ليس المكسكيون وحدهم من يرفضون الجدار، فمئات العائلات الأمريكية تدفع الثمن، لكن لماذا يُصر ترامب عليه؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/05 الساعة 17:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 17:09 بتوقيت غرينتش

كشفت صحيفة Independent البريطانية عن الأسباب الحقيقية وراء مقاومة مالكي الأراضي في ولاية تكساس الأمريكية، بناءَ الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك، بأن الهدف هو نزع الأراضي من الأمريكيين دون حاجة مُلحة للجدار بسبب وعود ترامب لهم قبل الانتخابات.

والتقت الصحيفة البريطانية مع عدد من مالكي الأراضي، الذين عبَّروا عن استغرابهم لما ينوي فعله الرئيس ترامب تجاه أراضيهم.

وقالت الصحيفة البريطانية إنه على مدى خمسة أجيال عاشت أسرة سيدة أمريكية اسمها إيفيت غيتان على قطعة أرض صحراوية متاخمة للحدود الأمريكية- المكسيكية، حيث يريد دونالد ترامب الآن بناء جداره الحدودي.

الأمر لا يحتاج إلى طوارئ

على الرغم من ادعاء الرئيس وجود حالة طوارئ عند تلك الحدود، فالسيدة البالغة من العمر 37 عاماً تشعر بالأمان التام هناك في جنوب تكساس، حيث تختلط شجيرات المسكيت مع أشجار الصبار. وترى إيفيت أن المهاجرين لا يخرجون من مياه نهر ريو غراندي القريب ولا حتى من خلال فناء منزلها في أمريكا. ولا يوجد مهربون على عتبة بابها.

بدلاً من ذلك، فإن أكبر تهديد تراه لمنزل عائلتها وتراثها يأتي من حكومة أمريكية حريصة على الوفاء بالوعد الذي قطعه ترامب في حملته الانتخابية، والذي ينظر إلى المهاجرين بصورة دائمة باعتبارهم مجرمين. وتقول إن الحكومة طلبت بالفعل الإذن بمسح الأرض التي ستدخل في بناء الجدار، وتعتقد أن الحكومة إما ستدمر منزلها الذي بناه والدها الراحل، أو تتركه معزولاً عن بقية البلاد التي تنتمي إليها.

تقول إيفيت متحدثة عن الأرض التي عاش بها كل من والدتها ووالدها طوال حياتهم: "بطريقة ما، قال والدي دائماً إنه لن يبرح هذا المكان، ولم ينتقل بالفعل. لم يكن يريد أبداً الذهاب إلى أي مكان آخر"، مضيفة: "هذا هو المكان الذي أراد البقاء فيه. رغب في أن يدفن في الفناء الخلفي، هذا هو آخر شيء يربطنا بهذا المكان، وآخر ملاذ لنا إليهم".

تعد إيفيت من بين أكثر من 100 من ملاك الأراضي من القطاع الخاص على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، الذين يقولون إنهم تلقَّوا خطابات من الحكومة الأمريكية، تبلغهم بأن هناك حاجة لطردهم من أرضهم من أجل بناء الجدار. الخطابات هي الخطوة الأولى للحكومة للاستيلاء على الأراضي من ملاكها.

لكن إيفيت مثل كثيرين آخرين، تخطط للتصدي للحكومة، ولا تعتقد أن الجدار ضروري للحفاظ على ركنها الهادئ الآمن في الولايات المتحدة.

وتقول إنه لا حاجة للجدار؛ لأن المنطقة آمنة بالفعل. في الوقت الذي يحذر فيه ترامب من تهريب البشر، فإن أطفالها غالباً ما ينزلون بمفردهم من الجرف المنحدر الذي بُني عليه منزل عائلتها، قبل أكثر من 50 عاماً، للوصول إلى نهر ريو غراندي، آملين في صيد سمك السلمون المرقَّط وغيره من الأسماك الأصلية من تلك المياه. وعلى الرغم من أن الرئيس يحذر من تسلل أفراد العصابات والأشرار إلى الولايات المتحدة عبر الحدود، تترك إيفيت حقيبتها في شاحنتها طوال الليل ولا تغلق الباب الأمامي للمنزل، بحسب الصحيفة البريطانية.

وتقول: "هناك الكثير من الإبهام. ماذا سنفعل إذا أخذوا كل شيء؟"

القصة لها جذور تاريخية

غير أن هذا النوع من التحدي الذي تتعرض له إيفيت ليس جديداً على سكان منطقة ريو غراندي.

وبحسب الصحيفة البريطانية منذ عام 2006، عندما سمح قانون السياج الآمن بتشييد سياج حدودي بطول 700 ميل خلال إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، أجبرت الحكومة الأمريكية أصحاب الأملاك الخاصة على ترك ممتلكاتهم، مما أدى إلى إقامة عشرات الدعاوى القضائية، وبعضها لا تزال معلقة في المحاكم.

استمرت سياسة الاستيلاء على الأراضي الخاصة خلال إدارة أوباما، وتستمر الآن في عهد إدارة ترامب، لكن بشكل أكثر عدوانية.

لكن الوضع في عام 2019 مختلف بعض الشيء. كانت الكثير من الأراضي التي بُني عليها السياج الحدودي خلال الفترات السابقة تمثل أراضي مملوكة للحكومة الفيدرالية في أريزونا وكاليفورنيا ونيو مكسيكو. لذا فإن أصحاب الأراضي في تكساس لديهم بعض أوراق المساومة، حتى لو قال الخبراء إن السياج الحدودي غالباً ما يكون مؤهلاً لأن يكون لـ "لصالح العام" في قضايا المحاكم السابقة، حيث طعن أصحاب الأراضي على نزع الحكومة ملكيتهم للمنفعة العامة، مما يسمح للولاية أو للحكومة الفيدرالية بنزع الملكية الخاصة للصالح العام، مع ضرورة دفع تعويض "عادل" للمالك الأصلي.

وترامب، الذي حاول ذات مرة استخدام سلطة استيلاء الدولة على ممتلكات خاصة من أجل المنفعة العامة في التسعينات لطرد امرأة مسنة من عقار مجاور لفندقه في نيوجيرسي، لبناء موقف للسيارات، يحاول الآن التفاوض بشأن إبرام صفقات مع ملاك الأراضي الخاصة على طول الحدود، لكن الدعاوى القضائية الناتجة عن ذلك تُظهر أن هذا الأمر لن يمر بهذه السهولة.

وقال ترامب للصحفيين في يناير/كانون الثاني، دون تقديم مزيد من التفاصيل: "ما سنفعله بحق الاستيلاء على الملكية الخاصة من أجل المنفعة العامة، في كثير من الحالات، هو أننا سنبرم صفقات مقدماً، لقد قمنا بذلك بالفعل، لقد أنجز الوزير المختص الكثير من ذلك الأمر".

وتابع: "وإذا لم نتمكن من التوصل إلى اتفاق، فسنستولي على الأراضي وندفع لهم تعويضاً من خلال عملية قضائية. وهذه الإجراءات تحدث في الواقع بسرعة إلى حد ما. نحن كرماء للغاية (في التعويضات)، لكننا يجب أن نأخذ الأرض. وإلا فلن تستطيع بناء أي شيء. إذا لم تستخدم حق الدولة في الاستيلاء على الممتلكات الخاصة من أجل المنفعة العامة فلن يكون لديك طريق سريع واحد في هذا البلد. لذلك يجب عليك استخدام نزع الملكية للمنفعة العامة"، بحسب الصحيفة البريطانية.

يقول الخبراء القانونيون إن القضاة غالباً ما يلبّون رغبات الحكومة عندما يتعلق الأمر بأمور مثل الجدران الحدودية.

يقول مايكل وولف، الأستاذ والخبير في نزع الملكية الخاصة من أجل المنفعة العامة بجامعة فلوريدا: "ما ستؤول إليه الأمور يعتمد على مدى تأثر المحكمة بالنتيجة التي توصلت إليها الحكومة الفيدرالية، بأن نزع الملكية هذا يهدف إلى المنفعة العامة، تعريف المنفعة العامة فضفاض، وحماية الولايات المتحدة من الأشخاص الذين لا نريدهم أن يعبروا الحدود ستكون بالتأكيد ذات منفعة عامة".

الأمر قد يتسبب في مشاكل كبيرة

تعلم الحكومة أن إجبار الناس، سواء كان ذلك صواباً أو خطأ، على الخروج من أراضيهم يمكن أن يتسبب في مشاكل كبيرة، والتعرض لقضايا كثيرة. فعلى سبيل المثال، وجد تقرير أعده المفتش العام لوزارة الأمن الداخلي في عام 2009، أن المشاكل القانونية الناجمة عن نزع الملكية تؤدي إلى تأخيرات وتكاليف متزايدة، بحسب الصحيفة البريطانية.

وجاء في التقرير "أن الحصول على حقوق الوصول والاستيلاء على الممتلكات غير الفيدرالية قد تسبب في تأخير الانتهاء من بناء السياج، وقد يزيد من التكلفة بما يتجاوز التمويل المتاح".

وفي كلتا الحالتين، سيعني هذا أن نظام المحاكم في الولايات المتحدة سيكون مليئاً، في وقت قريب، بالمئات من الطعون على قرارات استيلاء الحكومة على ملكيات خاصة من أجل المنفعة العامة، التي سوف تشق طريقها من خلال النظام القانوني، وقد ينتهي بها المطاف إلى محاكمات أمام هيئات المحلفين، بحسب الصحيفة البريطانية.

يقول ريكاردو غارزا، وهو موظف شؤون قانونية في "مشروع تكساس للحقوق المدنية"، إن منظمته تعمل على التواصل مع ملاك الأراضي لمساعدتهم عندما تشرع الحكومة في إجراءات الاستيلاء. وقد شهدوا مثل تلك الأمور من قبل.

يقول غارزا: "في جنوب تكساس، كانت هذه الأشياء مستمرة منذ فترة طويلة. لقد كانت قضية بين الطرفين، ومن المؤسف أن تعامل الحدود باعتبارها منطقة للتضحية بها".

وهناك كنيسة كاثوليكية في براونزفيل تدخل بين المجموعات الأخرى أو ملاك الأراضي، الذين رفعوا قضايا ضد الحكومة أو يواجهون مطالبات بنزع الملكية للمنفعة العامة من الحكومة في الأشهر الأخيرة. وتقول مجموعات مراقبة الطيور التي رفعت دعاوى قضائية ضد الحكومة إن السياح سيمنعون الحيوانات البرية من الوصول إلى النهر، ويتسببون في تعرض السكان للجفاف أو الغرق عندما يحدث فيضان.

يقول جيم تشابمان، رئيس جمعية Frontera Audubon: "إذا كانت لديك جدران خرسانية عمودية بارتفاع 16 إلى 18 قدماً، فلا يمكن أن يمر أو يخرج أي شيء"، مشيراً إلى أن ملامح الدمار الأخرى ستشمل إزالة البيئة الطبيعية في نطاق 150 قدماً من السياج.

إجبارهم على التوقيع

تقول ماريانا تريفينو رايت، من مركز الفراشات National Butterfly Centre in Mission بولاية تكساس، إنها صادفت متعاقدين فيدراليين العام الماضي، بينما كانوا قد بدأوا بالفعل في مسح الأرض وقطع الأشجار. مشيرة إلى أنها صادفتهم قبل أشهر من الموافقة على التخصيصات لبناء أي جدار جديد في الكونغرس، ثم زارها ضباط الحدود بالزي الرسمي، وحاولوا ترويعها للتوقيع على أوراق للوصول إلى ممتلكاتها.

تقول ماريانا عن أول لقاء لها معهم: "لقد واجهت خمسة عمال، ثلاثة معهم مناشير، وواحد معه آلة قطع الحشائش وتسوية الأرض".

وتضيف أنه على غرار ملكية إيفيت المجاورة للحدود، لا يوجد سوى عدد ضئيل من المهاجرين، أو لا يوجد مهاجرون في الأصل. وتقول إن الوضع آمن للغاية، لدرجة أن المركز يستضيف معسكراً سنوياً للفتيات الكشافة.

وتقول: "تأتي الفتيات الصغيرات مع قائداتهن ويقضين الليل في الخارج هنا. أما ما يزعمونه فهذه حالة طوارئ كاملة ملعونة".

وتقول إيفيت، المرأة التي عاشت عائلتها في منزلها على الحدود على مدى خمسة أجيال، إنها تدعم أمن الحدود، ولكنها لا تعتقد أن الجدار سيكون فعالاً على الإطلاق.

لقد رأت بنفسها وسمعت قصص الجدران التي لا توفر سوى حواجز مؤقتة، حتى يتعرف المجرمون على كيفية اختراقها من فوقها أو تحتها.

وتقول: "الجدار هو حرفياً مجرد وهم للسلامة، إنه مثل سياجي، نعم لدي سور حول منزلي. إن الأمر يتعلق بوهم الخصوصية، وليس الأمن، لأن ذلك لن يمنع أي شخص من الدخول. فإذا أرادوا اقتحام منزلي، إذا كانوا يريدون سرقة شيء ما، فسيمضون قدماً ويفعلون ذلك".

تحميل المزيد