ليس الجزائريون فقط مَن ينظرون لمستقبل بلادهم التي يحكمها منذ 20 عاماً عبدالعزيز بوتفليقة المتدهور صحياً، بل أيضاً الدول الكبرى وبوجه الخصوص أمريكا وفرنسا.
ورغم أنه لم يصدر من باريس وواشنطن موقف علني من الاستحقاقات الرئاسية المقبلة في 18 أبريل/نيسان، الأمر الذي تعتبرانه شأناً جزائرياً خالصاً، لكنهما تراقبان الوضع عن كثب عبر سفارتيهما وأجهزتهما الأمنية المتخصصة.
كابوس ماكرون
يخطئ من يعتقد أن أكبر ما يثير انشغال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو نجاح الحوار الوطني الشامل الذي أطلقه للتعامل مع حراك السترات الصفراء الذي يجتاح بلاده منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
الرئيس الشاب، ومنذ انتخابه يشغله أمر واحد إلى درجة "الهوس"، هو "ما سيحل بالجزائر بعد وفاة في بوتفليقة في الحكم، أو نشوب ثورة شعبية ضد استمراره في الحكم"، وفقاً لصحيفة "لونفال أبسرفاتور".
وقالت الصحيفة: "طلبنا من مسؤول فرنسي رفيع، معرفة ما أكثر شيء يثير قلق الرئيس ماكرون، أزمة مالية جديدة؟ هجمة إلكترونية كثيفة من قبل روسيا؟ ضربات أمريكية لإيران؟ لم تصيبوا أياً منها"، تقول هذه الشخصية المركزية.
وأضاف ذات المسؤول: "كابوس رئيس الجمهورية، هو: الجزائر، كما كان دائماً لسابقيه، كبار مسؤولي الدولة مذعورين من احتمال نشوب أزمة حادة".
ومنذ 2014، وضعت الخلايا المتخصصة في التقييم والتحليل الاستراتيجي التابعة لوزارة الخارجية الفرنسية، "وفاة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة على رأس أكبر التهديدات التي تواجه فرنسا"، وفق وثيقة سلمت لوزير الخارجية الفرنسي آنذاك لوران فابيوس، من قبل مركز التحليل، الاستشراف والاستراتيجية التابع للوزارة بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2014.
مع بروز الرفض الشعبي لترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، لعهدة رئاسية خامسة، تحبس فرنسا أنفاسها، خوفاً من نشوب أزمة سياسية حادة قد تنتهي بانزلاقات أمنية، ستجعلها أول من يدفع الفاتورة، "حيث سيحاول آلاف الجزائريين بلوغ التراب الفرنسي بشتى الوسائل".
وتتصدر الجالية الجزائرية الجاليات الأجنبية المتواجدة بفرنسا، أعداد تناهز الخمسة ملايين نسمة، وتشكل لوبياً قوياً في حسم سباق الرئاسيات الفرنسية.
يتصل 4 مرات يومياً بسفيره في الجزائر
وأمام الوضع الحالي الذي تعيشه الجزائر، منذ مسيرات الجمعة 22 فبراير/شباط الجاري، ازداد اهتمامات باريس بهذه البلاد.
حيث نقل موقع الجزائر اليوم، عن مصادر مؤكدة أن "الرئيس ماكرون يتصل بسفير بلاده بالجزائر كزافي دريانكور، 4 مرات في اليوم لبحث الأوضاع والمستجدات".
وأوفدت باريس سفيرها السابق لدى الجزائر والمدير الحالي للاستخبارات الخارجية برنار إيمي، للعاصمة الجزائرية، حيث مكث عدة أيام، وبحث ملف الرئاسيات المقررة في 18 نيسان/أبريل المقبل، قبل أن يغادر الثلاثاء 19 فبراير/شباط الجاري.
وتحرص فرنسا على إيفاد سفراء إلى الجزائر عملوا سابقاً في جهاز الاستخبارات الخارجية، كما كان الحال مع السفير الأسبق برنار باجولي.
وقبل أيام من تركه منصبه كسفير بالجزائر، ليلتحق بمديرية الاستعلامات الخارجية، وقع برنار إيمي في موقف حرج أمام مسؤوليه في وزارة الشؤون الخارجية، إذ فشل في اقتناص معلومة "تعيين عبدالمجيد تبون، وزيراً أول خلفاً لعبدالمالك سلال سنة 2017″، وقال لمعاونيه: "ماذا سأقول الآن للكيدورسي؟"، حسب تقرير لمجلة جون أفريك.
عبدالعزيز بوتفليقة المتدهور صحياً.. واشنطن تراقب عن كثب
الجزائريون يثورون بعد حرمان 17 عاماً
واقعة كانت سبباً في حرمانهم من التظاهر 17 عاماً .. فكيف كسر الجزائريون حاجز الخوف ضد بوتفليقة؟!
Gepostet von عربي بوست am Sonntag, 24. Februar 2019
في 27 سبتمبر/أيلول 2018، دعت السفارة الأمريكية بالجزائر إعلاميين جزائريين للمشاركة في ندوة صحفية عبر الهاتف مع دبلوماسيين أمريكيين، تتمحور حول مجريات الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
أسئلة الصحفيين تمحورت في مجملها حول العلاقات الجزائرية-الأمريكية، والسؤال الأكثر إلحاحاً كان: "ما موقف الولايات المتحدة الأمريكية من احتمال ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة؟".
تكفلت الدبلوماسية إريكا تشوسانو وأجابت بلغة عربية سليمة: "نعتقد أن الانتخابات شأن جزائري، لكننا نراقب باهتمام كبير الأوضاع في الجزائر".
وعينت واشنطن جون ديروشر، في سبتمبر/أيلول 2017، سفيراً جديداً لها بالجزائر، والذي يُعرف بحبه لاستكشاف البلد وحضور أبرز مباريات البطولة بملعب 5 جويلية الأولمبي الشهير، وقلة التصريح لوسائل الإعلام الجزائرية.
في المقابل، أجرى السفير الأمريكي عدة لقاءات مع رؤساء الأحزاب الجزائرية، من المعارضة والموالاة في الأشهر القليلة الماضية، لاستقراء الأوضاع العامة قبيل الانتخابات الرئاسية.
وتتمتع الجزائر تاريخياً بعلاقة وطيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية تعود إلى دعم الأخيرة للثورة الجزائرية إبان الاستعمار الفرنسي.
هل تتدخلان في صناعة الرئيس؟
بالنسبة لأستاذ التاريخ بجامعة وهران، رابح لونيسي، يعتبر تدخل القوى العظمى في صناعة رئيس الجزائر "أمراً مفروغاً منه".
وقال لونيسي لـ"عربي بوست" إن هناك "أربعة عوامل تؤثر في صناعة الرئيس وهي: الأوضاع المالية والقيادات الكبرى في المؤسسة العسكرية وعائلة الرئيس والقوى الإقليمية والدولية، ومنها بالأخصّ فرنسا ثم الولايات المتحدة الأمريكية".
وأضاف المتحدث: "يجب أن يراعي رئيس الجزائر هذه القوى فهي لا ترغب في وجود شخص يهدد مصالحها".
تدعمان بقاء بوتفليقة
في أول ظهور إعلامي له كمدير لحملة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، قال عبدالمالك أمام بعض المؤيدين: "لا أحد في العالم اعترض على ترشح بوتفليقة".
يعتقد رابح لونيسي "أن سكوت هاتين الدولتين يعود إلى فكرة منتشرة لديهما بقوة، وهي أن نظام بوتفليقة متحكم في الوضع الجزائري جيداً، خاصة بعد فشل قيام ربيع عربي فيها، كما أنه يرعى مصالحهما، فقد كانت جزائر بوتفليقة دائماً في نجدة الاقتصاد الفرنسي وشركاته المفلسة".
وأضاف: "أمريكا ترى حتى اليوم أن الجزائريين سيسكتون عن استمرار بوتفليقة المريض جداً في السلطة، ولن يثوروا، لكنها ستغير موقفها بمجرد أن تشعر بأن هناك رفضاً شعبياً؛ لأنه قد يهدد استقرار الجزائر ومصالحها".
لا تتدخلان وغير موافقتين
يناقض هذا الطرح، رأي آخر لوزير جزائري أسبق، طلب عدم نشره اسمه لحساسية الموضوع.
يقول في هذا الإطار لـ"عربي بوست": "أمريكا وفرنسا لا توافقان على استمرار بوتفليقة في الحكم لعهدة خامسة، لكنهما لا تقولان ذلك، ببساطة لأنهما لا تتدخلان في تعيين الرؤساء عندنا".
واستدل المتحدث على اعتراض أمريكا على بقاء بوتفليقة رئيساً للبلاد لعدة عهدات قائلاً: "أوباما هل أرسل برقية تهئنة للرئيس بوتفليقة عند إعادة انتخابه سنة 2014؟ لا لم يفعل، وأتحدى أي شخص أن يعثر عليها".
وبخصوص موقف فرنسا من عهدة خامسة أكد ذات المصدر أنها "رافضة لهذه العهدة، والدليل تصريحات باجولي، عودوا إليها".
وفي سبتمبر/أيلول 2018، هاجم المسؤول الأسبق لدائرة الاستخبارات الخارجية وسفير فرنسا لدى الجزائر، برنار باجولي الجزائر والرئيس بوتفليقة، في حوار له مع جريدة لوفيغارو.
وقال باجولي بخصوص العلاقات الجزائرية-الفرنسية: "أؤمن بتطور العلاقات بخطوات صغيرة. وهذا لسببين: الأول هو مشكلة جيل، إن القيادة الجزائرية، المنبثقة أو وريث الحرب الجزائرية، تحتاج دائماً إلى إضفاء الشرعية على نفسها من خلال استغلال المشاعر تجاه المستعمر السابق".
وألمح إلى أن بقاء بوتفليقة في الحكم لن يصبّ في صالح تحسين العلاقات قائلاً: "السبب الثاني هو مسألة ظرفية: الرئيس بوتفليقة، مع كل الاحترام الذي أشعر به بالنسبة له، يبقى على قيد الحياة بشكل مصطنع، ولن يتغير شيء في هذه الفترة الانتقالية".
وفهمت تصريحات باجولي المتقاعد حالياً على أنها موقف الدولة الفرنسية العميقة من رغبة استمرار بوتفليقة في الحكم؛ "لأن رجال المخابرات أمثال باجولي، لا يتقاعدون، وتستغل خبرتهم في صناعة القرارات الاستراتيجية للدولة"، يوضح مصدر "عربي بوست".
وحسب ذات المتحدث، فإن "من الجزائريين مَن يروّج لمسألة الدعم الفرنسي أو الأمريكي للرئيس بوتفليقة لغلق النقاش في الداخل، وهذا بسبب عجزهم عن اتخاذ موقف صريح من مسألة الحكم، البلدان لا يتدخلان في صناعة الرؤساء في الجزائر".
صفقات اقتصادية.. المليارات تتكلم!
وترتبط فرنسا وأمريكا بمصالح اقتصادية ضخمة مع الجزائر، أهمها في قطاع الطاقة، حيث وقعت شركة سونطراك عقوداً بمليارات الدولارات مع شركة توتال الفرنسية، وإيكسون موبيل الأمريكية التي كان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيليرسون مديراً لها.
وفي ظرف 5 أشهر السنة الماضية، وقعت الشركة الجزائرية مع نظيرتها الفرنسية 3 عقود شراكة، يتعلق الأول ببناء مجمع للبتروكيمياء بقيمة 1.4 مليار دولار.
ولم تكشف قيمة العقد الثاني المتعلق بالتنقيب عن النفط في الجهة الغربية بعرض البحر، وكذا الثالث الخاص تطوير القدرات في مجال الطاقات المتجددة.
واشترت سونطراك في مايو/أيار 2018 مصفاة لتكرير النفط تابعة لعملاق الطاقة الأمريكي إيكسون موبيل ومتواجدة بمدينة أوغستا بجزيرة صقلية الإيطالية، ولم يكشف الجانبان عن القيمة المالية للصفقة التي أثارت جدلاً كبيراً في وسائل الإعلام الجزائرية، التي اعتبرتها فاشلة لكون المصفاة قديمة وتتطلب استثمارات ضخمة لإعادة تأهيلها، لكنها قدرت بملايين الدولارات.
ولا يرى الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي عبدالوهاب بوكروح تأثيراً لهذه الصفقات على موقف البلدين من الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأوضح لـ"عربي بوست" أن "ما يهم أمريكا وفرنسا هو استقرار الجزائر، والصفقات في قطاع الطاقة تتعلق بالمصالح المشتركة المتعارف عليها دائماً بين البلدان".