اكتشف بعض العلماء أدلةً على أنَّ الجهاز التناسلي الأنثوي مُشكَّلٌ بطريقة يختار أفضل الحيوانات المنوية ويمنع الحيوانات المنوية الضعيفة -وليس فقط البطيئة- من الوصول إلى البويضات.
واستخدم الباحثون نماذج صغيرة الحجم ومحاكاةً حاسوبية أظهرت أن الفتحات الضيقة التي تعد مثل بوابات، على طول مسار الحيوانات المنوية الشاق من عنق الرحم إلى البويضة، لا تسمح إلَّا بمرور أسرع الحيوانات المنوية.
وكشفت التجارب التي أُجريت على حيوانات منوية مأخوذة من بعض الرجال والثيران، أن الحيوانات المنوية الأقوى كانت أنجح في اجتياز الفتحات الضيقة، والمعروفة باسم strictures أو "التضييقات".
أما الحيوانات الأضعف، فظلَّت عالقةً في التيارات القادمة التي دفعتها إلى الوراء حين اقتربت أكثر من اللازم.
وقال علي رضا عباس بوراضي، وهو كيميائي وأحد مؤلِّفي الدراسة الرئيسين ويعمل أستاذاً مساعداً بجامعة كورنيل في نيويورك: "يتمثَّل التأثير العام لهذه القيود، في منع الحيوانات المنوية البطيئة من المرور من خلالها، واختيار الحيوانات المنوية الأسرع".
الإخصاب الطبيعي معركة وحشية
لدى البشر والثدييات الأخرى، يبدأ السباق بالاندفاع المفاجئ لأكثر من 60 مليون حيوان منوي.
ويكون كلٌّ منها عازمٌ على الاندماج مع البويضة، لكنَّ على كل حيوان منوي التفوق على جميع الحيوانات المنافِسة، وتحمُّل المخاطر المتمثلة في السوائل الحمضية والهجوم المناعي، من أجل النجاح في ذلك.
صحيحٌ أنَّ مهارات الحيوانات المنوية بالسباحة قد دُرِسَت من قبل، لكنَّ العلماء في كورنيل درسوا بالتحديد مدى نجاح الحيوانات المنوية في رحلتها حين وصلت إلى أجزاء ضيقة في الجهاز التناسلي الأنثوي، مثل الفتحة الصغيرة بين الرحم وقناة فالوب.
Is sperm motility the same as sperm swimming?
.
.#sperm #fertilization #fertility #menshealth #men #sperms #infertility #IVF #baby #pregnancyhttps://t.co/LbmhOH8JJR pic.twitter.com/0s8iYWRVRS— Opionato (@Opionato) February 14, 2019
سباق تحديات وعراقيل على الطريق
إذ تُشكِّل هذه الفتحات تحدياً خاصاً، لا سيما أنَّ الحيوانات المنوية تسبح ضد التيار، بمعنى أنها يجب أن تشق طريقها في السوائل التي تتدفق نحوها.
وقال علي رضا: "إذا نظرت إلى تشريح الجهاز التناسلي في الثدييات، فإنه يمكنك أن ترى أنَّ أبعاد القناة التي تؤدي إلى البويضة ليست ثابتة".
وأضاف: "في بعض المناطق، تضيق جداً لدرجة أنَّ عدداً قليلاً فقط من الحيوانات المنوية هو الذي ينجح في عبورها، في حين تفشل الحيوانات الأخرى".
ولمعرفة كيفية تصرُّف الحيوانات المنوية عند المناطق الضيقة، ابتكر علي رضا وزملاؤه جهازاً صغيراً "خاصاً بالموائع الدقيقة" يحاكي المناطق الضيقة التي تضطر الحيوانات المنوية إلى التحرُّك فيها.
وكان الجهاز يحتوي على 3 حجيرات صغيرة على شكل عين مفصولة بعضها عن بعض بفتحاتٍ ضيقة.
وضبط العلماء الجهاز بحيث تضطُّر الحيوانات المنوية التي تُحقَن فيه إلى السباحة ضد سائل متحرك، للوصول إلى الفتحات الضيقة.
السرعة ليست معياراً للنجاح
وكتبوا بالدراسة التي نُشِرت في دورية Science Advances العلمية، شرحاً يوضِّح كيف أن بعض الحيوانات سبحت بسرعة كافية ونجحت في المرور من خلال الفتحات الضيقة، لكنَّ معظم الحيوانات ظلت عالقة في التيار القادم عكس اتجاهها.
وأظهر مقطع فيديو، الحيوانات المنوية وهي تسبح لتصل إلى الفتحات الضيقة، وتتعرَّض لدفعٍ إلى الوراء، ثم تتلقى دَفعةً أخرى.
وتصرَّفت كل من الحيوانات المنوية المأخوذة من البشر والثيران، بالطريقة نفسها حين علقت عند مدخل إحدى الفتحات الضيقة.
إذ تحرَّكت بوضعٍ جانبي على شكل حرف 8، أو على شكل فراشة، متجهةً نحو الفتحة بمحاذاة أحد جدران الحجيرة، قبل أن تُدفَع إلى الوراء على الجدار المقابل، ثم سبحت مرة أخرى نحو الفتحة، لكنَّها جُرِفَت في الاتجاه المعاكس مرةً أخرى.
والصراع على البويضة ينجح فيه الأقوى والأفضل
وقال علي رضا: "الجزء الأكثر إدهاشاً لنا كان الطريقة التي سبحت بها الحيوانات المنوية على هذا المسار، الذي كان على شكل فراشة.
فشكل المسار يؤدي إلى تراكم الحيوانات المنوية بحيث تبقى الحيوانات المنوية الأسرع أقرب إلى الفتحة وبعضها إلى بعض، في حين تنجرف الحيوانات المنوية مع التيار المتدفق وتتناثر بعيداً".
أي إنَّ الحيوانات المنوية الأفضل بالسباحة هي التي تنجح في المرور.
وفي إحدى التجارب، شقَّ حيوان منوي كان يسبح بسرعة 84.2 ملليمتر في الثانية طريقه بإحدى الفتحات الضيقة، في حين أنَّ الحيوانات المنافسة ظلَّت عالقة بالتيارات التي كانت تدفعها إلى الخلف كلما حاولت المرور.
وجُرِفَت الحيوانات المنوية الأضعف إلى أبعد نقطة، تاركةً للحيوانات القوية فرصةً أفضل للنجاح في المحاولات التالية.
المرأة تختار أفضل الحيوانات المنوية لاشعورياً
وقال ألان باسي، أستاذ علم الذكورة في جامعة شيفيلد، لصحيفة The Guardian: "تُظهِر النتائج أنَّ الحيوانات المنوية الأسرع، والأفضل بالتبعية، هي التي يمكن أن تمر من هذه الفتحات الضيقة ضد تدفق السوائل. وهذا منطقيٌّ تماماً من الناحية البيولوجية، وسيساعد في شرح كيف أنَّ الجهاز التناسلي الأنثوي قادر على ضمان وصول أفضل الحيوانات المنوية إلى البويضة".