إنه خبرٌ عصيبٌ، درجات حرارة المحيطات في أعلى معدلاتها منذ بدء القياسات الدقيقة لها في منتصف القرن العشرين، وبفضل التغير المناخي بفعل البشر لن تزداد الأمور إلا سوءاً خلال السنوات القادمة.
لكن حتى إذا استمرَّ البشر في إطلاق غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، أيمكن للمحيطات في أي وقتٍ أن ترتفع حرارتها لدرجة أن تبدأ في الغليان؟
لحسن الحظ، ليس من المرجح أن تؤدي ممارسات البشر الحالية أبداً إلى تسخين حرارة العالم بالدرجة الكافية لتحقيق ذلك؛ بحسب التقرير المنشور في موقع موقع Live Science الأمريكي.
حرارة الكوكب ترتفع
زيك هاوسفاذر، أحد علماء المناخ في منظمة Berkeley Earth غير الربحية لتحاليل بيانات درجات الحرارة، صرَّح لموقع Live Science قائلاً: "حتى إن أحرقنا جميع مخزونات الوقود الأحفوري المعروفة، فلن ندنو حتى من ذلك الدفء.
ولكن من الجدير بالذكر أن هناك الكثير من تأثيرات المناخ السيئ التي ستحدث قبل زمنٍ طويلٍ من ارتفاع حرارة سطح الأرض حرفياً بما يكفي لغليان المياه".
ترفع غازات الاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان درجات حرارة كوكب الأرض من خلال حبس الطاقة الشمسية داخل غلاف الكوكب الجوي وسطحه، طاقة كانت دون ذلك لتنطلق بعيدةً في الفضاء.
وقال هاوسفاذر إن سطح المحيط يمتصُّ نحو 93% من تلك الحرارة الزائدة. وأضاف أن الحرارة سرعان ما تمتزج بأعلى 100 مترٍ من المياه، وهي منطقةٌ تُعرَف باسم "الطبقة المخلوطة"، وتستغرق وقتاً أطول بكثيرٍ للوصول إلى ما هو أدنى من ذلك.
لكن كما أورد موقع Live Science في تقريرٍ سابقٍ له (حقيقة تغير المناخ: دحض 10 أساطير)، فقد لاحظ العلماء في السنوات الأخيرة ارتفاع درجات الحرارة حتى في أعمق طبقات المحيط.
ماذا عن الفرضية ..نظرياً؟
لأن الماء أعلى سُمكاً من الهواء، فهو يملك القدرة على امتصاص كمٍّ كبيرٍ من الحرارة. وأوضح هاوسفاذر قائلاً: "يحمل أعلى مترين ونصف المتر من المحيط كمية الحرارة ذاتها التي يحملها الغلاف الجوي بأكمله أعلاه".
لذا فمن الممكن نظرياً أن ترتفع حرارة محيطات الأرض بما يكفي لتبدأ في الغليان. إن جزيئات المياه الدافئة تتبخر من سطح المحيط طوال الوقت.
وبخار الماء هو نفسه أحد غازات الاحتباس الحراري، لذلك فوجود كمياتٍ أكبر من المياه في الغلاف الجوي سيخلق حلقة رد فعلٍ مفرغةً، وعالماً أعلى حرارةً في مُجمَلِه.
وأشار هاوسفاذر إلى أنه يُعتَقَد أن أمراً مشابهاً قد حدث على كوكب الزهرة منذ زمنٍ سحيقٍ، متسبباً في غليان محيطات كوكبنا الشقيق بأكملها.
المحاذير والشكوك
لكن نظراً لوقوع الأرض على مسافةٍ أبعد عن الشمس من الزهرة، سيتطلب وصول كوكبنا إلى تلك المرحلة المشؤومة قدراً أعلى بكثيرٍ من غازات الاحتباس الحراري، على حد قوله.
يُذكَر أن ورقةً بحثيةً نُشِرَت عام 2013 في دورية Nature Geoscience، اقترحت أنه لأجل خلق تأثير "جموح الاحتباس الحراري" هذا، ستحتاج الأرض إلى كميةٍ من ثاني أكسيد الكربون تساوي 10 أضعاف الكمية التي قد تنبعث من حرق جميع مخزونات الفحم والبترول والغاز الطبيعي المعروفة.
ومع أن هذا النوع من التحاليل تشوبه عديدٌ من المحاذير والشكوك، أفاد هاوسفاذر أنه من الناحية التاريخية اتسمت محيطات كوكبنا ببعض المرونة فيما يتعلق بالتغيرات المتطرفة للمناخ.
على سبيل المثال، منذ مئات ملايين السنين، مرَّ عالمنا بسيناريو "الأرض كرة ثلجٍ" اكتسى فيه سطح الكوكب برمته بالثلج.
بينما منذ قرابة 55 مليون سنة ارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدارٍ يتراوح بين 5 و8 درجات سلزيوس أثناء فترة الحرارة القصوى في العصر الباليوسيني-الإيوسين (PETM)، لكن أوضح هاوسفاذر أن في كل مرةٍ كانت درجات الحرارة المستقرة نسبياً تعود.
شمس محتضرة، أرض محتضرة
لكن البشرية ليست العامل الوحيد الذي قد يفعل ذلك بالمحيطات. في يومٍ ما، في المستقبل البعيد، ستبلغ الشمس نهاية عمرها، وتبدأ في التوسع إلى الخارج كنجمٍ أحمر عملاقٍ، وفقاً لموقع Space.com الشقيق لموقع Live Science.
إذ ورد في بريدٍ إلكترونيٍّ إلى Live Science من روبرت سميث، الباحث الفخري بالجامعة البريطانية أنه على مدار السبعة مليارات سنة القادمة، سترتفع حرارة الأرض بالتدريج.
في عام 2008، أجرى سميث بعض الحسابات برفقة زميله كلاوس بيتر شرويدر من جامعة غواناخواتو المكسيكية لأجل الوصول إلى كيفية انتهاء دورة حياة الأرض.
لكن قال سميث إنه كان من الصعب تحديد المرحلة التي ستبدأ فيها المحيطات في الغليان. وأضاف سميث أنه عوضاً عن ذلك، قد يبدأ تبخر المحيطات هذا بعد مليار سنة من الآن، لكنه استدرك بأن هناك قدراً كبيراً من الشك في ذلك الرقم.
في تلك المرحلة، ربما تكون البشرية قد امتنعت عن بعث غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي وربما تكون قد انقرضت منذ زمنٍ طويلٍ. لكن حتى بعد تلاشي المحيطات، لا يعني ذلك أن الحياة سوف تختفي على الفور.
إذ قال سميث: "من المحتمل تماماً أن تبقى بعض أشكال الحياة البسيطة لفترةٍ دون مياهٍ، لكن في وقتٍ ما (غير معروف) من المرجَّح أن يصير السطح منصهراً، الأمر الذي من شأنه بالتأكيد تقريباً محو آخر آثار الحياة".