كما هو حال الكثير من المواعيد الغرامية الثانية الكارثية، كان انهيار قمة دونالد ترامب مع كيم جونغ أون حتمياً بسبب إساءة قراءة نوايا كل طرف للآخر في لقائهما الأول.
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، في تقرير لها، إنه منذ اللقاء الأول الذي جمع بينهما بسنغافورة في يونيو/حزيران الماضي، أصبح الرئيس الأمريكي يُركِّز في تفكيره على ما رأى أنَّها علاقة شخصية وثيقة مع الرئيس الكوري الشمالي الذي يبلغ نصف عمر ترامب. فقال ترامب لمؤيديه: "وقعنا في الحب… لقد كتب لي خطاباتٍ جميلة".
رسائل تملُّق لم تقدم مقترحات ملموسة
لكن يبدو أنَّ تلك الرسائل التي سُلِّمَت باليد تملَّقت ترامب دون أن تُقدِّم مقترحاتٍ ملموسة لما سيفعله كيم ضمن الصفقة التي قد يُتوصَّل إليها. إذ نصَّ بيانٌ مشترك صدر في سنغافورة على التزام كوريا الشمالية بـ "النزع الكامل للسلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية"، وهو ما يبدو أنَّ ترامب فهمه على أنَّه تعهُّدٌ بالنزع الكامل للسلاح النووي من جانبٍ واحد.
لكن في كوريا الشمالية، تُعَد العِبارة شعاراً روتينياً للنظام يشير إلى نزع فتيل التوتر تدريجياً في شبه الجزيرة ونزع السلاح بصورة متعددة الأطراف وعلى مراحل، تُعامَل كوريا الشمالية خلالها باعتبارها قوة نووية.
من جانبه، يبدو أنَّ كيم غادر سنغافورة وهو يترجم سلوك ترامب الفيَّاض باعتباره إشارة على رغبته اليائسة في توقيع اتفاقٍ من الممكن أن يُبقي على معظم ترسانته كما هي في حين يُطبِّع العلاقات مع الولايات المتحدة ويرفع العقوبات.
اصطدمت تلك التصورات المختلفة تماماً بعنف في هانوي، حيث اكتشف كلا الزعيمين أنَّ الطرف الآخر ليس هو الشريك المثالي الذي تصوره من قبل.
كان واضحاً من البداية أنهما سيتعثران
قال جوزيف يون، الممثل الأمريكي الخاص السابق لسياسة كوريا الشمالية والذي يعمل الآن بمركز أبحاث المعهد الأمريكي للسلام: "كان واضحاً من البداية أنَّهما سيتعثَّران عند سؤالي إلى أي حدٍّ ينبغي أن يكون نزع السلاح النووي وما مدى تخفيف العقوبات. إنَّ كيم وترامب الآن في موقفين مختلفين للغاية. وأعتقد أنَّ ترامب الآن عليه أن يدرك أنَّ النزع الكامل للسلاح النووي ليس مطروحاً، مهما كان كيم لطيفاً".
وقال يون إنَّ توقيت القمة قيَّد مجال المناورة لدى ترامب، إذ تزامن مع وشايةٍ غاضبةٍ به من جانب محاميه السابق مايكل كوهين في جلسات استماعٍ بالكونغرس. وموقف الرئيس المتعثر في واشنطن كان يعني أنَّ عليه تحقيق شيءٍ رائع في هانوي أو لا شيء على الإطلاق.
كان ترامب مضطراً للحصول على صفقة كبيرة
وأضاف يون: "ربما كان من الممكن التوصُّل إلى صفقةٍ أصغر. لكن ترامب كان مضطراً للحصول على صفقةٍ كبيرة، في ظل تواصل (شهادة) كوهين في واشنطن. كان يعرف أنَّه سيتعرَّض لانتقاداتٍ شديدة إن عاد بصفقةٍ صغيرة".
قال العديد من الخبراء شديدي الانتقاد لدبلوماسية ترامب إنَّهم يعتقدون أنَّه فعل الصواب برفضه قبول الصفقة التي يبدو أنَّ كيم قدَّمها في هانوي: تخفيف العقوبات مقابل تعهُّدات بإغلاق أقدم وأكبر مجمع أسلحة نووية كوري شمالي في يونغبيون.
وهناك خلاف بين الطرفين بخصوص نطاق تخفيف العقوبات؛ إذ قالت الولايات المتحدة إنَّ كيم يرغب في رفعٍ كامل للعقوبات، فيما قالت كوريا الشمالية إنَّها طلبت تخفيفاً جزئياً.
قال جويل ويت، المسؤول السابق بالخارجية الأمريكية وصاحب الخبرة الطويلة في التفاوض مع كوريا الشمالية وبات الآن زميلاً أول بمركز ستيمسون، وهو مركز أبحاث أمريكي: "يمكنكم جميعاً المجادلة بما إن كان يجب عمل هذا في القمة على الإطلاق أم لا. لكن ما كنتُ أنا أيضاً لأقبل بتلك الصفقة. أعتقد أنَّ عدم التوقيع كان هو الصواب".
في حين قال فيبينغ نارانغ ،وهو خبير في عدم الانتشار النووي بمعهد ماساتشوستس للتقنية، إنَّه "من الأفضل أنَّ كيم جونغ أون لم يلتزم بإغلاق مجمع يونغبيون إن كان ينوي المماطلة في إغلاقه، لأنَّ الالتزام بالأمر كتابةً ثُمَّ ترك نفسه عُرضة للاتهام بأنَّه انتهكه سيضعنا في مسارٍ تصادمي".
في الوقت الراهن، لم يُظهِر ترامب أي إشارة على رد فعلٍ حاد ضد كيم يتعلَّق بخيبة الأمل المريرة التي ظهرت يوم أمس الخميس 28 فبراير/شباط. وأوضح أنَّه لا يزال يؤمن بحسن نية المستبد الكوري الشمالي، حتى في قضية التعذيب الوحشي والقاتل للطالب الأمريكي أوتو وارمبير داخل أحد السجون الكورية الشمالية.
وكان البعض يخشون من لجوء ترامب إلى التهديدات والإهانات حين يتضح أنَّ كيم لا نية لديه للتخلي عن ترسانته النووية، وهو الأسلوب الذي ساعد على وضع البلدين على حافة الحرب في صيف وخريف عام 2017.
ترامب كشف أنه مفاوض سيئ جداً في فهم نظيره
قال خبراء نوويون إنَّه رغم كل الادعاءات التي وردت في كتاب ترامب "The Deal of The Art" (فن الصفقة) -الذي برزت تشكيكات في أن يكون ترامب كتبه فعلياً- فإنَّ الرجل كشف أنَّه مُفاوِض سيئ جداً فشل في فهم نظيره، وأقنع نفسه أنَّه هو فقط من يمكنه التوصل إلى صفقة.
وشهدت القمة تهميش ستيفن بيغون، المبعوث الأمريكي الخاص لكوريا الشمالية، والذي شارك في المباحثات التحضيرية مع مسؤولي كوريا الشمالية، وأخذ مكانه على الطاولة كبير موظفي البيت الأبيض بالإنابة مايك مولفاني، الذي لا يملك خبرة كبيرة في السياسة الخارجية.
قالت ألكسندرا بيل، مسؤولة ضبط التسلح السابقة بالخارجية الأمريكية، إنَّ تهميش بيغون كان "صادماً بشكل لا يُصدَّق".
وأضافت بيل، مديرة السياسة الأولى بمركز الحد من الأسلحة ومنع الانتشار النووي: "أشار الرئيس مراراً ومن خلال كلماته وأفعاله إلى أنَّه لا يثق حقاً في بيغون لقيادة هذه العملية". وأشارت إلى عدم اكتراث ترامب بشأن المناصب الشاغرة في وزارة الخارجية حين قال: "أنا الوحيد الذي يهم".
وأضافت: "قد يكون هذا هو الحال بالنسبة للرئيس، لكنَّه يعني ألّا أحد يمكنه العمل بكفاءة نيابةً عنه. واستناداً إلى تصريحاته في المؤتمر الصحفي، بدا وكأنَّه يُلمِّح إلى أنَّه كان يعتقد أنَّ بإمكاننا تأمين التوصُّل إلى صفقة كبرى وإعلان النصر. لكن ليست هذه هي الطريقة التي يعمل بها أيٌ من هذه الأمور".