أثار حديث الإعلامي المصري الشهير عمرو أديب عن أن مصر مرشحة لتصبح واحدة من أكبر اقتصادات العالم في عام 2050، اهتماماً كبيراً من قبل الشارع المصري.
فهذا التوقع الذي استند لتقرير اقتصادي، أعطى للكثيرين أملاً في أن المعاناة التي يقاسيها المواطن قاربت على الانتهاء، وأن البلاد تسير على الطريق الصحيح كما يقول أديب.
بينما انتقد آخرون كلام أديب أو سخِروا منه، معتبرين أنه محاولة من الإعلامي المحسوب على النظام لتجميل الواقع، وجعل المصريين يصبرون عليه.
عمرو أديب.. مصر ضمن أقوى 10 اقتصادآ
في العالم في سنة 2050
عامل زي المنوفي راكب طيارة
في المضيفه
بتقول نحن الآن على ارتفاع 3000 قدم..
قالها قولي براحتك يعني
حد ينزل يقيس وراكي😂😂— albawb mustafaa alsaeidi (@hoF1rFhsmt8GfDI) February 18, 2019
التقرير الذي استند إليه عمرو أديب، ليس حديثاً بل يعود إلى عام 2017، ويحمل عنوان "رؤية بعيدة المدى.. كيف سيتغير الترتيب الاقتصادي بحلول عام 2050".
اللافت أن أديب تحدَّث أن التقرير يقول أن القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم في 2050 ستكون الصين ثم الهند، بينما تتراجع الولايات المتحدة للمركز الثالث.
واعتبر أديب أن ذلك دليل على أن الغرب سينتهي.
ليست هذه أول مرة تنشر فيها تقارير اقتصادية تتوقع بصعود قوى غير غربية لتحل محل الولايات المتحدة كأكبر قوة اقتصادية في العالم.
مصر الـ15 بين أقوى اقتصاديات العالم عام 2050… عمرو أديب: كدة إحنا على الطريق الصحيح
مصر الـ15 بين أقوى اقتصاديات العالم عام 2050… عمرو أديب: كدة إحنا على الطريق الصحيح#الحكاية
Gepostet von MBC مصر am Sonntag, 17. Februar 2019
ولكن بعيداً عن حماسة المؤيدين للرئيس عبدالفتاح السيسي للتقرير، وسخرية المعارضين، وحيرة المواطن العادي.
فإن هناك حاجة لنظرة عميقة لمثل هذه التقارير، ومناقشة مدى صحتها، وفهم مغزاها الصحيح.
لقد قالوا هذا عن اليابان من قبل وثبت خطأهم
مجلة Forbes الأمريكية انتقدت التقرير، وقلَّلت من احتمالات تحقق توقعاته.
ولفتت المجلة إلى أنه في ستينيات القرن العشرين توقعت العديد من التقارير أن الاقتصاد الياباني سوف يصبح أكبر اقتصاد في العالم، وهو ما لم يتحقق.
تقول المجلة "لقد نمت اليابان بالفعل لعقدين من الزمن، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم".
ولكن بعد ذلك انزلقت إلى ركود مطول، دفعها إلى المركز الثالث خلف الصين.
في غضون ذلك، استمرَّت الولايات المتحدة في النمو بمعدلات ثابتة، والحفاظ على وضعها كأكبر اقتصاد في العالم.
ما الخطأ في هذه التوقعات؟
واستندت هذه التوقعات إلى فرضية زائفة، حسب المجلة، مفادها أن ما يميز الاقتصادات عن بعضها البعض هو معدلات النمو، وليس "نظام" المؤسسات والسياسات التي تلائم النمو الاقتصادي.
على ما يبدو، لم يكن لدى اليابان "النظام" الصحيح لجعل النمو الاقتصادي مستداماً، كما هو الحال مع أمريكا، حسب Forbes.
على مدار تاريخها طوَّرت أمريكا وحافظت على مجموعة جيدة من الأسواق الحرة و المؤسسات الحكومية، مع تخصيص الموارد الاقتصادية بكفاءة وفاعلية في إنتاج السلع والخدمات الخاصة، وتولي الحكومة دورها في خلق "المساواة العامة بين الناس".
فالحرية أهم من النمو الاقتصادي
تحمي الحكومة الفعالة الحريات المدنية والحريات الاقتصادية، وتعتني بالقطاعات المشاعية في الاقتصاد حينما تكون الأسواق الحرة غير كافية أو متخلّفة، مثل حالات توفير السلع العامة وشبه العامة، وحماية الجمهور في مجال الصحة، والمخاطر المرورية والمهنية والبيئية.
ولم تتمكن الصين والهند حتى الآن من تطوير مثل هذه المؤسسات حتى الآن.
ولهذا السبب ترى المجلة أن المراهنة على أن اقتصادات الصين والهند التي تتفوق على أمريكا بحلول عام 2050 ليس صحيحاً بالضرورة.
أن تصبح الأكبر ليس معنى ذلك أنك الأفضل
إحدى النقاط التي يتجاهلها المحتفون بمثل هذه التقارير، هي أن ضخامة حجم الاقتصاد ليس بالضرورة معناه قوته وسلامته.
فإجمالي الناتج المحلي (GDP)، وهو طريقة القياس الأكثر استخداماً لحجم الاقتصادات، وهو يأتي كمحصلة لمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي مضروباً في عدد السكان.
ولذلك، فإن الطبيعي أن الدول ذات عدد السكان الكبير تحتل مراكز متقدمة من حيث حجم الاقتصاد، حتى لو كان معدل دخل الفرد لديها منخفضاً.
واللافت في الدول التي يبشر التقرير بأنها ستحتل المراتب الأولى في قائمة حجم الناتج المحلي هي دول عدد سكانها كبير، مثل الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا.
وأنها ستتبوأ هذه المكانة بشكل أساسي بسبب ضخامة عدد سكانها وليس بسبب ارتفاع مستوى دخلهم.
لماذا أصبحت مصر مرشحة لتصبح واحدة من أكبر اقتصادات العالم؟
مصر مرشحة لتصبح واحدة من أكبر اقتصادات العالم في عام 2050 لأنها إحدى الدول التي يتوقع أن تسجل زيادة كبيرة في عدد سكانها.
وبفضل عدد سكانها بالأساس يرجح أن مصر ستتقدم للأمام في قائمة أكبر الاقتصاديات في العالم.
واللافت أن هذه الزيادة في السكان اعتبرها قادة مصر المتعاقبون، وآخرهم الرئيس السيسي، عبئاً على التنمية في البلاد.
#اقتصاد عمرو أديب: مصر الـ 15 بين أقوى اقتصاديات العالم عام 2050 https://t.co/ZmrzI1Wjny pic.twitter.com/AR1OaLoF1i
— الجمهورية اونلاين (@agomhuriaonline) February 18, 2019
وبالفعل، فإنه وفقاً للتقرير الذي استند إليه عمرو أديب، فإن دولاً مثل والهند وإندونيسيا ونيجيريا ومصر ستصبح من أكبر اقتصادات العالم، ولكنها ستظل تعاني من انخفاض متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي.
في حين دول مثل الصين وتركيا وإيران سوف تتمتع بمستوى دخل متوسط قريب إلى المستويات المرتفعة.
أما المملكة العربية السعودية، التي ستحتل المركز الثالث عشر، فستكون من ضمن الدول التي تتمتع بدخل مرتفع، علماً أنها كذلك الآن.
بأي طريقة يمكن حساب حجم الاقتصاد.. ماكدونالدز يقدم الإجابة
كما أن هناك إشكالية في تحديد مراتب الدول بناء على الناتج المحلي، وهي إنه يعتمد على طريقتين مختلفتين للقياس.
الأولى وفقاً للقيمة الاسمية، أي يتم احتساب قيمة الناتج المحلي المصري مقوماً بالجنيه، ثم يحول للدولار.
أما الطريقة الثانية، فهي أن يكون الناتج المحلي وفقاً للقيمة الشرائية، وهي الطريقة التي احتلت بها مصر المرتبة الخامسة عشرة في التقرير.
وإذا أردنا توضيح الفارق بينهما، فإن أفضل مثال هو شطيرة ماكدونالدز الشهيرة التي تنتج وتباع في كل أنحاء العالم تقريباً بأسعار مختلفة.
في الطريقة الأولى، أي وفقاً للقيمة الاسمية، سنفترض أن شطيرة هامبورغر الشهيرة تتكلف في الولايات المتحدة أربعة دولارات، وتُكلف في مصر دولاراً واحداً.
فإذا كانت مصر تنتج مليار شطيرة هامبورغر سنوياً فإن قيمتها تحتسب ضمن الناتج المحلي بمليار دولار، وفقاً لقيمتها في السوق المصري، أي دولار لكل شطيرة.
ولكن في الطريقة الثانية، أي وفقاً للقوة الشرائية، فإن قيمة شطيرة الهامبورغر تحتسب وفقاً للقيمة الشرائية لها في الأسواق العالمية، وتحديداً للسوق الرئيسي للدولار، أي الولايات المتحدة.
وبالتالي فإن مليار شطيرة هامبورغر تحسب على أساس سعرها في الولايات المتحدة، أي 4 دولارات للشطيرة بإجمالي 4 مليارات دولار.
The Big Mac Index, invented in 1986 by @TheEconomist, has become a global standard to check purchasing-power parity around the globe.#bigmac @McDonalds #economics pic.twitter.com/DsUOkzXdPA
— Roxane Légaré (@Roxane_L) January 22, 2019
وبالقياس على كثير من قطاعات الاقتصاد، فإن طريقة الحساب وفقاً للقيمة الشرائية تعطي نتائج أعلى بالنسبة للدول النامية، التي تكون أسعار الخدمات والسلع بها رخيصة غالباً، مقارنة بالدول الغنية ذات الأجور المرتفعة.
ولتوضيح تأثير هذا الفارق فإن الهند تحتل المركز السابع في عالم 2018 من حيث حجم الناتج المحلي وفقاً للقيمة الاسمية، بينما ترتفع للمركز الثالث في حال قيمة الناتج المحلي وفقاً للقيمة الشرائية.
وينطبق الأمر على مصر، فهي تحتل المركز الـ45 عالمياً، حسب تقدير صندوق النقد الدولي لحجم الناتج المحلي، وفقاً للقيمة الاسمية، ولكنها ترتفع وفقاً للقيمة الشرائية إلى المركز الـ21.
أيهما أكثر أهمية، وما الفارق في المغزى بين طريقتي القياس؟
يمكن القول إن كلاً منهما مؤشر لشيء مختلف.
يمثل الناتج المحلي وفقاً للقيمة الاسمية إلى حدٍّ ما قياساً لوزن البلاد النسبي مقارنة بالبلاد الأخرى.
في حين أن الناتج المحلي وفقاً للقيمة الشرائية يمثل مؤشراً لحجم الاقتصاد داخلياً.
وهو يشير إلى أن مستوى المعيشة بالنسبة للدول النامية الأرخص عادة ليس بالسوء الذي تظهره قوائم الناتج المحلي وفقاً للقيمة الاسمية.
الأهم هو معدلات النمو.. الأفقر هو الأسرع
من المهم إلقاء نظرة على معدلات النمو، كما توقعها التقرير، التي تمثل تعبيراً حقيقياً للنجاح الاقتصادي.
ولكن يجب الالتفات إلى ظاهرة اقتصادية مهمة، هي أن الدول ذات الدخل المرتفع غالباً لا تحقق معدلات نمو عالية، كالتي تحققها ما تعرف باسم الاقتصادات الناشئة.
والسبب في ذلك أن الدول المتقدمة قد اقتربت مما يمكن تسميته بسقف التقدم الطبيعي المتاح في ظل الظروف الحالية.
ولذا لم يكن غريباً أن الاقتصاد الصيني بعد أن حقق معدلات نمو مرتفعة خلال السنوات الماضية بدأ يعاني من تراجع معدلات النمو، بينما الهند الأفقر تشهد زيادة في معدلات النمو.
ووفقاً للتقرير، فإن فيتنام وبنغلاديش والهند وباكستان، وهي كلها دول تصنف أنها فقيرة أو حتى شديدة الفقر، سوف تكون صاحبة أعلى معدلات نمو من عام 2016 إلى 2050.
تأتي بعدها دول مثل الفلبين ومصر وإندونيسيا وماليزيا والصين وتركيا، وأغلب هذه الدول أعلى في مستوى الدخل من الدول السابقة الذكر.
مصر.. قصة نجاح مستقبلية كما يراها أديب أم فشل ذريع كما يتوقع المعارضون
محاولة تقييم وضع مصر الاقتصادي من الأمور الأكثر إشكالية في التعامل مع الاقتصاديات الناشئة.
فهذه الدولة العربية الأكبر، التي قامت بها ثورتان تحظى باهتمام خاص في العالم العربي، وحتى العالم كله.
ويغلب على هذا الاهتمام الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي أكثر من التقييم الموضوعي.
السيسي يدمر مصر أم يتقدم بها للإمام
ولكن مما يزيد من صعوبة التقييم التذبذب والالتباس الذي يميز التجربة المصرية.
فمنذ عهد مبارك وحتى عهد السيسي تتفاوت التقييمات المحلية والدولية للتجربة الاقتصادية المصرية.
فأحياناً تصف مجلة اقتصادية عالمية مثل الإيكونوميست السيسي بأنه يدمر مصر، مثلما قالت في عنوانها الشهير (The ruining of Egypt)، ثم تعود العديد من الجهات الدولية لتشيد بالتجربة الاقتصادية، مثلما حدث من إشادة من قبل صندوق النقد الدولي.
ترجع صعوبة التقييم إلى طبيعة الحالة المصرية ذاتها، إضافة إلى الاستقطاب السياسي حولها المشار إليه آنفاً.
فمصر لا يمكن وصفها بالدولة الفاشلة اقتصادياً، كبلد مثل فنزويلا التي وصلت بها معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، رغم امتلاكها احتياطات نفطية هائلة.
وهي ليست دولة مثل العراق والجزائر تعتمد على استيراد كل شيء تقريباً مقابل النفط، أو ذات اقتصاد مغلق تماماً مثل إيران.
في المقابل، فرغم تصنيف مصر تقليدياً ضمن الأسواق الناشئة، فإنه يظل اقتصادها أقل دينامية من معظم الاقتصادات الناشئة مثل ماليزيا وتركيا والهند.
والمفارقة أن هذا يجعله في الأغلب أقل تعرضاً للمخاطر التي تصيب الأسواق الناشة.
لدى مصر وضع مختلف نسبياً، لديها صناعة وزراعة لا بأس بهما، ولكن قدرتها التنافسية محدودة، وصادراتها قليلة بالنسبة لحجم اقتصادها.
ولكن الاستثمارات تدفقت في السنوات الأخيرة
نعم، تجتذب مصر استثمارات جيدة كما حدث في السنوات الأخيرة، ولكن أغلبها في قطاع النفط، إضافة إلى استثمارات دخلت في السنوات السابقة في أسواق المال والسندات، مستفيدة من التعويم وارتفاع سعر الفائدة.
وتظل الدعائم الأهم للاقتصاد المصري تحويلات العاملين في الخارج، والمساعدات الخليجية والدولية، وقناة السويس والسياحة المتذبذبة.
وساعدت الإصلاحات الاقتصادية، وخاصة عملية تعويم الجنيه التي نفذتها الحكومة بناء على شروط صندوق النقد في تعزيز هذه المصادر.
إذ تدفقت مساعدات الصندوق، كما أدى تحرير سعر صرف الجنيه وثباته وتقارب قيمته في الأسواق الرسمية والموازية في عودة تدفق تحويلات العاملين عبر القنوات الرسمية.
ولكن لم تحدث طفرة في الصناعة المصرية، حتى لو ازدادت تنافسيتها قليلاً في الأسواق المحلية أمام المنتج المستورد.
نجاح في السياسة النقدية، وتعسر في النهضة الصناعية
ترتبط هذه الحالة التي يصعب تقييمها بسبب تأرجحها بين النجاح واللانجاح بالمقاربة التي اتبعتها الدولة المصرية دوماً، بتشجيع من المؤسسات الدولية ودول الخليج.
إذ نجحت مصر في تحقيق تقدم بالمجال المالي والنقدي، كما حدث مؤخراً دون حدوث طفرة في المجال الإنتاجي.
ولا يبدو أن هناك تغييراً في هذه الاتجاهات، إذ رغم الحديث المتكرر عن التصدير والتصنيع فإن تركيز الحكومة ما زال على قطاعات مثل البناء، حتى إن الدولة أصبحت أكبر تاجر عقارات في البلاد.
واللافت أن رئيس الوزراء المهندس مصطفى مدبولي كان وزيراً للإسكان، وظلَّ يجمع بين المنصبين، رئاسة الحكومة والوزارة لفترة طويلة، قبل تعيين وزير إسكان مؤخراً.
في المقابل، فإن إحداث طفرة في الصناعة لا يحتاج إلى سياسة مالية ونقدية سليمة فقط.
إذ يرتبط بتطوير التعليم والبحث العلمي وخلق برامج لتشجيع الصناعة المحلية وتعزيز ثقافة العمل.
ورغم إطلاق العديد من برامج تشجيع الصناعة منذ عهد مبارك، التي تبدو ممتازة على الورق، فإن الواقع أن هذه البرامج تغرق في أروقة المركزية والبيروقراطية المصرية، التي تعتبر ميراثاً تقليدياً في الدولة المصرية، زاده الحكم الاستبدادي.
هل يعني ذلك أن مصر مرشحة لتصبح واحدة من أكبر اقتصادات العالم في عام 2050 أم لا.
بالعودة إلى ما أشارت إليه Forbes، فإن أرقام النمو الحالية، قد لاتنعكس في المستقبل مثلما حدث في اليابان.
ويشير بقاء الميراث الدولاتي المشار إليه إلى استمرار حالة الاقتصاد المصري الحالية، لا هو اقتصاد فاشل، ولا هو اقتصاد تنافسي كأقرانه من الأسواق الناشئة.
أما الترتيب فهي مسألة ليست بذات أهمية المؤشرات الأخرى مثل متوسط الدخل، ودينامكية الاقتصاد ذاته.