ربما لا يختلف اثنان على أن أصعب لحظات يمكن أن تمر على إنسان هي تلك التي ينتظر فيها الموت المؤكد، دون أي حيلة. هذا ينطبق بشكل واضح على أولئك المساجين الذين ينتظرون تطبيق عقوبة الإعدام بحقهم.
في مصر على سبيل المثال، يساق المحكوم عليهم بالإعدام كل أحد وثلاثاء عند شروق الشمس في سجن الاستئناف، يسيرون بالبدلة الحمراء والشوال الأسود على وجوههم، وأيديهم مربوطة وراء ظهورهم.
يبدو المشهد مهيباً لكل من يشاهده من بعيد، لكن ماذا عن أولئك الذين يسيرون إلى الموت في استسلام تام، ما الذي يشعرون به تحديداً؟ وكيف تمر عليهم لحظة الموت المرعبة هذه؟ بل ما درجة العذاب التي تمر على أولئك الأشخاص الذين ينتظرون الموت في أي لحظة؟
في انتظار الإعدام
يمر بالسجناء الموضوعين على قائمة الحكم بالإعدام شعور انفعالي سلبي فريد من نوعه، ترجمه العلماء إلى ظاهرة علمية تسمى "ظاهرة طابور الإعدام".
هذه الظاهرة ينجم عنها نوع من الأمراض النفسية يسمى "متلازمة طابور الإعدام"، وهي مظهر من مظاهر المرض النفسي الذي يمكن أن يحدث نتيجة انتظار حكم الإعدام.
ربما لا يتعامل السجانون مع العذاب الذي يلاقيه المحكوم عليه بالإعدام في بعض دولنا العربية بكثير من الاهتمام، لكن المخاوف الأخلاقية المرتبطة بإلحاق هذه المحنة بالسجناء تسببت في بعض المخاوف القانونية بشأن دستورية عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة وبلدان أخرى.
معارضو عقوبة الإعدام يقولون إن احتجاز السجين مع عدم التأكد من مصيره يشكل نوعاً من التعذيب النفسي الوحشي، خصوصاً لطوابير الموت الطويلة.
الموت والجنون قبل الإعدام شنقاً
"متلازمة طابور الإعدام" هي اضطراب نفسي يمكن أن يمر به السجناء المحكوم عليهم بالإعدام عندما يتم عزلهم. قد يعرض السجناء المتأثرون بمتلازمة صف الموت ميولاً انتحارية وأوهاماً ذهانية. ووفقاً لبعض الأطباء النفسيين، فإن نتائج الاحتجاز على قائمة انتظار الإعدام فترة ممتدة من الزمن، خصوصاً إذا تزامنت مع ظروف معيشية سيئة، يمكن أن تسبب الجنون التام.
هذه المتلازمة لا ترتبط فقط بالانتظار، بل تتعلق بطبيعة الظروف المعيشية. معظم خلايا الإعدام تكون صغيرة. كثير منها بحجم أماكن وقوف السيارات تقريباً، وبحسب البلد، يمكن أن يكون هناك عدة أشخاص بداخلها.
أولئك السجناء الذين ينتظرون سنوات في انتظار تنفيذ حكم الإعدام يمرون بحالة عزلة مؤلمة. يبقى معظم النزلاء في زنازينهم أكثر من 20 ساعة في اليوم. ليس لدى هؤلاء أي اتصال مع أي شخص باستثناء ممثليهم القانونيين في بعض الأحيان. ويضع الحراس الطعام لهم من خلال فتحة.
هذا النوع من العزلة وانتظار التنفيذ يؤدي إلى موت بعض النزلاء بشكل طبيعي حتى قبل تنفيذ الحكم.
عملية الجلوس في انتظار تنفيذ حكم الإعدام أمر مؤلم للغاية. البعض كان يحكي عن حالة عدم اليقين التي لازمته، والتي تثير الجنون حرفياً ويمكن أن تفقد المرء إيمانه.
الأهم من ذلك، عندما يتوقف هؤلاء عن استخدام النظام القانوني للطعن في أحكام الإعدام. في الولايات المتحدة، ومنذ إعادة عقوبة الإعدام عام 1976 وحتى 2017، تنازل 145 سجيناً عن طلبات الاستئناف، وطالبوا بتنفيذ الإعدام.
الإعدام كوسيلة للتعذيب
إذا أردت أن تعرف حجم الرعب والقلق والمخاوف التي يشعر بها المحكوم عليهم بالإعدام، فيكفي أن تعرف أن "عمليات الإعدام الوهمية" أُنشئت منذ فترة طويلة لتكون وسيلة للتعذيب النفسي.
تلك الإجراءات تجعل الناس يعتقدون أنهم على وشك أن يتم إعدامهم، وتتم بإعداد الضحايا لإعدامهم، معصوبي العينين أحياناً أو يجلسون في وضع الركوع، ولكن لا يتم تنفيذ الإعدام. هذا الإجراء لا يرعب الناس فقط، بل يجعلهم يشعرون بأنهم يعذَّبون، ويزول منهم الشعور بالأمل. يفقدون كل السيطرة، حتى السيطرة على معرفة متى هم على وشك أن يُقتلوا بالفعل.
يقضي الناس سنوات في التفكير بأنهم سيُعدمون في غضون بضعة أشهر، أو بضعة أيام. يقضون الدقائق الأخيرة قبل إعدامهم معتقدين أنه قد يكون هناك إرجاء، أو معجزة ما. هذا في حد ذاته نوع من التعذيب النفسي، تظهر نتائجه السلبية عندما تحين اللحظة الحقيقية للإعدام.
لحظة الإعدام
في حالات تنفيذ الإعدام شنقاً، يقوم السجانون بوزن السجين في اليوم السابق للتنفيذ، ثم يقومون بعمل بروفة باستخدام كيس من الرمل لنفس وزن المحكوم عليه بالإعدام. يحدث هذا لتحديد طول السقطة اللازمة، لضمان سرعة كسر الرقبة.
مباشرةً قبل الإعدام، يتم ربط اليدين والساقين، وتعصيب العينين بكيس من القماش الأسود، ثم يتم وضع المشنقة حول الرقبة. يتم تنفيذ الإعدام عندما يُفتح الباب أسفل القدمين ليسقط السجين.
يتسبب وزن السجين في حدوث كسر سريع بالرقبة، ما لم يكن لدى الشخص المدان عضلات رقبة قوية، أو لُفَّ الحبل بطريقة خاطئة. ولحظة الشنق لا يجد السجين أي فرصة تُذكر للصراخ.
في كل الحالات يصبح الوجه محتقناً ثم يميل إلى اللون الأزرق. يبرز اللسان وتحدث حركات عنيفة للأطراف، التي عادةً ما تُنسب إلى ردود الفعل المرتبطة بالحبل الشوكي. قد يتبول أو يتبرز السجين لا إرادياً لحظة انكسار الرقبة. وقد يستمر القلب في الخفقان مدة تصل إلى 20 دقيقة بعد السقوط.
من المفترض دائماً أن يتسبب كسر العنق في فقدان الإحساس الفوري. يتعطل بالتأكيد الشعور الحسي للمناطق أسفل الرقبة بسرعة، ولكن الإشارات الحسية للجلد الملامس لحبل المشنقة على العنق ربما تستمر في الوصول إلى الدماغ، حتى يمنعها نقص الأكسجين في النهاية.
أبرز الآلام التي يشعر بها السجين لحظة الشنق تتمثل ففي 3 أسباب: السبب الأول يتعلق بتمدد الجلد أسفل حبل الإعدام؛ وهو ما يسبب ألماً كبيراً وشعوراً بالاحتراق في هذه المنطقة.
السبب الثاني هو لحظة خلع الفقرات العنقية، وهو ما ينجم عنه ألم شديد مثله مثل الألم الناجم عن أي كسر في الجسم. السبب الثالث متعلق بحالة الاختناق والشعور بالضيق.
إذا لم يكن كسر الرقبة سريعاً، ينتج الموت من الاختناق. الموت بالاختناق أبطأ بكثير من كسر العنق، لأنه في الاختناق يحصر انسداد الأوردة الوداجية والشرايين السباتية فقط، ولكن تحمي الفقرات الشرايين الفقرية والشوكية التي تزود الدماغ أيضاً بالدم. هذا يزيد من عذاب السجين كثيراً.