرجال بزمامها لأكثر من عقدين، بقيادة رجل مقعد، فقد نفد صبرهم في ظل ما يعانونه من نقص الوظائف وتهميش كبيرين، وهم الآن يتوقون للتغيير وفتح آفاق جديدة أمامهم، بعد أن عانت بلادهم في تسعينيات القرن الماضي من ويلات حرب أهلية استمرت 10 سنوات، وحصدت معها آلاف الأرواح.