تتفاوت مواقف الدول العربية من التطبيع مع إسرائيل؛ فالبعض يحارب ويرفض كل أشكال التطبيع، بينما يفضل البعض الآخر إقامة علاقات علنية وطيبة مع تل أبيب.
لا تقتصر خيارات العرب على ما ذكر سابقاً؛ فمنهم من يعلن رفضه لإقامة أي علاقة مع "أبناء العم"، في وقتٍ يقيم فيه علاقاتٍ مميزة من تحت الطاولة.
الدول العربية ومواقف التطبيع مع إسرائيل
فيما يلي، نستعرض نبذة سريعة عن طبيعة علاقات الدول العربية بالجارة التي تأسست في العام 1948، أو ما يعرف عربياً بـ "النكبة":
العلاقات الإسرائيلية – المصرية
كانت العلاقات بين الدولتين متوترة منذ حرب العام 1948، مروراً بهزيمة مصر حرب 1967 المعروفة بـ "النكسة"، والتي خسرت خلالها شبه جزيرة سيناء.
وفي أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، انتهت المواجهة العسكرية بين القاهرة وتل أبيب رسمياً مع توقيع معاهدة السلام بعد اتفاقية كامب ديفيد في عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات.
وتعتبر اتفاقية كامب ديفيد أول اعتراف فعلي من جانب دولة عربية بإسرائيل كدولة، وتطبيع العلاقات معها.
منذ الاتفاقية الشهيرة، تملك إسرائيل سفارةً في القاهرة فيما لدى مصر سفارة في تل أبيب وقنصلية في إيلات.
لجأت القاهرة إلى سحب أو استدعاء ممثليها الديبلوماسيين من إسرائيل عدة مرات استجابةً للضغوط الشعبية؛ مرةً على خلفية الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982، تلتها أحداث الأقصى، فالانتفاضة الثانية، وكانت المرة الأخيرة أثناء حكم الرئيس المصري محمد مرسي.
وبعد سيطرة الرئيس عبد الفتاح السيسي على الحكم بنحو عام، عاد الدبلوماسيون الإسرائيليون للعمل من السفارة في القاهرة في سبتمبر/أيلول 2015، حيث تعيش العلاقات المصرية – الإسرائيلية فترةً هادئة.
أما فيما يخصّ العلاقات التجارية بين البلدين، فقد عقدت مصر اتفاقية الكويز التجارية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فضلاً عن اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل.
العلاقات الأردنية – الإسرائيلية
أول علاقات دبلوماسية رسمية بين الأردن وإسرائيل كانت في العام 1994 عندما وقع الطرفان معاهدة السلام في "وادي عربة".
منذ ذلك الحين يؤمن الأردن بضرورة استمرار الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في التفاوض بهدف الوصول إلى اتفاق عادل ودائم يفضي إلى إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل.
اتفاقية السلام تلك أدت إلى تعاون بين البلدين في مجالات عديدة منها الاقتصادية، الأكاديمية، والزراعية.
مع ذلك عانت العلاقات الثنائية بين عمّان وتل أبيب من مشاكل؛ أبرزها الموقف الشعبي الأردني المُعارض للتطبيع، وعدم استجابة إسرائيل لمبادرة السلام العربية التي تبناها العرب في مؤتمر قمة بيروت 2002.
تمر العلاقات الأردنية – الإسرائيلية بمحطات توتر من حين إلى آخر، كان آخرها مشكلة "الباقورة والغمر"، فبمبادرة من الطرف الأردني وقع الملك عبد الله الثاني أمراً في الذكرى الـ 25 لاتفاق "وادي عربة"، ينهي العمل بملحقي "الباقورة" و"الغمر"، واستعادة هذه المناطق للسيادة الأردنية بعد أن كانت مستأجرة لتل أبيب منذ 1994.
إلا أن الجانب الإسرائيلي يحاول خفض تلك التوترات بخطوة تندرج في إطار سعي نتنياهو لتطبيع العلاقة مع الدول العربية لتحقيق انتصار دبلوماسي غير مسبوق.
دول عربية على علاقة مع إسرائيل
وبعيداً عن مصر والأردن اللتان تربطهما علاقات ديبلوماسية كاملة مع إسرائيل منذ عقود، أصبحت موريتانيا ثالث دولة عربية تعترف بتل أبيب كدولة ذات كيان مستقل، فضلاً عن العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الجيدة بين البلدين.
عُمان أيضاً لها نصيب من هذه العلاقات الطيبة، حيث التقى سلطان عُمان قابوس بن سعيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتاريخ 26 اكتوبر\تشرين الأول 2018، ويسعى الطرفان للإبقاء على العلاقات التجارية الجيدة.
كذلك جرى التطبيع مع إسرائيل في المغرب وتونس اللتين تحافظان على علاقات دبلوماسية جيدة مع إسرائيل.
أما السودان، فيبدو أنه يسير باتجاه التطبيع شأنه شأن جارته جنوب السودان.
العلاقات السعودية – الإسرائيلية
منذ تأسيس المملكة في العام 1932، وقف الملك عبد العزيز مناهضاً لإسرائيل، وحاول الضغط على الحكومتين الأميركية والبريطانية، محملاً إياهما مسؤولية ما يحدث في فلسطين.
كما حاول الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز، لاحقاً أن يحذو حذو والده بالضغط على الدول الغربية، مستعملاً سلاح النفط، وكانت السعودية من أشد المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد.
لكن لاحقاً بدأت مواقف السعودية تلين تجاه الدولة الإسرائيلية حتى إن الملك عبدالله اقترح – عندما كان ولياً للعهد – مبادرة السلام العربية التي تهدف لإنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود العام 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، إلا أن الحكومة الإسرائيلية رفضت المبادرة.
اليوم يبدو أن التطبيع السعودي الإسرائيلي لم يعد ضرباً من الخيال، إذ تأخذ علاقة الرياض مع تل أبيب منحى مختلفاً تماماً، حيث يبدو أن هناك تحالفاً فعلياً بين السعودية وإسرائيل في الصراع ضد نفوذ إيران المتنامي في المنطقة.
وهذه علاقة متطورة وشديدة الحساسية بنفس الوقت.
حيث قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي إيزينكوت،"هناك مصالح مشتركة (بين إسرائيل والسعودية)، وفيما يتعلق بالمحور الإيراني فإننا في توافق تام مع السعوديين".
وكانت صحيفة The Wall Street Journal الأميركية، قد كشفت في 18 من ديسمبر/كانون الأول 2018، عن زيارة سرية قام بها اللواء أحمد عسيري، نائب رئيس المخابرات السعودية، إلى إسرائيل نيابة عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
كما كشفت عن دور فعال أيضاً قام به المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني من أجل التقارب بين السعودية وإسرائيل، لكن الأمر تعرّض لضربة قوية عقب مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
العلاقات الإسرائيلية – الإماراتية
كموقف رسمي، لا تعترف الإمارات العربية المتحدة بإسرائيل كدولة، إلا أن العلاقات بين البلدين توصف بأنها "علاقات من وراء الكواليس".
في السنوات الأخيرة، اشترك البلدان في تعاون غير رسمي واسع النطاق بسبب معارضتهما المشتركة للبرنامج النووي الإيراني والتأثير الإقليمي لإيران.
العلاقات الإسرائيلية الإماراتية آخذة بالدفء والتقارب، وكان آخر تجلياتها اللقاء الذي جمع سفيري البلدين في واشنطن رون دريمر ويوسف العتيبة، خلال حفل عشاء نظمه المعهد اليهودي لأبحاث الأمن القومي في العاصمة الأمريكية واشنطن.
تدريبات عسكرية إسرائيلية إماراتية مشتركة
وكان الجيش الإماراتي قد شارك في عدة تدريبات عسكرية مع الجيش الإسرائيلي آخرها في مارس/آذار 2018 في التدريبات الدولية السنوية المسماة "Iniohos" في اليونان
وشاركت في هذه المناورات الجوية إلى جانب الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، كل من اليونان وبريطانيا وقبرص وإيطاليا.
الجدير بالذكر أنه في العام 2017 في نفس التوقيت تقريبا في مارس/آذار شاركت الإمارات رفقة إسرائيل في هذه المناورة، ما يعني أن التطبيع الحربي الجوي مع إسرائيل أصبح عرفًا سنويًا إماراتيًا.
لقاء سري جمع نتنياهو مع بن زايد
كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، الجمعة 21 يوليو/تموز، عن أن لقاء سريا جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان.
وأشارت الصحيفة العبرية في تحقيق حصري إلى أن اللقاء السري بين نتنياهو وبن زايد تم عام 2012، في مدينة نيويورك الأمريكية.
وقالت "هآرتس": بعد سنوات من الحديث عبر وسطاء، اجتمع نتنياهو وبن زايد بداخل فندق إقامة رئيس الوزراء الإسرائيلي في مدينة نيويورك، في يوم 28 سبتمبر/أيلول 2012.
العلاقات القطرية – الإسرائيلية
بدأت العلاقات بين البلدين بعد مؤتمر مدريد 1996، حيث تم افتتاح المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة وتوقيع اتفاقيات بيع الغاز القطري لإسرائيل، ثم إنشاء بورصة الغاز القطرية في تل أبيب.
لكن في العام 2009، تدهورت العلاقات الإسرائيلية القطرية عندما دعت قمة غزة الطارئة في الدوحة، الدول العربية إلى تعليق المبادرة العربية للسلام ووقف كافة أشكال التطبيع مع إسرائيل، وإنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة.
وأدانت القمة إسرائيل لعدوانها على غزة وطالبتها بالوقف الفوري لجميع أشكال العدوان والانسحاب الفوري من القطاع، ورفع الحصار غير المشروط عنه.
وقررت الدوحة حينها إغلاق المكتب التجاري الإسرائيلي، ما جعل علاقة إسرائيل بقطر تأخذ منعطفاً آخر.
دول ترفض الاعتراف بإسرائيل
تطلق بعض الدول العربية مسمى "الكيان الصهيوني" على إسرائيل تعبيراً عن رفضها التام للاحتلال، لعل أبرز هذه الدول الكويت.
أيضاً تتصف علاقات إسرائيل مع واليمن والجزائر بالتوتر حيث لا تعترف هذه الدول بإسرائيل وترفض التطبيع معها.
وساد التوتر سابقاً بين العراق تحت حكم الرئيس الراحل صدام حسين وإسرائيل، أما اليوم فيسود الفتور العلاقات العراقية – الإسرائيلية.
فرغم القطيعة الديبلوماسية، شطبت إسرائيل اسم العراق من قائمة الدول الأعداء.
أما سوريا التي تعلن عداءها لإسرائيل وينصّب رئيس نظامها بشار الأسد نفسه زعيماً لتيار "المقاومة والممانعة"، فإن إسرائيل عبّرت غير مرة عن تمسكها ببقائه في السلطة.
فبحسب مسؤولين إسرائيليين مثل أفيغدو ليبرمان ، فإن الأسد يسير على نهج أبيه في "حماية" الحدود السورية – الإسرائيلية التي لم تشهد أي تصعيد عسكري منذ احتلال تل أبيب لمرتفعات الجولان السورية في 1973.
لبنان أيضاً تحمل رسمياً راية "المقاومة والممانعة" بقيادة حزب الله المدعوم من إيران.