تسببت الحيرة التي وقعت بها طفلة بريئة بشأن موطنها الأصلي في جدل بألمانيا حول اعتبار السؤال عن الموطن عنصرياً أم لا.
فقد أثار مشهد متداول من برنامج مواهب عُرض العام الماضي 2018 على قناة "RTL" الألمانية الخاصة جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حول سؤال لطالما يصادف ذوي الأصول الأجنبية في الحياة اليومية، عن موطنهم الفعلي، رغم كونهم مولودين في ألمانيا.
حيرتها تتسبب في جدل بألمانيا حول اعتبار السؤال عن الموطن عنصرياً
ويظهر في الفيديو المتداول عضو لجنة تحكيم "داس سوبرتالنت"، المغني السابق ديتر بوهلن، وهو يسأل طفلة في الـ ٥ من العمر تُدعى ميليسا عن موطنها، فترد من مدينة هيرنه بولاية شمال الراين فستفالن الألمانية، لكن بوهلن يواصل السؤال و"والدتك ووالدك؟ من الفلبين أم؟".
فترد "أنهما أيضاً من هيرنه". إلا أنه لا يتوقف عند ذلك ويسألها مجدداً "ومن أين هما، من أي بلد، من حيث المولد؟". فترد بأنها لا تعلم، إلا أنه يصر دون كلل أو ملل: "الجدة والجد أو ما إلى ذلك..؟". ولم يتوقف سوى عندما قالت والدتها وهي تقف في طرف المنصة "تايلاند".
وأدى هذا الموقف إلى إثارة جدل بألمانيا حول اعتبار السؤال عن الموطن عنصرياً.
واقترح أحد المعلقين على الفيديو المنتشر على تويتر أن تتم مواصلة طرح سؤال "من أين أنت فعلاً؟" على بوهلن، حتى يقول يائساً إنه من "مودرن توكينغ"، في إشارة إلى الفرقة الموسيقية التي كان ينتمي لها سابقاً.
Man sollte Dieter Bohlen solange fragen wo er 'denn wirklich herkommt', bis er verzweifelt Modern Talking sagt.
— ▪️ (@Serotoninheld) February 18, 2019
هاشتاغ "#من هنا" يرد على الأسئلة مزعجة عن الانتماء لألمانيا
وأنشأت الصحفية فريدا إتامان في الأيام الماضية هاشتاغ "#من هنا" بالألمانية على موقع تويتر، بعدما كتبت مقالاً لموقع "شبيغل أونلاين" عن الموضوع الذي تسبب في جدل بألمانيا حول اعتبار السؤال عن الموطن عنصرياً.
وانتقدت الصحفية في المقال سلوك بوهلن الذي واجه الطفلة البريئة ميليسا بموضوع الهوية والانتماء رغم أنها صغيرة ولم تبدأ مشوارها المرهق كـ"ألمانية- آسيوية" بعد.
وقال إن هذا السؤال كثيراً ما سيُوضح لها للأسف مستقبلاً في سياق حياتها بأنها ليست من مدينة هيرنه.
وأضافت أن الملايين من الناس يجبرون على أن يكونوا مهاجرين، والكثيرون منزعجون من ذلك.
الهوس بالجذور.. قصص توضح كيف يتسبب السؤال في إغضاب المهاجرين
ولفتت إلى أن الكثير من المحققين في موطن الأشخاص يعبرون عن تفاجئهم بغضب المهاجرين المفترضين من طرح هذه الأسئلة، كلما أرادوا النقاش حول الأمر، متحججين بالاهتمام بهم ورغبتهم بالقيام بمحادثات قصيرة.
واعتبرت أن الهوس بالجذور يظهر على نحو خاص كيف أنهم يفهمون أن يكون المرء ألمانياً، كعشيرة أو كقرية أو مجتمع تجمعه قرابة الدم.
وسرد مغردون، بينهم مشاهير، عبر الهاشتاغ قصصاً عن سؤالهم بشكل مزعج عن موطنهم، قبل طرح أحكام نمطية من قبل طارح السؤال.
فغردت سوسن شبلي مفوضة حكومة ولاية برلين للشؤون المجتمعية والدولية حواراً يُفترض أنه دار بينها وبين أحدهم: "- من أين أنتِ؟ – من ألمانيا – من أين تحديداً؟ – برلين – لا أعني تحديداً؟ – من (حي) موابيت" – أصبح الأمر واضحاً، أعني الجذور – الأب من قرية في صفد والأم قرية قرب حيفا – تعنين إسرائيل؟- والداي فلسطينيان".
Woher kommen Sie?
– "Aus Deutschland"
– "Woher genau?"
– "Berlin"
– "Nein, ich meine genau?"
– "Moabit"
– "Schon klar, ich meine die Wurzeln"
– "Vater Dorf bei Safed, Mutter Dorf bei Haifa."
– "Also Israel?"
– "Meine Eltern sind Palästinenser"#vonhier— Sawsan Chebli (@SawsanChebli) February 24, 2019
وكتبت المذيعة في القناة الألمانية الثانية ألين عبود حواراً مماثلاً: "- من أين أنتِ؟ – من برلين – من أي تحديداً؟ – (حي) بانكو – لا أعني تحديداً؟ – ألمانيا الشرقية سابقاً – حسناً أعنى الجذور – الأب من لبنان والأم من شرق برلين – لماذا لا ترتدين الحجاب – الأب مسيحي والأم من شرق برلين".
كيف تتحدثين الألمانية بهذه الطلاقة؟
وقالت مغردة إنها تعيش في ألمانيا منذ أن كانت في عامها الأول، لكن ما إن تروي أنها وُلدت في بولندا حتى يُقال لها "إلا أن لغتك الألمانية جيدة"، فترد: "شكراً ولغتك أيضاً"، في إشارة إلى أن ما يُقال كإطراء يزعج الشخص الذي يشعر بالانتماء للبلاد حقاً.
وقال فيكتور بيرلي عضو البرلمان الألماني عن حزب "دي لينكه" إنه يُقال له إن والده يتحدث لغة ألمانية مُكسرة، ويُسأل عن موطنه، فيرد بأن والديه من إيطاليا وهولندا.
فيتم التساؤل لماذا يتم السماح له بأن يكون عضواً في البوندستاغ، فيرد بأنه ترشح في الانتخابات، فُيقابل بالرد: "لكنك لست ألمانياً حقيقياً حتى"، فيقول إنه تم تجنيسه.
وتحدثت ياسمين المنوار عن عدم رضا أحد السائلين بقولها إنها من منطقة راينلاند الألمانية حتى عرف أن والديها من تركيا.
فقال لها إنها تتحدث الألمانية بشكل جيد جداً، رغم سماع القليل من اللكنة فيها، فأوضحت أنها لكنة أهل كولونيا.
إنهم أفغان إذن، ولكن كلنا من إفريقيا
وعبر سعيد حيدر عن نقمته من سؤال أحدهم عن أصله، وعدم رضاه بقوله إنه ألماني وُلد في هامبورغ، ووالداه ألمانيان يعيشان منذ أكثر من ٤٠ عاماً في هامبورغ، ووصل به الأمر إلى سؤاله عن مكان ولادة أبويه، فلما قال "كابول"، رد بأنهم أفغان إذن!
وقال المحامي مهميت دايماغولير إنه التقى شخصاً غريباً في مطعم قطار سريع فسأله الأخير من أين هو آت.
فرد من بون، قاصداً مكان انطلاق القطار، فسأله من أين هو آت بالأصل ومكان ولادته، فقال من مدينة سيغن بولاية شمال الراين فستفاليا.
فسأل مجدداً وبدت عليه العصبية، من أين هم أسلافك فرد المحامي: "من إفريقيا وأسلافك أيضاً"، في إشارة إلى أن أسلاف البشر جميعاً من إفريقيا.
#أسرة #المهاجرون #ألمانيا #مؤشر_السعادة.المهاجرون في ألمانيا.. سعادة ينغصها التمييز.http://t.co/r3APrvX3R0 pic.twitter.com/oUDej5cDhh
— العرب (@alarabonline) December 24, 2013
انتبه فقد يأخذ اليونانيون أموالك
وتحدث شاب يُدعى ماكسميليان عن إصرار أحد الموظفين على معرفة أصله وعدم رضاه بقوله إنه ألماني من دوسلدورف، حتى علم أن والده يوناني ووالدته ألمانية.
فعلق الرجل ساخراً إن عليه أن ينتبه لأمواله، في إشارة إلى مرور الشعب اليوناني بضائقة مالية في السنوات الماضية.
وروت الضابطة ناريمان حموتي راينكه كيف سألها أحدهم بعد مرور ٥ أشهر من خدمتها في أفغانستان إن كان زيها العسكري حقيقياً، وما هو موطنها، فردت بأنها تخدم ألمانيا وأنها #من هنا وليتوقف عن طرح الأسئلة.
متى يكون السؤال عن الموطن عنصرياً؟
وبعد ما أثير من جدل بألمانيا حول اعتبار السؤال عن الموطن عنصرياً، شدد العديد من المعلقين على القضية بأنه لا يجوز الإصرار على معرفة الإثنية التي ينتمي لها المرء أو افتراض أنه أجنبي لا ينتمي لألمانيا، بحسب المظهر.
GESCHAFFT !!! BILD AM SONNTAG GOES RASSISMUSKRITIK 😂
Gepostet von Karim Fereidooni am Sonntag, 24. Februar 2019
واعتبر البروفسور في علم الاجتماع كريم فرايدوني الباحث في نقد العنصرية في تصريح لصحيفة "بيلد أم زونتاغ" أن طرح سؤال عن موطن شخص ليس عنصرياً من حيث المبدأ، إلا أنه يصبح كذلك عندما لا يتم قبول جواب كـ"أنا من مدينة هيرنه"، وتتبعه أسئلة أخرى.
وقال إن هذه الأسئلة المتتابعة عن الأصل الحقيقي للمرء لن تطرح على شخص ألماني ذي شعر أشقر وعينين زرقاوين، عندما يقول مثلاً إنه من هامبورغ.
ولهذا السبب يغضب المهاجرين من السؤال
ورداً على سؤال على تويتر عما هو السيئ في سؤال أحدهم عن موطنه الأصلي، أوضح المذيع في القناة الألمانية الثانية دانييل بروكيرهوف، أن كثيراً ما يكون القصد من السؤال لطيفاً، لكنه بالنسبة للأناس الذين مروا بتجربة إقصاء، يوحي هذا بأن المرء ما زال "الآخر".
وأضاف أن هذا السؤال يؤكد على التوجه بأنهم غرباء، رغم أن الذي يُطرح عليه السؤال يشعر بأنه ألماني عادي تماماً، كشخص #من هنا.
هل يمكن أن تسأل شخصاً تواعده عن حبيبه السابق في أول لقاء؟
وأوضحت مغردة للذين لم يفهموا بعد الشكوى من السؤال، بأن بوسعهم بكل سرور السؤال عن موطن الذين يقابلونهم، لكن ليس في بداية الحديث، وإنما في سياقه، في حال وُجد.
وفي محاولة منها لتوضيح المشكلة، تساءلت إن كانوا يسألون شخصاً يودون مواعدته، عمن كان يحب قبله فوراً، فور التعرف عليه، أم أن الطبيعي أن يتأخر هذا السؤال كثيراً.
#المهاجرون يساهمون في تعويض #نقص_المواليد في #ألمانيا وزيادة #عدد_سكانهاhttps://t.co/dd2fjBuM4s
— DW عربية (@dw_arabic) January 25, 2019
ولكن البعض يرى ضرورة التأقلم مع هذا الوضع
في حين عارض آخرون اعتبار مثل هذا السؤال في إطار العنصرية.
وقالوا إنه طبيعي في سياق الفضول حول معرفة أصول المرء، كأن يتم سؤال أحد إن كان توأم، وكيف تم التفريق بينهما، رغم أن ذلك قد يكون مزعجاً.
ونبه تونجاي أوزدامير، الصحفي في قناة "في دي إر" العامة، على حسابه بموقع تويتر إلى أن بعض المهاجرين في ألمانيا يتوقعون ألا يسألهم أحد عن جذورهم، معتبراً ذلك وهماً، لأن الفضول إنساني، ولا ينبغي اعتبار المقصد سيئاً.
وأوضح أنه في إسطنبول أو أنقرة أو إزمير يُسأل المرء دائماً عن "المملكة"، أي عن الموطن الأصلي.
ودعا الأناس ذوي الخلفية المهاجرة، ومنهم هو، إلى التوقف عن البحث عن الـ"عنصرية" وراء كل قصة، لأن في ذلك تهويناً للمفهوم، مشيراً إلى أنه لا يزعجه سؤاله عن أصله، لأن ليس هناك ما يخفيه.