من المرجح أن يكون الوضع المالي للمواطنين الأتراك وقضية الأكراد في مقدمة اهتمامات معظم الناخبين عندما تتجه تركيا إلى الانتخابات البلدية في 31 مارس/آذار 2019، حيث ستكون الانتخابات مؤشراً على مدى شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم.
في عام 2014، في المرة الأخيرة التي قام فيها الناخبون بانتخاب رؤساء البلديات في تركيا، حصل حزب العدالة والتنمية على أكثر من 40% من الأصوات، منهياً الانتخابات بفارق كبير عن حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، الذي حصل على حوالي ربع الأصوات، بالإضافة إلى حزب الحركة القومية اليميني المتطرف وحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد.
تقرير لموقع Stratfor الأمريكي يرصد كيف تتصارع الأحزاب التقليدية وايضاً الجديدة للحصول على المزيد من التمثيل على المستوى المحلي في الانتخابات المقبلة.
ويوضح تقرير الموقع الأمريكي كيف أن الرهانات السياسية الآن وبعد مرور ٥ سنوات على انتخابات المحليات الأخيرة أصبحت أعلى من أي وقت مضى، حيث تتصارع الأحزاب بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد، ونهج الحكومة القائم على أولوية الأمن في قضية الأكراد.
ويتربع زعيم حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يحظى بشعبية كبيرة تبلغ حوالي نصف عدد السكان على قمة دولة قوية اليوم، والانتخابات المقبلة لن تتحدى سيطرة أردوغان على السلطة، إلا أنها ستقدم اختباراً قانونياً نادراً لشرعية حزبه الشعبية الفعلية. مع أخذ ذلك في الاعتبار، ستكون الانتخابات المقبلة بمثابة محدد لوضعية حزب العدالة والتنمية.
هل سيفوز حزب أردوغان في الانتخابات المحلية؟
تحول حزب العدالة والتنمية إلى آلة انتخابية، حيث يكسب الانتخابات واحدة تلوى الأخرى بمرور الوقت، وقوته الحالية ودرجة شعبيته توحي بأن الانتخابات القادمة لن تكون مختلفة.
ببپفي حين أن منافسيه يتعاملون مع شريحة من سكان تركيا، فإن حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي يتمتع بدعم كل المجموعات السكانية تقريباً في البلاد.
قبل الانتخابات العامة في العام الماضي، دعم حزب العدالة والتنمية قاعدته القومية والمحافظة من خلال الدخول في "تحالف الشعب" مع حزب الحركة القومية.
هذه الأحزاب تتعاون مرة أخرى هذه المرة، وتدير حملة تغذيها الشعوبية الاقتصادية والسياسات القومية التي أصبحت بمثابة الدعامات والشعارات الأساسية للحكومة.
على الجانب الآخر، هناك تحالف الأمة الذي يصطف ضد حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، ويضم هذا التحالف حزب الشعب الجمهوري العلماني وحزب الخير، وهو حزب يميني منشق عن حزب الحركة القومية.
منافس العدالة والتنمية يعيش حالة من الفوضى الداخلية
وتطالب هذه الأحزاب مجتمعة بإنهاء الفساد والإصلاح الهيكلي الجذري للاقتصاد، بينما يرفعون أيضاً علم القومية التركية. لكن أحزاب المعارضة، ولا سيما حزب الشعب الجمهوري، واجهت حالة من الفوضى في الأسابيع الأخيرة، مما وفر دافعاً سهلاً لحزبي العدالة والتنمية والحركة القومية لمهاجمة المعارضة باعتبارها غير منظمة.
ونشرت وسائل الإعلام الرئيسية العديد من التقارير حول سلسلة من الاستقالات داخل حزب الشعب الجمهوري، وصورت الحزب -الأقدم في تركيا- على أنه غير جدير بالثقة ومبتلى بالخلافات من الداخل. وسواء كان منظماً أم لا، فقد أثبت حزب الشعب الجمهوري أنه عاجز عن كسر حاجز الدعم الانتخابپي البالغ 25٪ خلال ثلاثة عقود؛ بالنظر إلى هذا الوضع، من المرجح أن يظل حزب الشعب الجمهوري محصوراً في معاقله الساحلية الغربية في الانتخابات البلدية المقررة في 31 مارس/آذار.
إلى جانب شعبيته الهائلة، يسيطر حزب العدالة والتنمية أيضاً سيطرة شبه كاملة على مؤسسات الدولة – ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الاستفتاء على الدستور في عام 2017 الذي منح أردوغان سلطات معززة بشكل كبير – بمعنى أنه في وضع جيد يسمح له بتجنب الامتثال لبعض القوانين لانتزاع الفوز عند الضرورة.
كما أعطت محاولة الانقلاب في عام 2016 الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية الفرصة لاستخدام حالات الطوارئ لتشكيل السياسات والمؤسسات لصالحها.
أما حزب الشعوب الديمقراطي فهذا ما حل به
منذ عام 2016، يعمل حزب العدالة والتنمية على تهميش حزب الشعوب الديمقراطي، متهماً إياه بالعمل لمصلحة حزب العمال الكردستاني المحظور. في عام 2018 وحده، ألقت السلطات التركية القبض على 15 عضواً من أعضاء البرلمان السابقين أو الحاليين التابعين لحزب الشعوب الديمقراطي، وعيّنت أمناء في 94 من 97 بلدية فاز بها حزب الشعب الديمقراطي عام 2014، وألقت القبض على 50 رئيس بلدية واحتجزت أكثر من 2000 عضو من أعضاء الحزب.
ومن المؤكد أن مثل هذه السياسات ستفوز بدعم عدد كبير من الناخبين الأتراك الذين يعارضون حزب العمال الكردستاني بشدة، لكن تأثيرها على ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي لن يتضح إلا في 31 مارس/آذار، حيث يمكن لبعضهم أن يتجنب تلك الانتخابات.
في الوقت نفسه، يبدو أن الحكومة تتخذ إجراءات أخرى لضمان النجاح في المناطق الكردية، بما في ذلك طرح بعض برامج التنمية الاقتصادية الصغيرة في الجنوب الشرقي.
وفي الشهر الماضي، اتهم حزب الشعوب الديموقراطي السلطات التركية بتسجيل ناخبين وهميين بعناوين إقامة وهمية في قلب المناطق الداعمة للحزب المؤيد للأكراد، جنوب شرق الأناضول.
بالإضافة إلى ذلك، أجبر استئناف العنف بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني في عام 2015 العديد من الأشخاص في المناطق ذات الكثافة العالية المؤيدة لحزب الشعوب الديمقراطي على الهجرة إلى الغرب.
الأزمة الاقتصادية على رأس ما يقلق العدالة والتنمية
يعتقد الموقع الأمريكي أن الأزمة الاقتصادية الراهنة تقلق حزب العدالة والتنمية، بشكل رئيسي فمؤشرات البطالة ربما يكون لها تأثير سلبي، وبحسب تقرير الموقع الأمريكي ففي الشهر الماضي وحده، فقد 211،000 شخص وظائفهم، وفقاً لصحيفة Sozcu، وهي صحيفة معارضة.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت تكلفة الغذاء بنسبة 30% على أساس سنوي؛ فقد ارتفعت الفواكه والخضراوات بنسبة هائلة بلغت 60٪.
وساهمت كل من قيمة الليرة المتقلبة والتضخم المرتفع وارتفاع تكاليف المعيشة والمستويات القصوى من ديون الشركات، في الشعور بعدم الاستقرار الاقتصادي في تركيا. ونتيجة لذلك، هناك عدد أقل من الوظائف المعروضة في مجالات البناء وال والزراعة – وجميعها قطاعات بالغة الأهمية في قلب الأناضول، معقل حزب العدالة والتنمية.
بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، تمثل هذه العوامل مزيجاً سيئاً قبل الانتخابات. يذكر أن حزب العدالة والتنمية جاء إلى السلطة في عام 2002 بناء على أفكار جديدة لتحويل الاقتصاد، الذي دخل في ركود في فترة التسعينيات المتقلبة.
وتحاول الحكومة التعاطي مع ارتفاع أسعار الفواكه والخضراوات بشكل كبير، حيث أنشأت نقاط بيع محلية تقدم منتجات بأسعار مخفضة. وحقق بائعو الخضراوات المحمولة نجاحاً كبيراً مع السكان المحليين (حوالي 300 طن من الخضراوات نقلوا من الرفوف في غضون أسبوعين فقط)، لكن المعارضة أعلنت أن هذه الخطوة هي لعبة شعبية غير مجدية اقتصادياً.
ويعكس ظهور نقاط البيع مخاوف الحكومة بشأن التأثير السياسي المحتمل للسماح لقوى السوق بأن تتفاعل بصورةٍ طبيعية عشية الانتخابات.
المعركة الكبيرة في إسطنبول
وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية قد وصم حزب الشعب الجمهوري بأنه غير جدير بالثقة وغير صالح للحكم، فإن الأخير يبذل جهوداً لتجديد نفسه في ساحات المعارك الانتخابية الرئيسية، بما في ذلك أكبرها، وهي بلدية إسطنبول الكبرى.
تجدر الإشارة إلى أنه لم يحدث أن فاز حزب الشعب الجمهوري أو أحد أسلافه ببلدية إسطنبول منذ عام 1994، فقد استحوذ حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان على بلدية إسطنبول منذ ذلك الحين، وقد دفع أردوغان بأحد أخلص رجاله وهو بن علي يلدرم رئيس الحكومة السابق والرئيس الحالي للبرلمان للمنافسة على بلدية إسطنبول.
ولكن يأمل حزب الشعب الجمهوري في أن يتمكن مرشحه الجديد أكرم إمام أوغلو من الفوز ببلدية إسطنبول.
وتراهن المعارضة التركية على المشكلة الاقتصادية للانتقاص من قوة حزب العدالة والتنمية، إلا أن المشاكل الاقتصادية،
وبالتالي، ستسعى أحزاب المعارضة لسحب شرعية حزب العدالة والتنمية تدريجياً من خلال اللعب على القلق الاقتصادي الذي يعاني منه الأتراك. ولن يكون كافياً فقط بالنسبة لأحزاب المعارضة إزاحة حزب العدالة والتنمية من الفوز بانتخابات 31 مارس/آذار المقبلة، لكن يأملون أن تستمر جهودهم لإيقاف مسيرة الحزب الحاكم بشكل نهائي.