قبل 4 سنوات كان الرحيل إلى "الخلافة الإسلامية" في سوريا والعراق يراود الآلاف من مؤيدي تنظيم داعش في العالم، بسبب سيطرته على مساحات شاسعة من البلدين تعادل مساحة بريطانيا 4 مرات، وكذلك الموارد الضخمة التي كان يسيطر عليها التنظيم الجهادي، لكن الآن لم يبق من التنظيم إلا اسمه، بعد هزيمة عناصره في آخر جيب له بسوريا.
وعلى الرغم من الهزائم المتتالية التي تعرَّض لها التنظيم فإن فكرته ما زالت حية في عقول الكثيرين من أنصاره، حتى خارج سوريا والعراق، وخاصة في البلدان الأوروبية التي يُنفذ فيها ما يُعرف بـ "الذئاب المنفردة" عمليات بين الحين والآخر، أو ما يُعرف بحرب العصابات.
ولعل عدداً من الذين كانوا ينتمون للتنظيم باتوا مرتبطين به رغم ما كل ما حدث، ومن بينهم سيدة جزائرية سافرت قبل أربع سنوات إلى دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية، ولم تقرر الرحيل عن آخر معقل محاصر للتنظيم إلا بعد أن أصيبت ابنتها برصاصة في ساقها.
وقالت المرأة: "ما ندمتُ. ولا حتى الآن… ولو لم تصب ابنتي لبقيت". كانت المرأة ترتدي نقاباً كاملاً، وكانت ابنتها ذات التسعة عشر ربيعاً ممددة أمامها على خشبة، عاجزة عن المشي، كما تروي صحيفة رويترز.
وعند حاجز أمني تديره القوات المدعومة من الولايات المتحدة على مسافة 30 كيلومتراً من آخر معاقل التنظيم في قرية الباغوز، الواقعة على نهر الفرات، تحدَّثت المرأة عن ثقتها في التنظيم الذي سيطر في فترة من الفترات على مساحة كبيرة من الأرض في سوريا والعراق.
وقالت المرأة التي خرجت في النهاية مع مَن خرجوا من الباغوز، مساء الإثنين الماضي "حتى إذا كنت هنا لأني لا أملك خياراً آخر، فما زلت مؤمنة، وأعرف أن هذه ليست النهاية".
وتبرز مشاعر الولاء للدولة الإسلامية بين النازحين، وهو الخطر الكامن الذي لا يزال التنظيم يمثله رغم الهزيمة على الأرض.
كان المتشددون قد أعادوا قبل أعوام قليلة رسم خريطة المنطقة بإعلان قيام دولة الخلافة، التي كانت مساحتها تعادل تقريباً ثُلث مساحة العراق وسوريا.
غير أن هذه المساحة تقلَّصت إلى الباغوز، التي تمثل مجموعة من التجمعات السكنية الريفية الصغيرة وأرضاً زراعية، وذلك منذ هزيمة المتشددين عام 2017 في معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرتهم.
وتكيَّف التنظيم مع الأمر، وشنَّ سلسلة هجمات في سوريا في الآونة الأخيرة، على غرار حرب العصابات.
رصاص وقذائف المورتر
كانت كل النساء عند الحاجز الأمني يرتدين النقاب، وتغطيهنّ الملابس السوداء من الرأس إلى القدمين.
ولم يتسع عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من الخيام في الأرض الصحراوية لكل مَن تجمَّع هناك. وكانت طائرات حربية تابعة للتحالف تُحلِّق في السماء.
وكان بعض الأطفال يبكون، وقد غطّت الأوساخ وجوههم.
وقالت المرأة الجزائرية إن الاشتباكات بالأسلحة النارية ومدافع المورتر كانت في الفترة الأخيرة أكثر من الغارات الجوية.
وفي وقت سابق أثناء الحرب سقط زوجها واثنان من أولادها قتلى.
وقالت إنها لا رغبة لديها للعودة إلى الجزائر، التي خاضت فيها الحكومة حرباً أهلية مع الإسلاميين في التسعينات.
وقالت المرأة التي عاشت في فرنسا لفترة من الوقت: "لا يمكن أن أعود إلى من لا يحبونني ولا أحبهم".
وسئلت عن سبب سفرها إلى سوريا، فقالت "هذا ما أؤمن به… قوانين ربنا".
داعش يغير تكتيكاته
سيث جونز، المستشار الأقدم بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومؤلف دراسة أصدرها المركز مؤخراً لتقييم القوة العسكرية لداعش قال لصحيفة The New York Times الأمريكية: "يرتكب الناس خطأ الاعتقاد بأنك حين تخسر أرضاً فالأمر خطير، أي أنهم سوف يستمرون في الخسارة".
وأضاف جونز: "عندما تخسر الجماعات الذكية أرضاً، فإنها تنتقل إلى استراتيجية وتكتيكات حرب العصابات، بما في ذلك الاغتيالات المستهدفة، والكمائن والغارات والتفجيرات. وبهذه الطريقة ترهق العدو".
وحتى فيما يتعلق بالتكتيك الإعلامي للتنظيم الجهادي فقد غيَّر داعش من استراتيجيته المعهودة بنشر بياناته عبر تطبيق تليغرام، وتحول لشبكة ZeroNet الإلكترونية، التي تتيح للتنظيم إبقاء مواده دائماً على الإنترنت دون حذفها.
ومنذ عقد مضى، تعرَّض التنظيم، الذي كان يُعرَف حينها بالدولة الإسلامية في العراق، لضرباتٍ شديدة، إلى درجة أنَّ المسؤولين قدروا أنَّ 700 مقاتل فحسب هم مَن تبقوا من مقاتليه. وخلال فترة استمرَّت 90 يوماً، اعتقلت القوات الأمريكية أو قتلت 34 من كبار قادة التنظيم الـ42.
وتأسَّف أمير هذا التنظيم سراً على عدم قدرتهم على الاستمرار مع تعرّض قواته للإنهاك وقلة العدد.
إذ قيل إنَّ الأمير، أبو عمر البغدادي، قال لنوابه: "ليس لدينا الآن مكان يمكننا الوقوف فيه ولو لربع الساعة"، وذلك بحسب رواية التنظيم نفسه لهذه الفترة، قبل إتمام انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011.
لكنَّ التنظيم أعاد بناء نفسه بسرعة بعد الانسحاب الأمريكي، وبعد أربع سنوات فحسب، نجح في الاستيلاء على مساحة من الأرض بحجم بريطانيا.
وتشير التقديرات الحديثة إلى أنَّ داعش لديه عدد أكبر بـ20 إلى 30 مرة من المقاتلين عن آخر مرة تُرِكَ فيها التنظيم للموت.
ومع أنَّ الكثير من قادة التنظيم قد قُتلوا، فإنَّ خليفة التنظيم، أبو بكر البغدادي، والكثير من كبار نوابه يُعتَقد أنهم لا يزالون أحياء.
ما زال التجنيد مستمراً
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن انهيار الدولة صعَّب من عملية التجنيد، ويعتقد أنَّ عدداً قليلاً فحسب من الأعضاء الجدد لا يزال في طريقه إلى المنطقة من الخارج، بعد أن كان الآلاف يعبرون إلى أراضيها من قبل.
وفي غضون ذلك، انخفضت الهجمات في بعض المواقع الحساسة، مثل العراق. ولا يعني هذا أنَّ التنظيم لم يعد قادراً على تنفيذ مثل هذه الضربات هناك. ففي عام 2018، في الشهور التي تلت إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي الانتصار على داعش، نفذ التنظيم أكثر من 1200 هجوم في العراق وحده، وذلك وفقاً لمجموعة واحدة من البيانات.
كما لا يزال أتباع التنظيم ينفذون عمليات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الشهر الماضي، ديسمبر/كانون الأول، في واحد من أسواق الكريسماس الأوروبية، في ستراسبورغ، بفرنسا، حيث قُتِلَ مُسلَّحٌ، كان قد بايع داعش على وحدة ذاكرة محمولة (USB Stick)، وفي أحد مسارات جبال أطلس المغربية، حيث قتلت مجموعةٌ من الرجال الذين بايعوا داعش سائحتين إسكندنافيتين.
وقد تذكَّر العالم مرة أخرى، مع الهجوم على هذا المطعم السوري، قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات مميتة.