قالت وكالة الأناضول التركية، إن إعلان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، موافقة الجانب الأمريكي على تنفيذ "خارطة الطريق" المتعلقة بمدينة منبج السورية، واستكمالها في أقرب وقت، يشير إلى تفاهمات أساسية مهمة تمت بين الطرفين التركي والأمريكي، ويدل على "تخطّيهما أهم العقبات الرئيسية التي تقف أمام تطبيق قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا"، كما نشرت.
وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، قراره بسحب قوات بلاده من سوريا، لكن دون تحديد جدول زمني. قرار ترامب هذا أحدث "زلزالاً" في دوائر الحكم في واشنطن، حيث استقال في إثره وزير الدفاع جيمس ماتيس، ثم تبعه في الاستقالة ماك غورك، قائد القوات الأمريكية في الحرب ضد داعش، الذي كان يعتبر الداعم الأساسي لميليشيات الوحدات الكردية.
رغم ذلك بقي الرئيس ترامب مصراً على قراره بالانسحاب من سوريا، ومستمراً في التواصل وتبادل المشورة مع الرئيس رجب طيب أردوغان، خصوصاً فيما يتعلق بموضوع ملء الفراغ الحاصل من انسحاب القوات الأمريكية من منبج ومنطقة شرق الفرات.
الطرف الأمريكي كان يهمه بالدرجة الأولى المحافظة على مكتسباته وقواعده العسكرية في منطقة شرق الفرات الاستراتيجية، وإيجاد توليفة مقبولة لمصير الميليشيات التي تحالفت معه في الحرب على تنظيم داعش.
هل وصلت أنقرة وواشنطن لتفاهم حقيقي؟
بحسب وكالة الأنباء الرسمية التركية، فإنه من الواضح أن زيارة وزير الدفاع التركي لواشنطن ساهمت إلى حد كبير في ردم الهوة القائمة بين أنقرة وواشنطن، بخصوص إدارة منطقة شرق الفرات بعد الانسحاب الأمريكي، حيث بدأت تظهر ملامح التفاهم بين الطرفين، ولو بالخطوط العريضة حول بعض الملفات الشائكة والمعقدة بين الطرفين.
تصريح الرئيس ترامب، مساء الجمعة، بأنه قرَّر الإبقاء على 400 جندي، كقوات حفظ سلام في سوريا، معتبراً أن ذلك لا يعني تغييراً عما أعلنه سابقاً، يؤكد التوصل إلى ثمة تفاهم بين أنقرة وواشنطن لم تتضح تفاصيله بعد، حول آلية إدارة منبج ومنطقة شرق الفرات.
ما هي الرؤية الأمريكية لإدارة منبج وشرق الفرات؟
بحسب صحيفة ملليت التركية، فإن واشنطن تحاول إقناع أنقرة بخطة حول المنطقة الآمنة، ترتكز على تشكيل "إدارة جديدة وقوات دفاع مشتركة" في منبج وشرق الفرات، على أن تتألف من 18 ألف شخص، ويكون 6 آلاف عنصر من هذه القوة من "بيشمركة روج"، التي تم تدريبها على يد القوات الخاصة التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حزب الرئيس السابق جلال طالباني، في إقليم شمال العراق.
و10 آلاف عنصر مما يعرف بـ "قوات سوريا الديمقراطية"، ومجموعة من ألفي عنصر من "القوات المحلية".
لكن وبحسب الصحيفة، اعترضت أنقرة على هذه التوليفة، واعتبرتها "مكافأة للعناصر الإرهابية"، التي تمثلها ميليشيات "وحدات الحماية الكردية"، بدلاً من محاربتها وتطويقها وتحجيمها على أقل تقدير.
تضيف الصحيفة "لكن التصريحات القادمة من واشنطن في الأيام الأخيرة حول استعدادها بحث المنطقة الآمنة مع تركيا، تؤشر إلى ليونة في الموقف الأمريكي، وتفهم لهواجس أنقرة فيما يتعلق بأمنها القومي".
ما الرؤية التركية للمنطقة الآمنة؟
بحسب الأناضول، تُشدد أنقرة على ضرورة إخلاء منبج من مقاتلي "ي ب ك" بأقرب وقت، وسحب الأسلحة منهم، وتسليم إدارة المدينة لأهلها، وعدم ترك فراغ في السلطة أثناء انسحاب القوات الأمريكية، بأي شكل من الأشكال، مقابل التزام تركيا بمكافحة جميع المنظمات دون انتقاء أو استثناء، وفي مقدمتها تنظيم داعش والتنظيمات الكردية التي تعتبرها "إرهابية".
وترى أنقرة ومنذ بداية الأزمة السورية أن الحل الإنساني الوحيد الذي يؤمّن الحماية للمدنيين السوريين هو "المنطقة الآمنة" داخل الأراضي السورية. لكن أطرافاً في النزاع السوري استبعدت فكرة المناطق العازلة أو المناطق الآمنة، بحجج وذرائع مختلفة، بحسب الأناضول.
وخلال الزيارة التي قام بها أخيراً وزير الدفاع التركي لواشنطن، أكد الجانب التركي لنظيره الأمريكي على ضرورة سحب مقاتلي "بي كا كا/ ي ب ك" من منبج ومنطقة شرق الفرات، ووضعها تحت إشراف تركيا، من أجل ضمان عودة السوريين الذين تستضيفهم تركيا، من أكراد وعرب وآشوريين وكلدان، إلى أراضيهم ومنازلهم في أقرب وقت، بحسب الوكالة نفسها.
وترى الأناضول في تحليلها أن تركيز الطرف الأمريكي على الشراكة الاستراتيجية، وأخذه بعين الاعتبار مخاوف تركيا الأمنية، هي معطيات جدية وجديدة من شأنها إذابة الجليد، والبدء بخطوات عملية على صعيد تنفيذ الانسحاب الأمريكي من سوريا.
هل يحاول الروس عرقلة التفاهمات بين أنقرة وواشنطن؟
اعتمدت الاستراتيجية الروسية العسكرية في سوريا عام 2015 على تهجير أكبر عدد ممكن من السوريين إلى دول الجوار. فقد كانت مخيمات النازحين في الداخل السوري في مقدمة الأهداف التي بدأ الطيران الحربي الروسي بقصفها، إلى جانب المدارس والمساجد والملاجئ التي كان يحتمي بها المدنيون من البراميل المتفجرة التي كان يقصفهم بها نظام الأسد.
استهداف الروس للمدنيين كان القصد منه تهجير أكبر عدد ممكن من السوريين لدول الجوار، وخصوصاً إلى تركيا، لكي يشكل هؤلاء اللاجئون عبأً مادياً وبشرياً على الدول المضيفة، يصعب عليها تحمل أعبائه لفترة طويلة، فتضطر هذه الدول للإذعان والقبول بالشروط الروسية، بحسب ما تقول الأناضول.
مبررة ذلك بأن موسكو واعتماداً على تجربتها المريرة في أفغانستان، كانت تريد الحسم العسكري الخاطف السريع، من خلال تنفيذ ضربات عنيفة خاطفة، واتباع سياسة الأرض المحروقة، على نموذج جروزني، فيتحقّق لها الحسم العسكري في أقرب فرصة.
لكن حسابات موسكو ضلّت طريقها في سوريا، ها هو التدخل العسكري الروسي في سوريا يدخل عامه الرابع دون حسم عسكري ولا انتصار واضح. ها هو مسار أستانا، الذي أرادته موسكو مكاناً وعنواناً للحل السوري، يراوح مكانه دون هدف ولا بوصلة، ولا حتى تفاهم على الأساسيات بين أطرافه الضامنة، فقد اختتم اجتماع دول أستانا الأخير دونما اتفاق على أي من الملفات الرئيسية، حيث خلا بيانه الأخير من أي مضمون سياسي، واقتصر على الأمنيات والتمنيات والنوايا الحسنة.
إلى ذلك، يهدف الروس من خلال الخروقات المتعمدة لاتفاق سوتشي ومناطق خفض التصعيد إلى الضغط على تركيا، من أجل مقايضة إدلب بقواعد لهم في منطقة شرق الفرات، حيث بادروا منذ فترة إلى تأسيس قاعدة عسكرية لهم قرب القامشلي.
يؤكد ذلك تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن روسيا ستشارك في إنشاء المنطقة العازلة على الحدود الشمالية مع سوريا، بأفراد من الشرطة العسكرية الروسية. لكن لافروف يرى أن الحديث عن المنطقة العازلة يجب أن يكون على أساس الاتفاق بين أنقرة ودمشق عام 1998، الذي يسمح لتركيا بالقيام بأعمالها داخل الحدود السورية.
يضيف لافروف بأن روسيا لديها خبرة في الاتفاقات البرية ووقف إطلاق النار ومراعاة الإجراءات الأمنية ومناطق خفض التصعيد، وكلها جرت بمشاركة الشرطة العسكرية الروسية. لكنه لا يغفل الإشارة إلى خلافات مع تركيا حول تصنيف بعض الفصائل على أنها "إرهابية"، لكنه استدرك بأن روسيا تتفهم القلق التركي، ليترك الباب موارباً أمام صفقة سياسية بهذا الخصوص.