قد يكون على الأرض مجموعة مذهلة من أشكال الحياة، ولكن يظل علم الأحياء لدينا هو نقطتنا المرجعية الوحيدة للبيانات، لأننا ليس لدينا أي مرجع لحياة قائمة على نوع مختلف من الحمض النووي (DNA) عن الذي نملكه. والآن، تولّى العلماء الأمر بأيديهم لتوسيع حدود لما قد تبدو عليه الحياة.
نجحت الأبحاث، الممولة من وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) وتقودها مؤسسة التطور الجزيئي التطبيقي في الولايات المتحدة، في تخليق نوع جديد كلياً من الحمض النووي اللولبي المزدوج، بأربع قواعد نوكليوتيدات إضافية، بحسب ما نُشر في موقع Science Alert الأسترالي.
ويطلق عليه "هاتسيموجي دي إن إيه" (من الكلمتين اليابانيتين hachi moji وتعنيان ثمانية أحرف) ويحتوي على زوجين جديدين يضافان إلى الروابط الموجودة بالفعل بين الأدينين (A) المقترن بالثايمين (T)، والغوانين (G) مع السايتوسين (C).
مضاعفة عدد الرموز
هذا التوسع في الوصفة الجينية الطبيعية قد يبدو مألوفاً بعض الشيء. فقد نجح العلماء أنفسهم بالفعل في التوصل إلى حرفين جديدين في 2011. وفي العام الماضي فقط، جرى اعتماد إصدار آخر من الأبجدية الموسعة، بستة أحرف أيضاً، للعمل داخل الكائن الحي.
والآن، وفيما يبدو أنه نوع من الإنجاز الزائد على الحد، عاد الباحثون من جديد إلى لوح الرسم لتطوير المزيد من النوكليوتيدات غير القياسية.
ويهدفون إلى مضاعفة عدد الرموز في كتاب الوصفات.
يقول الكيميائي ستيفن بينر: "من خلال التحليل الدقيق لأدوار الشكل والحجم والبنية في هاتسيموجي دي إن إيه، يمكن لهذا العمل أن يوسع من إدراكنا لأنواع الجزيئات التي قد تحتفظ بالمعلومات في حياة كائنات أخرى خارج كوكب الأرض".
تطور النظام الجيني
إننا نعرف الكثير بالفعل عن استقرار وطريقة عمل الحمض النووي "الطبيعي" في الظروف البيئية المختلفة، ونحلل ببطء السيناريوهات المحتملة تصف تطورها من مواد عضوية أبسط إلى كيمياء حية.
ولكن لندرك على نحو جيد كيفية تطور النظام الجيني، سنحتاج لاختبار حدود تركيبه الكيميائي الأساسي.
"هاتسيموجي دي إن إيه" يتيح ذلك بكل تأكيد. وتعتمد الرموز الجديدة، وهي P، B، Z، S، على النوع نفسه من الجزيئات النيتروجينية مثل الرموز الموجودة في الحمض النووي العادي، وتصنف على أنها بيورين أو بيريميدين.
وبالمثل، فإنها ترتبط بروابط هيدروجينية لتشكيل أزواج قواعدهم الأساسية؛ حيث يقترن S بـ B، وP بـ Z.
وإلى هنا تنتهي التشابهات بين الحمضين النووين الرئيسي والمُختلق. هذه "الحروف" الجديدة تقدم عشرات المتغيرات الكيميائية الجديدة لمضاعفة بنية اللولب المزدوج والتي قد يكون لها تأثير محتمل على كيفية انضغاطه والتفافه.
ومن خلال تصميم وابتكار القوالب التي تتوقع استقرار هذه الجزيئات ثم ملاحظة البنية الفعلية الناتجة من هذا الحمض النووي "الغريب"، يصبح الباحثون أفضل جاهزية لما يهم حقاً فيما يتعلق بأساسيات القالب الجيني.
قالب حامل للمعلومات
وقد صمم الباحثون مئات النماذج من "هاتسيموجي دي إن إيه" اللولبي بمختلف التشكيلات من القواعد الطبيعية والاصطناعية ثم عرضوها إلى مجموعة مختلفة من الظروف لملاحظة مدى تكيفها واحتمالها.
وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات الطفيفة في كيفية استجابة الحروف الجديدة، لا يوجد أي سبب يدفع للشك في قدرة "هاتسيموجي دي إن إيه" في العمل بشكل جيد كقالب حامل للمعلومات الحيوية يمكنه التحور والتطور.
ولم يكتفِ الفريق بإظهار قدرة حروفهم الاصطناعية على المساهمة في رموز جديدة دون أن تتفكك بسرعة، بل جرت ترجمة التسلسلات أيضاً إلى إصدارات اصطناعية من الحمض النووي الريبوزي (RNA).
هذه الأعمال قد تكون بمثابة نشأة ثانية. ولكن تعتبر بنية الحمض النووي الجديد بهذا خطوة نحو تحديد إذا كان هناك مركبات كيميائية حيّة تشبه هذا التركيب في الكون.
تطور سيأخذنا إلى النجوم
تقول لوري جلاز، القائمة بأعمال مدير قسم علوم الكواكب في ناسا: "يعد اكتشاف الحياة هدفاً متزايد الأهمية لمهام علم الكواكب في ناسا، وهذا العمل الجديد سيساعدنا على تطوير أدوات وتجارب فعالة توسع من نطاق العمل الذي نتطلع إليه".
وهناك أيضاً استخدامات على سطح الأرض يمكن الحصول عليها من ابتكار قواعد جديدة تعمل إلى جانب حمضنا النووي الطبيعي، ليس فقط كطريقة لإعادة برمجة الحياة بقاعدة رموز مختلفة، بل في جهودنا لتطوير أنواع جديدة من الجسيمات الصغيرة (هياكل النانو) .
لا حدود لتطبيقات الحمض النووي الاصطناعي. هذا التطور سيأخذنا ربما إلى النجوم