يتطلب تشخيص المرض أخذ الكثير من المعلومات وتجميع بياناتٍ مختلفة مع بعضها البعض. وقد يكون الذكاء الاصطناعي مناسباً لمثل هذه المهمة، ففي بعض الاختبارات الحديثة، استطاع نظامٌ واحد تشخيص أمراض الأطفال أفضل من بعض الأطباء.
دراسة بمعاونة أطباء متخصصين
بحسب ما نشره موقع مجلة News Scientist،عكف كانغ تشانغ، من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وزملاؤه على تدريب الذكاء الاصطناعي على سجلاتٍ طبية خاصة بـ1.3 مليون مريض في مركزٍ طبي كبير بمدينة غوانتشو الصينية. وكان جميع المرضى تحت سن 18 عاماً، وزاروا طبيبهم بين يناير/كانون الثاني من عام 2016 والشهر نفسه من عام 2017.
وتتضمَّن المخططات الطبية لهؤلاء المرضى نصوصاً كتبها بعض الأطباء، ونتائج فحوص معملية. ولمساعدة الذكاء الاصطناعي، طلب زانغ وفريقه من بعض الأطباء البشريين كتابة بعض الشروحات القصيرة على السجلات الطبية لتحديد أجزاء النص المرتبطة بشكوى الطفل، وتاريخ المرض، والفحوص المعملية.
البشر ليسوا مثاليين..الذكاء الاصطناعي كذلك!
حين اختُبِر الذكاء الاصطناعي على حالاتٍ لم يتدرَّب عليها من قبل، استطاع تشخيص الحمى الدودية (المعروفة أيضاً باسم داء الوحيدات) والطفح الوردي والإنفلونزا وجدري الماء والحمى القلاعية بدقةٍ تتراوح بين 90 و97%. ويقول تشانغ إنَّ الذكاء الاصطناعي ليس مثالياً، لكنَّ الأطباء البشريين ليسوا مثاليين أيضاً.
وأضاف تشانغ: "حين تكون مشغولاً، يمكنك أن ترى 80 مريضاً يومياً. ولا يمكنك حينئذٍ سوى تعبئة دماغك بكمٍّ هائل من المعلومات. وهنا يمكن أن نرتكب، نحن الأطباء البشريين، أخطاء. لكنَّ الذكاء الاصطناعي لا يضطَّر إلى النوم، ولديه ذاكرة كبيرة ولا يفقد الطاقة".
وقارن الفريق دقة النموذج الاصطناعي مع دقة 20 طبيب أطفال لديهم سنوات خبرة مختلفة. فوجدوا أنَّ النموذج تفوق على الأطباء الأقل خبرة، لكنَّ الأطباء الأكثر خبرةً كانوا أفضل منه.
توافر البيانات يعزز الفُرص
وتمكَّن الفريق من استخدام النموذج في ترتيب حالات مرضى الطوارئ حسب مدى استعجال كل حالة. وقال تشانغ: "عند توافر بياناتٍ كافية، ينبغي أن يكون الذكاء الاصطناعي قادراً على معرفة ما إذا كانت حالة أحد المرضى عاجلة وتحتاج إلى إحالة أم أنَّها عادية".
وقال كريس راسل، من معهد آلان تورينغ في لندن، إنَّ هذا لن يجعل الناس يستغنون عن الأطباء تماماً عند طلب العلاج الطبي.
لأنَّ هذه السجلات الطبية ما زالت بحاجةٍ إلى إنشائها على يد محترفين مُدرَّبين، ومعرفتها أساسية للتشخيص.
وأضاف: "يجب أن يكون هناك شخصٌ ما يناقش الأعراض ويضعها في الجهاز. لا أرى كيف يمكن أن تتسبب هذه التقنية في الاستغناء عن الأطباء. صحيحٌ أنَّها يمكن استخدامها لمساعدتهم، لكنَّنا ما زلنا بعيدين للغاية عن حلول هذه التقنية محل الأطباء المحترفين".
المساوئ موجودة..
لكنَّ هذه التقنية لها مساوئ أيضاً، فمن المحتمل أنَّ الأطباء المبتدئين الذين قد يعتمدون على هذا الذكاء الاصطناعي في إجراء التشخيص ربما يفوتهم تعلُّم كيفية رؤية الأنماط في شكاوى المرضى. وقد يشعر الناس بعدم الارتياح تجاه هذا النوع من الرعاية الطبية.
إذ قال راسل: "إذا استُخدِم هذا النموذج في التعامل المباشر مع المريض الذي سيكون مُطالباً بكتابة أعراضه في الجهاز، أظنَّ أنَّ المرضى سيكونون غير مرتاحين لهذا الأمر. فحين تذهب لزيارة الطبيب، تريد أن تشعر بأنَّ هناك شخصاً ما يهتم بك".
بينما قال تشانغ: "لكنَّك لا تريد الذهاب إلى غرفة الطوارئ والانتظار 5 ساعات لأنَّك تعاني من بعض الألم في البطن الذي لا يُعد التهاباً في الزائدة الدودية بل يتعلق فقط بالتهاب المعدة والأمعاء أو الطعام الذي تناولته.
كل هذه الأمراض لها علاماتٌ توضِّح طبيعتها، لذا فبينما نسأل المرضى بعض الأسئلة لتشخيص المرض، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعل الأمر نفسه".
جديرٌ بالذكر أنَّ تشانغ وفريقه يُدرِّبون الذكاء الاصطناعي حالياً على تشخيص أمراض البالغين كذلك.