قالت صحيفة Washington Post الأمريكية إن خطوة ألمانيا بوقف جميع صادرات معدات الأسلحة إلى ثاني أكبر مستهلك لها، المملكة العربية السعودية، شكَّلت ضغطاً على الفور على المصدّرين الرئيسيين الآخرين للقيام بالمِثل.
وجاء الحظر الألماني الذي أقرته حكومة أنجيلا ميركل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط غضب شديد بسبب التدخل الذي قادته السعودية في اليمن وقتل الكاتب بصحيفة Washington Post جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، حيث خلصت وكالة الاستخبارات المركزية لاحقاً إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو مَن أصدر الأوامر بقتل خاشقجي.
ارتدادات القرار الألماني بدأت بتأثيرها على جيرانها
أشاد نشطاء حقوق الإنسان بألمانيا باعتبارهاً مثالاً يحتذى به على المستوى الدولي في ذلك الوقت؛ نظراً لأن صادرات ألمانيا إلى المملكة تضاءلت إلى حد كبير مقارنة بصادرات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في السنوات الأخيرة.
لم تقرر أي من هذه الدول بعد ذلك الانضمام إلى الألمان، ولكن بعد مرور 6 أشهر تقريباً، بدأت عواقب القرار تظهر الآن في بعض هذه الأماكن. تتزايد المخاوف في بريطانيا وفرنسا من أن الحظر الألماني قد يكون له تأثير كبير على صادرات معدات الأسلحة إلى السعودية من دول أوروبية أخرى.
فقد أقر ممثلو شركة BAE Systems، وهي شركة الأسلحة الرئيسية في بريطانيا، بقلقهم بشأن إمكانية وصولهم في المستقبل إلى الأجزاء المهمة من طائرات يوروفايتر تايفون، التي يجري إنتاجها جزئياً في ألمانيا. كما أثَّر حظر الصادرات على صواريخ جو – جو المخصصة لهذه الطائرات، التي ينتجها مشروع مشترك مملوك جزئياً لشركة الطيران الأوروبية Airbus، التي تعد ألمانيا من المساهمين فيها.
عندما حظرت حكومة ميركل المبيعات للمملكة في العام الماضي، لم تمنع فقط المنتجات المجمّعة بالكامل مثل السفن، ولكن أيضاً المكونات عالية التقنية التي تستخدمها الشركات في جميع أنحاء أوروبا. ربما تكون ألمانيا قد خفضت مؤخراً صادراتها الإجمالية من الأسلحة، لكنها تظل مركزاً أوروبياً لمثل هذه المكونات عالية التقنية.
وأحدثت الاضطرابات في سلسلة التوريد استجابة لاذعة من الرئيس التنفيذي لشركة Airbus، توماس إندرز، الذي نقلت عنه وكالة Reuters الأسبوع الماضي قوله: "لقد كان الأمر مثيراً لجنوننا في شركة Airbus لسنوات، إذ إنه عندما يكون هناك فقط جزء ألماني صغير ضمن طائرات الهليكوبتر على سبيل المثال، فإن الجانب الألماني كان يمنح نفسه الحق في منع بيع مروحيةٍ فرنسية مثلاً".
السعودية ستعاني من آثار القرار
بالنسبة إلى منتقدي حقوق الإنسان، هذا هو المطلوب من الحظر، حيث لا يوجد مخرج سهل للسعوديين لاستيراد الأسلحة. عندما وافق السعوديون على شراء أكثر من 70 طائرة مقاتلة أوروبية قبل عقد من الزمن، لم يشتروا الطائرات فحسب، بل اشتروا أيضاً حزمة كاملة تتضمن تدريباً للطيارين والصيانة على المدى الطويل. ولصيانة الطائرات، يتعين على شركة BAE Systems استبدال مكونات يصعب الوصول إليها الآن.
ونقلت صحيفة Financial Times ومقرها لندن عن شخص لم تسمه قوله يوم الإثنين: "سنصل قريباً إلى النقطة التي لا يستطيع فيها السعوديون الطيران بطائراتهم".
مع تدخُّلها المستمر في اليمن، قد تأتي مشاكل الإمداد في وقت حساس بالنسبة للسعودية، ولكن الأمر نفسه ينطبق على الشركاء التجاريين الأوروبيين للمملكة. فمع تبقي شهر واحد فقط قبل مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، يتشكل الخلاف بين لندن وبرلين ليمثل نقطة خلاف أخرى. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون وجود اتفاقات مسبقة يمكن أن يعطل سلاسل التوريد – مثل شركة BAE Systems – إلى حد أكبر بكثير من الحظر الألماني على صادرات الأسلحة.
بالنسبة لمؤيدي الاتحاد الأوروبي، تتركز مخاوف شركة BAE Systems على الحاجة في الحفاظ على العلاقات التجارية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أما بالنسبة لمعارضي الاتحاد الأوروبي، يبدو أن الحظر الألماني وتأثيراته في جميع أنحاء القارة يثبت العكس. فيقولون إنه ما دامت أوروبا لا تستطيع الاتفاق على قضايا مثل أطر صادرات الأسلحة المشتركة، فإن الاتحاد يظل تجربة "معيبة" إلى حد كبير في توحيد الدول القومية المختلفة.
معايير أوروبية واحدة وملزمة لتصدير الأسلحة
هذا القلق لا يقتصر حصراً على معارضي الاتحاد الأوروبي؛ إذ وسط تداعيات حظر الصادرات الألمانية إلى السعودية، شرعت ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بذل جهود مشتركة لتطوير إطار لصادرات الأسلحة الأوروبية، والذي سيجعل جميع أعضاء الاتحاد ملتزمين بمعايير معينة للموافقة على مبيعات الأسلحة في الخارج. حتى الآن، يتخذ مشرِّعو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هذه القرارات بناءً على معاييرهم الخاصة.
وقالت ميركل خلال مؤتمر الأمن في ميونيخ في نهاية الأسبوع الماضي: "إذا لم تكن لدينا ثقافة مشتركة لصادرات الأسلحة في أوروبا، فإن تطوير نظام الأسلحة المشترك سيتعرض للخطر".
يبدو أن أوروبا تتفق بشكل متزايد على أن هناك حاجة لاستراتيجية مشتركة للتنافس مع الولايات المتحدة ومنتجي الأسلحة الآخرين. لكن السؤال الأكثر أهمية يتمثل في النهج الذي سيسود: هل هو الاقتداء باستجابة ألمانيا لانتقادات حقوق الإنسان أم البديل الأكثر ربحاً الذي تنتهجه بريطانيا وفرنسا وغيرهما؟