المعارضون والمنفيّون في خطر.. مصر ودول أخرى ستتبادل معلومات مواطنيها الأمنية مع الاتحاد الأوروبي

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/25 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 17:48 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يرأس القمة العربية الأوروبية بشرم الشيخ، 25 فبراير 2019/ رويترز

قال موقع Middle East Eye البريطاني إن بعض مسؤولي دول الاتحاد الأوروبي بدأوا بمحادثاتٍ مع نظرائهم في دول الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر وتركيا، بشأن اتفاقاتٍ لتبادل البيانات ستسمح لوكالة إنفاذ القانون الأوروبية (اليوروبول) بتبادل معلوماتٍ شخصية عن المشتبه بهم مع سلطات إنفاذ القانون المحلية.

وفي بعض الحالات، يمكن أن تسمح تلك الاتفاقات بنقل البيانات المتعلقة بعِرق الشخص وأصله الإثني، وآرائه السياسية، ومعتقداته الدينية، وعضوياته النقابية، وبياناته الوراثية، وبياناته الصحية، وحياته الجنسية، بحسب الموقع.

ويأتي سعي الاتحاد الأوروبي إلى إبرام هذه الاتفاقات في إطار جهوده الرامية إلى تعزيز "مكافحة الإرهاب في أنحاء أوروبا"، على الرغم من المخاوف التي أثارتها الهيئة الرقابية الأوروبية لحماية البيانات بشأن سجلات حقوق الإنسان في تلك البلدان.

فمنذ بداية العام الجاري، أعدمت السلطات المصرية عدداً من السجناء، الذين قال العديد منهم إنهم اضطروا إلى الإدلاء باعترافاتٍ كاذبة تحت التعذيب.

وصدرت كذلك أحكامٌ بالإعدام على مئات السجناء الآخرين، في ما وصفته مؤسِّسة ريبريف المناهضة لعقوبة الإعدام بأنَّه "أزمة حقوقية مكتملة الأركان"، منذ أن استولى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على السلطة في انقلابٍ عسكري عام 2013.

أمَّا البلدان الأخرى التي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إبرام اتفاقات تبادل البيانات معها فهي إسرائيل والجزائر والأردن ولبنان والمغرب وتونس وتركيا.

وقال متحدثٌ باسم المفوضية الأوروبية، وهي الهيئة الإدارية التابعة للاتحاد الأوروبي التي تقود المحادثات، للموقع البريطاني إنَّ المفاوضين عقدوا جولةً أولى من المحادثات مع تركيا في بروكسل خلال نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.

وأضاف المتحدث أنَّ المفوضية عقدت كذلك اجتماعاً مع ممثلين من الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس في 3 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه "لمناقشة فرص التعاون بين اليوروبول، ووكالات إنفاذ القانون في تلك الدول".

هل يتواطأ الاتحاد الأوروبي مع مصر في انتهاكاتها؟

وقالت مايا فوا، مديرة مؤسسة ريبريف، للموقع البريطاني: "من المثير جداً للقلق أنَّ الاتحاد الأوروبي يسعى إلى توثيق العلاقات مع الأجهزة الأمنية المصرية المتورطة في انتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك التعذيب وإصدار مئاتٍ من أحكام الإعدام في محاكماتٍ جماعية".

مسجونون مصريون قامت السلطات المصرية بإعدامهم الأسبوع الماضي بالرغم من المناشدات الدولية بوقف قرار الإعدام/ مواقع التواصل
مسجونون مصريون قامت السلطات المصرية بإعدامهم الأسبوع الماضي بالرغم من المناشدات الدولية بوقف قرار الإعدام/ مواقع التواصل

وأضافت: "على الاتحاد الأوروبي أن يدعو السيسي إلى وضع حدٍّ لانتهاكات حقوق الإنسان المروعة التي أدت إلى إصدار أحكام الإعدام الجماعية هذه، وأن يضمن ألَّا يسفر أي تبادل للمعلومات عن تواطؤ الاتحاد الأوروبي في نظام عقوبة الإعدام الوحشي في مصر".

من جانبها، قالت ليزلي بيكيمال، كبيرة ممثلي الدفاع التابعين للاتحاد الأوروبي في معهد القاهرة لحقوق الإنسان، للموقع البريطاني: "هذا تطور مثيرٌ جداً للقلق. فالعديد من الدول الأوروبية تتعاون بالفعل مع مصر تعاوناً ثنائياً في هذا الصدد، وبدرجاتٍ متفاوتة".

وأضافت: "لذا فتحرُّك الاتحاد الأوروبي لفعل الشيء نفسه سيؤدي إلى مزيد من تطبيع التعاون مع أجهزة الأمن المصرية المعروفة بانتهاك الحقوق انتهاكاً منهجياً، وهذه الانتهاكات استُخدِمَت مراراً لانتزاع اعترافاتٍ من أشخاص يُتهَمون في قضايا متعلقة بـ"الإرهاب"، ثم يتعرضون لمحاكماتٍ جائرة قد تؤدي إلى صدور أحكامٍ عليهم بالسجن مدة طويلة أو الإعدام".

دولٌ "تنتهك الحقوق الأساسية" للإنسان

ودَعت المفوضية كذلك إلى الاتفاق على ترتيبات مشاركة البيانات مع البلدان الثمانية في إطار مجموعة تدابير مكافحة الإرهاب التي أُعلِنَت عنها في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017.

وقد وافق المجلس الأوروبي، المكون من قادة الدول الثماني والعشرين المشاركة في الاتحاد الأوروبي، والبرلمان الأوروبي على المفاوضات، مع أنَّ هذا الأخير أثار كذلك مخاوف بشأن سجل مصر في مجال حقوق الإنسان في قرارٍ صدر العام الماضي.

ويُشدِّد البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي على أنَّ أي اتفاقاتٍ نهائية لا بد أن تكون مشروطةً بأن تضع تلك الدول قوانين لحماية البيانات تتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي، وتطبيق إجراءات وقائية لضمان احترام حقوق الإنسان.

معظم الدول الشرق أوسطية التي يعتزم اليوروبول عقد هذه الاتفاقيات معها هي دول تنتهك هذه الحقوق الأساسية للإنسان
معظم الدول الشرق أوسطية التي يعتزم اليوروبول عقد هذه الاتفاقيات معها هي دول تنتهك هذه الحقوق الأساسية للإنسان

وقالت لجنة الحريات المدنية التابعة للبرلمان إنَّه ما زالت هناك حاجةٌ إلى إجراء تقييم دقيق شامل من أجل تقييم المخاطر التي تُشكِّلها الاتفاقات المقترحة، وإنَّ البرلمان يتعيَّن عليه الموافقة عليها قبل توقيع أي اتفاقات نهائية.

وفي تقرير رأي نُشر في العام الماضي، ذكرت الهيئة الأوروبية لحماية البيانات كذلك أنَّ هناك حاجة إلى إجراءاتٍ وقائية وضمانات إضافية لضمان أنَّ عمليات نقل البيانات لن تنتهك الالتزامات بحماية حقوق الإنسان.

وأوصت بأن تتضمن أي اتفاقية ضماناتٍ بعدم استخدام البيانات المنقولة من اليوروبول في القضايا التي تؤدي إلى صدور حكم بالإعدام، مشيرةً إلى أنَّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة من بين البلدان الثمانية التي ألغت عقوبة الإعدام.

وأشار التقرير إلى أنَّ "الهيئة الأوروبية لحماية البيانات تلاحظ أن بعض الدول التي يعتزم اليوروبول التعاون معها تنتهك هذه الحقوق الأساسية".

وأضاف: "أشارت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب إلى أوجه قصور خطرة في بعض هذه البلدان في ما يتعلق بحالات التعذيب والمعاملة السيئة المبلغ عنها، وظروف أماكن الاحتجاز، واستخدام أدلة انتُزِعَت بالإكراه، وعدم وجود إجراءاتٍ وقائية أساسية للمحتجزين، والظروف المعيشية في مخيمات اللاجئين".

بيانات الحياة الجنسية لن تُنقَل إلَّا في "الضرورة القصوى"

وتوضِّح التوجيهات التي أصدرتها المفوضية لمفاوضيها لتكون أساساً لتبادل البيانات في المستقبل مع كل دولة أنَّ الاتفاقات ينبغي أن تُسهِّل "التعاون المتبادل في منع الجرائم الخطرة العابرة للحدود والإرهاب ومكافحتهما" ولكن مع "ضمان الإجراءات الوقائية المناسبة بشأن حماية الخصوصية والبيانات الشخصية والحقوق والحريات الأساسية للأفراد".

ولكن يبدو أيضاً أنها تترك الباب مفتوحاً لتبادل البيانات الشخصية المتعلقة بالمعتقدات السياسية والدينية، وحتى التفاصيل المتعلقة بالحياة الجنسية للمشتبه بهم، في الحالات التي يعتبر فيها تبادل مثل هذه البيانات "ضرورياً ومتناسباً".

وبحسب التوجيهات: "يُحظَر نقل البيانات الشخصية التي تكشف عن الأصل العرقي أو الإثني، أو الآراء السياسية، أو المعتقدات الدينية أو الفلسفية، أو العضويات النقابية، أو البيانات الوراثية، أو البيانات المتعلقة بصحة الشخص أو حياته الجنسية من جانب اليوروبول، ما لم يكن ذلك ضرورياً ومتناسباً للغاية في بعض الحالات الفردية لمنع الجرائم أو مكافحتها كما هو مشار إليه في الاتفاقية، وخاضعاً لضماناتٍ وقائية مناسبة".

"لستم آمنين حتى وإن كنتم في الخارج"

من جانبه، ذكر إبراهيم حلاوة، وهو مواطن أيرلندي اعتُقِل في مصر عام 2013 حين كان عمره 17 عاماً واحتُجِز في السجن أكثر من 4 سنوات، لـ Middle East Eye أنَّ التبادل المحتمل للبيانات بين الشرطة المصرية واليوروبول أمرٌ مثير للقلق.

وقال حلاوة الذي اعتُقِل حين اقتحمت قوات الأمن المصرية مسجد الفتح في القاهرة الذي احتمى به مناهضون للحكومة المصرية: "من المثير للقلق رؤية دولٍ تمارس الديمقراطية وتدعو إليها تدعم دولاً ديكتاتورية تنتهك حقوق الإنسان وحرية التعبير بوضوح".

يُذكَر أنَّ حلاوة حُوكِم مع مئات الأشخاص الآخرين بتهمٍ يُعاقب عليها القانون المصري بالإعدام، لكنَّه بُرِّئ في نهاية المطاف.

المعارض المصري الإيرلندي إبراهيم حلاوة/ ميدل إيست آي
المعارض المصري الإيرلندي إبراهيم حلاوة/ ميدل إيست آي

وأضاف حلاوة: "هذا أمر مثير للقلق بالنسبة للمصريين الذين يعيشون في الخارج والأشخاص الآخرين من جميع دول الشرق الأوسط.. إنَّهم يبعثون برسالةٍ لجميع الناس بأنَّهم ليسوا آمنين لأننا نستطيع إرسال بياناتكم للمستبدين والقتلة في بلدان أخرى.. إذا نظرت إلى ماهية الإعدام، تجد أنَّه لا يقتصر على شخصٍ يحصد روح شخصٍ آخر، بل يشمل أولئك الذين يساعدون في جعله ممكناً".

وذكرت ليزلي بيكيمال، من معهد القاهرة لحقوق الإنسان، أنَّ تبادل البيانات بين الأجهزة الأمنية قد يزيد من تعرُّض الناشطين والمعارضين والمنفيين المقيمين في أوروبا للخطر.

إذ قالت: "يمكن أن تنطوي اتفاقية مشاركة البيانات على مزيدٍ من التهديدات للمدافعين عن حقوق الإنسان، والناشطين السلميين وأي مواطن يحاول الهروب من قمع قوات الأمن المصرية والدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالسفر إلى أوروبا؛ لأنَّها تُتيح البيانات الشخصية لبعض وكالات إنفاذ القانون غير المتعاطفة معهم التي يمكن أن تُرحِّلهم و أو تكشف عن مكانهم للسلطات المصرية".

يُذكَر أنَّ البرلمان الأوروبي أعرب، في قرارٍ صدر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن "قلقه الشديد إزاء المحاكمات الجماعية التي تجريها المحاكم المصرية، والعدد الكبير من أحكام الإعدام والسجن المؤبَّد التي تُصدرها".

ودعا دول الاتحاد الأوروبي إلى وقف "تصدير تقنيات المراقبة والمعدات الأمنية إلى مصر التي يمكن أن تُسهِّل الهجمات على المدافعين عن حقوق الإنسان وناشطي المجتمع المدني، بما في ذلك شن حملات ضدهم على شبكات التواصل الاجتماعي".

دول تناقض مبادئها

ودعا كذلك فيديريكا موغيريني، الدبلوماسية البارزة في الاتحاد الأوروبي، والدوائر الدبلوماسية الأخرى إلى "إعطاء وضع المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر أولويةً، وإدانة وضع حقوق الإنسان المثير للقلق في البلاد، بما في ذلك استخدام عقوبة الإعدام.. واستخدام جميع وسائل التأثير المتاحة للضغط على مصر من أجل تحسين وضع حقوق الإنسان لديها ووقف عمليات الإعدام الوشيكة".

يأتي ذلك في ظل مشاركة موغيريني وغيرها من القادة والمسؤولين الأوروبيين باجتماع قمة بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية بشرم الشيخ الأحد، والاثنين 25 فبراير/شباط.

وأرسل بعض قادة المعارضة المصرية يوم الجمعة 22 فبراير/شباط رسائل إلى موغيريني وقادة الاتحاد الأوروبي الآخرين لحثهم على مقاطعة القمة، محذرين من أنَّ عمليات الإعدام في طريقها إلى أن تصبح "حدثاً أسبوعياً".

وصرَّح متحدثٌ باسم المفوضية الأوروبية للموقع البريطاني، بأنَّه لا توجد نية لعقد أي محادثاتٍ في القمة حول التعاون في مجال إنفاذ القانون بين مسؤولي الاتحاد الأوروبي ومسؤولي الدول الست في جامعة الدول العربية.

ورداً على سؤالٍ عمَّا إذا كانت عمليات الإعدام الأخيرة في مصر ستؤثر في تقدُّم محادثات تبادل البيانات، قال المتحدث: "تؤدي اعتبارات حقوق الإنسان دوراً مهماً في التعاون بين وكالات إنفاذ القانون، بما في ذلك أي مفاوضات تجري في هذا السياق".

وأضاف: "بالنسبة لعمليات الإعدام الأخيرة، فإنَّ الاتحاد الأوروبي يعارض تماماً استخدام عقوبة الإعدام في جميع الحالات وتحت كل الظروف، ويُطالب دوماً بإلغائه في جميع دول العالم".

تحميل المزيد