فشل المعارضة الجزائرية في الاتفاق على مرشح توافقي يخوض الانتخابات الرئاسية ضد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لم يكن المفاجأة الوحيدة في الاجتماع الذي عقدته أمس الأربعاء 20 فبراير/شباط 2019.
لكن التبريرات التي قدمها أقطاب المعارضة الجزائرية فاجأت المراقبين أكثر من عدم التوصل إلى مرشح لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل/نيسان 2019.
واجتمعت أحزاب وشخصيات جزائرية معارضة، من أجل في التوافق على دخول معترك الانتخابات الرئاسية المقبلة، بمرشح واحد ينافس الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي تقدم رسميا لعهدة خامسة.
واكتفى أبرز وجوه المعارضة، في اجتماع تشاوري، عقد الأربعاء 20 فبراير/شباط 2019، بتثمين الاحتجاجات الشعبية الرافضة لاستمرار بوتفليقة في الحكم لخمس سنوات إضافية، وتحذير السلطة من قمع الحق الدستوري في التظاهر.
وبشكل مفاجئ، أسقط مقترح "المقترح التوافقي"، من البيان الختامي للقاء، ما أوحى بأن الفكرة دفنت نهائياً، ولن تناقش في الجولات المقبلة من التشاور قبل الموعد النهائي لإعلان قائمة المرشحين رسمياً لاستحقاقات 18 أبريل/نيسان وبعده.
اجتماع مطوّل للتوصل لمرشح توافقي
ثلاث ساعات ونصف انعزل فيها ضيوف حزب العدالة والتنمية الإسلامي، بمقره الوطني، ببابا حسن جنوب العاصمة الجزائرية، ممن لبوا دعوته لحضور الاجتماع.
وفقاً لتصريحات أقطاب المعارضة، كانت النقطة الرئيسية في جدول أعمال الاجتماع "التوافق على مرشح واحد" يتزعم المعارضة ويستوعب جميع أصواتها في مواجهة المرشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
أبرز من استجاب لمبادرة رئيس الحزب عبدالله جاب الله واحد من أعمدة الإسلام السياسي في الجزائر، علي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات والغريم التقليدي لبوتفليقة، رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري، ورئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، وشخصيات معارضة مستقلة كالدبلوماسي والوزير الأسبق عبدالعزيز رحابي، والناشط السياسي عز الدين جرافة.
ولكن غاب الجنرال المرشح بعدما اعتذر فجأة
وغاب عن الاجتماع المرشح للرئاسيات اللواء المتقاعد علي غديري، بعدما اعتذر قبل يوم واحد دون تقديم مبرر.
ورفض حزب العمال اليساري المُعارض الذي تتزعمه لويزة حنون المبادرة.
في حين لم توجّه الدعوة للمرشح المثير للجدل رشيد نكاز، بسبب المعرفة المسبقة برفض ملف ترشحه من قبل المجلس الدستوري لموانع قانونية تتعلق بالجنسية الأجنبية، حسبما أكده قيادي في حزب العدالة والتنمية لـ"عربي بوست".
مفاجأة البيان الختامي لقد تجاهل الهدف الرئيسي من الاجتماع
بعد انتظار طويل، فتحت باب قاعة الاجتماع لدخول رجال الإعلام الذين حضروا بكثافة طمعاً في الحصول على جواب السؤال الأوحد: "توافقوا على مرشح أم لا؟".
وتحت أضواء مضطربة، قرأ عبدالله جاب الله بيان ختامي من 3 نقاط، وهي:
- تثمين الاحتجاجات الشعبية السلمية
- الاستمرار في التشاور بين المعارضين
- فتح المبادرة أمام أطياف أخرى
لكن لم يظهر أي أثر لمرشح التوافق في بيان المعارضة.
المشكلة ليست لدينا بل في الإعلام
وبشأن تغييب النقطة الحساسة عن البيان المحرر في نصف صفحة، قال عضو المكتب الوطني لحزب العدالة والتنمية، عبدالناصر قيوس: "الإعلام هو من تحدث عن مرشح توافقي، لقد كان اجتماعاً بحثنا فيه كل هموم الوطن".
واستدل بلافتة اللقاء المكتوب عليها: "اجتماع تشاوري للمعارضة حول الانتخابات الرئاسية، وليس اجتماع حول مرشح التوافق".
وقال قيوس لـ"عربي بوست": "عندما تستدعي سياسيين من غير المعقول أن تفرض عليهم نقطة بعينها"، حسب قوله.
وخيار المقاطعة أصبح مطروحاً
في المقابل، حاول بعض المشاركين في اللقاء، نفي التطرق لقضية مرشح التوافق من أساسها مستعينين بعبارات فضفاضة مثل: "تحدثنا في كل شيء يخصّ المرحلة العصيبة التي تمر بها البلاد بسبب سلوك السلطة، ومرشح التوافق لم يكن مطروحاً".
وقال المعارض السياسي المستقل عبدالعزيز رحابي: "لم نتحدث عن مرشح التوافق، تشاورنا حول رد فعل موحد للمعارضة تجاه السلطة، وبحثنا عدة اقترحات منها الاحتجاج السلمي، المقاطعة وكل خيار نتفق عليه".
رحابي أجاب عن سؤال لـ"عربي بوست" عما إذا تدحرج مقترح مرشح التوافق، إلى أدنى الأولويات، قائلاً: "لا، لم يتدحرج، ولكننا لم نأتي للاجتماع من أجله".
الرئيس ميّت
بعد فشل المعارضة الجزائرية في الاتفاق على مرشح توافقي أمام بوتفليقة خلص الاجتماع إلى خيارات مختلفة.
فقد اتفقوا على كل شيء، ما عدا المترشح الأوحد، فالتصريحات كلها اجتمعت على رفض العهدة الخامسة بأشد العبارات.
إذ صرح رئيس حزب العدالة والتنمية عبدالله جاب الله، قائلاً: "إنها غير قانونية؛ لأن الرئيس غائب، وميت معنوياً"، حسب قوله.
وأكد دعم الاحتجاجات الشعبية المتوقعة يومي 22 و24 من شهر فبراير/شباط الجاري وتلك التي حدثت داخل وخارج الوطن.
واتفقت المعارضة أيضاً على إبقاء التواصل من أجل إمكانية اجتماعات أخرى واتخاذ قرارات قد تكون "النزول للشارع والتظاهر سلمياً، أو مقاطعة الانتخابات، وحتى الانسحاب الجماعي منها عشية الاقتراع"، مثلما يقول القيادي في حزب العدالة والتنمية عبدالناصر قيوس.
لكن المرشح التوافقي كان موجوداً على جدول الأعمال بالفعل
لكن الاجتماع قبل انعقاده كان مخصصاً بالدرجة الأولى لبحث مرشح توافقي يجمع شتات المعارضة ومنافسة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من موقع قوة.
والدليل على ذلك أن جاب الله أكد في كلمته الافتتاحية "أن تحالف المعارضة حول مرشح واحد والتعاون على برنامج واضح في الإصلاحات الدستورية والقانونية والعمل على إنجاحه هو السبيل لإنقاذ شعبها ونفسها من سوء ما يريد أصحاب العهدة الخامسة، وهو من أوجب الواجبات".
وشدد جاب الله قائلاً: "فلنقيّم مواقفنا على أساس المرشح الواحد والبرنامج الواحد بناءً اعتبار المصلحة الوطنية، ولنقدمها على المصالح الحزبية والشخصية، فالانتخابات وسيلة وليست غاية".
غير أن مجريات الاجتماع المغلق تحولت إلى قضايا أخرى على رأسها غليان الشارع، وتم التطرق لمرشح التوافق، كمقترح بسيط ضمن جملة من المقترحات، فما الذي حدث بالضبط؟
سر فشل المعارضة الجزائرية في الاتفاق على مرشح توافقي
الزعامة وحب القيادة دائماً ما كانت تتسبب في فشل مبادرات المعارضة للتوافق والعمل المشترك، كما قال خبراء ومحللون سياسيون من قبل في أحاديث سابقة مع "عربي بوست".
غير أن مسألة ترشيح "زعيم للمعارضة"، هذه المرة، ترتبط بعدة معطيات، تتجاوز الأنانية إلى حسابات تكتيكية معقدة.
إذ يعترف رئيس مجلس الشورى، لحزب العدالة والتنمية لخضر بن خلاف أن المبادرة جاءت متأخرة جداً وتعاني من ضغط الوقت، على اعتبار أن آخر أجل لإيداع ملفات الترشح سيكون يوم 3 مارس/آذار المقبل.
اللوم على يقع على بوتفليقة
وأوضح بن خلاف أن المعارضة راحت ضحية الغموض الذي صنعته السلطة، "فحتى شهر ديسمبر/كانون الأول 2018 كان سيناريو تأجيل الانتخابات الرئاسية وتمديد فترة حكم بوتفليقة مطروحاً بقوة.
ولكن فجأة تغيرت الأمور وترشح بوتفليقة لولاية خامسة مطلع فبراير/شباط الجاري".
ويقول بن خلاف: "ولو كانت الأمور واضحة لبادرنا ببحث بمرشح التوافق قبل سنة أو سنة ونصف".
والمبادرة جاءت متأخرة، ولكن الأهم الخلاف حول شخص المرشح
وتجمع أحزاب المعارضة على أن مبادرة التوافق على مرشح واحد جاءت متأخرة للغاية، وليس أمامها الوقت الكافي للتفاوض بين مختلف الساسة والقياديين للخروج برأي موحد، فقد انطلقت في النصف الثاني من شهر فبراير/شباط الجاري، أي قبل 3 أسابيع من آخر موعد لإيداع ملف الترشح.
وبعدما أسقط العسكري المتقاعد علي غديري، نفسه من مبادرة التوافق، عقب تراجعه في آخر لحظة عن تلبية دعوة حزب العدالة والتنمية، انحصر التنافس على تزعم المعارضة بين رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس ورئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري.
#حمس عبد الرزاق #مقري : " #الجزائر مازال فيها #الرجال ومن بينهم أنا." المصدر: شروق نيوز
Gepostet von Casbah Tribune am Mittwoch, 20. Februar 2019
المرشح الإسلامي عبدالرزاق مقري عرض صبيحة يوم الاجتماع، بمقر حزبه، برنامجه الانتخابي تحت عنوان "الحلم الجزائري".
وبعدما دعا بوتفليقة إلى التراجع عن الترشح لولاية خامسة، قال: "الجزائر ليست عاقراً، أنجبت رجالاً، وعبدالرزاق مقري واحد منهم".
وهذا الكلام يعني أنه حسم قراره بعدم التنازل لصالح مرشح.
وها هو الحزب الإسلامي الأكبر يسعرض عضلاته بجمع التوقيعات لمرشحه
وكشف قيادي قريب من مقري لـ"عربي بوست" أن "حركة مجتمع السلم التي تعتبر أكبر حزب إسلامي بالبلاد استكملت عملية جمع التوقيعات".
"وتنوي استعراض العضلات بتقديم 150 ألف استمارة وليس مجرد 60 استمارة مثلما ينص عليه القانون".
وقال: "إنها أنهت برنامجها الانتخابي وهيأت لوجيستيك الحملة الانتخابية ومخططها ووزعت الأدوار، بينما لم يحسم علي بن فليس مسألة ترشحه بعد".
وحزب بن فليس يخشى تلقي هزيمة منكرة أخرى
وسيقرر علي بن فليس، رئيس الحكومة الأسبق في العهدة الرئاسية الأولى لعبدالعزيز بوتفليقة، مشاركته في الانتخابات من عدمها في 28 فبراير/شباط الجاري خلال اجتماع للجنة المركزية للحزب.
وسرّبت مصادر من حزب بن فليس أن كوادر من داخل الحزب يعارضون مشاركته.
إذ يقولون: "لقد جرب بن فليس مرتين 2004 و2014، وتلقى هزيمة نكراء أمام بوتفليقة".
وحركة مجتمع السلم تخوض الانتخابات بدلاً من وضع البيض بسلة واحدة
وترى حركة مجتمع السلم، أنها الحزب المُعارض الوحيد الجاهز كلية لخوض غمار الاستحقاقات المقبلة، ولا تجد حافزاً في دعم مرشح آخر، بل وتنظر لمرشح التوافق "كمخاطرة غير محسوبة العواقب".
ويبرر هذا المصدر عدم التوافق على مرشح توافقي، قائلاً: "إن دخول الانتخابات بمرشح الاجماع، أشبه بوضع كل البيض في سلة واحدة".
وأضاف: "أنه إذا رفض ملف مرشحه لأسباب تتعلق بالشروط الدستورية أو أسباب أخرى سيقضى على المعارضة بالضربة القاضية".
والبعض يراها أنها تنسق مع الرئيس
في المقابل، اعتبر قيادي في حزب إسلامي معارض أن حركة مجتمع السلم غير مستعدة للعمل بجدية مع المعارضة.
وقال: "لقد زعمت أنها كانت سبّاقة في طرح مبادرة التوافق، لكنها في الحقيقة بحثت التوافق مع السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري، حول سيناريوهات تأجيل الانتخابات".
وبعد فشل المعارضة الجزائرية في الاتفاق على مرشح توافقي ضد بوتفليقة، فإنها قررت عقد لقاءات أخرى خلال الأيام القليلة المقبلة، من أجل بحث خطوات مشتركة بشأن التعامل مع السلطة في ملف الانتخابات.