جيمس دورسي: الزميل البارز في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، والمدير المشارك لمعهد جامعة فورتسبورغ للثقافة الجماهيرية.
قال موقع LobeLog الأمريكي، إن أهم إدانة جِدّية برزت حتى الآن لحملة القمع الوحشية، التي تشنها الصين ضد الأقلية المسلمة في إقليم شينغيانغ شمال غربي البلاد، كانت من تركيا.
حيث طالبت وزارة الخارجية التركية، في نهاية هذا الأسبوع، السلطات الصينية باحترام حقوق الإنسان للمسلمين الإيغور، وإغلاق ما سمَّته "معسكرات اعتقال"، يُعتقد أن ما يصل إلى مليون شخص معتقلون تعسفياً بها.
شاعر وموسيقي إيغوري فجَّر غضب تركيا
وصف هامي أكسوي، المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، حملة القمع الصينية بأنَّها تُمثّل "إحراجاً للإنسانية"، قائلاً إنَّ وفاة الشاعر والموسيقي الإيغوري المعتقل عبدالرحيم هييت، قد دفع وزارة الخارجية التركية إلى إصدار بيانها.
ووفقاً لأدريان زينز، الباحث في المدرسة الأوروبية للثقافة واللاهوت، الذي أدَّى عملاً رائداً لمواجهة حملة القمع الصينية في شينغيانغ، كان هييت يرمز إلى الروابط الثقافية والتاريخية لمسلمي الإيغور مع العالم التركي.
وكانت وسائل إعلام تركية قد أكَّدت أنَّ هييت، الذي كان يقضي عقوبة بالسجن مدتها 8 سنوات، قد تعرَّض للتعذيب حتى الموت.
وقال أكسوي إنَّ تركيا تطالب الدول الأخرى والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، باتخاذ خطوات لإنهاء "المأساة الإنسانية" فى شينغيانغ.
ومن جانبها، رفضت السفارة الصينية في أنقرة بيانَ الخارجية التركية، ووصفته بأنَّه "تزييف للحقائق"، مُصرّة على أنَّ الصين تحارب النزعات الانفصالية والتطرّف والإرهاب، ولا تسعى إلى "محو" الهوية الدينية أو الثقافية أو العرقية للإيغور.
تركيا ترفع سقف المخاطر والتحدي
يختلف بيان أكسوي بوضوح مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل ستة أشهر، أنَّ الصين هي الشريك الاقتصادي المستقبلي لتركيا. وكانت تركيا، في ذلك الوقت، قد أمَّنت الحصول على قرض بقيمة 3.6 مليار دولار لقطاع الطاقة والاتصالات لديها، من البنك الصناعي والتجاري الصيني.
يُشكِّل البيان التركي أول صدع بارز في جدار صمت العالم الإسلامي، الذي مكَّن استمرار الاضطهاد الصيني للإيغور في أكبر حملة هجومية مباشرة على الإسلام في الذاكرة الحديثة، ولعل أهمية ذلك البيان تتجاوز التطورات في شينغيانغ.
كما هو الحال مع الإدانة الإسلامية لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في العام الماضي، بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، يبدو أنَّ تركيا تريد أن يُنظر إليها باعتبارها متحدثة باسم العالم الإسلامي، في منافستها مع المملكة العربية السعودية، وبدرجة أقل إيران.
وعلى الرغم من أنَّه من غير المحتمل أن تحذو السعودية أو إيران حذو تركيا في أي وقتٍ قريب، يرفع البيان التركي سقف المخاطر والتحدي، ويضع منافسين آخرين على قيادة العالم الإسلامي في وضع دفاعي.
انتقادات إسلامية خجولة
ظلَّ معظم العالم الإسلامي صامتاً بوضوح، باستثناء القادة الماليزيين فقط، الذين أظهروا موقفاً معارضاً للاضطهاد الصيني للإيغور، وقدَّموا مثالاً على ذلك في العام الماضي، عندما رفضوا مطالب صينية بتسليم مجموعة من طالبي اللجوء الإيغور إلى الصين. وسمحت ماليزيا، بدلاً من ذلك، لتلك المجموعة بالسفر إلى تركيا.
وجاء البيان التركي بعد أيام من تنظيم أربعة أعضاء إسلاميين في البرلمان الكويتي أول احتجاج علني في العالم العربي، ضد حملة القمع الصينية لمسلمي الإيغور.
على النقيض من ذلك، تراجع مسؤولون باكستانيون عن انتقاداتهم الأولية، وبدت الاحتجاجات في بلدان مثل بنغلاديش والهند متناثرة مُتَبَدِّدة في أحسن الأحوال.
ومِثل البيان التركي، يثير الخلاف بين كبار الزعماء الدينيين الإندونيسيين والحكومة، بشأن كيفية الرد على حملة القمع الصينية، وتساؤلات حول استدامة جدار الصمت.
إذ رفض نائب الرئيس الإندونيسي، محمد يوسف كالا، مطالبة مجلس العلماء الإندونيسي، الذي يُعد أعلى هيئة دينية في البلاد، للحكومة، بإدانة حملة القمع الصينية ضد المسلمين الإيغور، مؤكداً أنَّ الحكومة الإندونيسية لن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
وكان مجلس العلماء الإندونيسي واحداً من أوائل، إن لم يكن الأول الهيئات الدينية الإسلامية الكبرى، الذي تحدَّث علناً عن أحوال الإيغور. وجدير بالذكر أنّ الشيخ معروف أمين، رجل الدين الإندونيسي ورئيس المجلس الاستشاري لجمعية نهضة العلماء، أكبر منظمة إسلامية في العالم، سيخوض الانتخابات المقررة في شهر أبريل/نيسان، باعتباره مرشح الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو لشغل منصب نائب الرئيس.
ما تأثير البيان التركي على القضية؟
في الوقت نفسه، يُمكن أن يكون للبيان التركي تأثيره المباشر الأكبر في منطقة آسيا الوسطى، التي تربطها علاقات عرقية وثقافية وثيقة بإقليم شينغيانغ مثل تركيا، وتكافح من أجل تحقيق التوازن بين علاقاتها مع الصين والحاجة إلى أن يُنظر إليها باعتبارها داعمة ومدافعة عن حقوق مواطنيها والمجتمعات التي تربطها صلات عرقية بها.
في كازاخستان، قد يتسبب الموقف التركي الحازم المكتشف حديثاً تجاه الصين في جعل مسألة إعادة ساياغول ساوتباي، وهي مواطنة صينية من أصل كازاخستاني، إلى الصين، أصعب على الحكومة الصينية. كانت ساوتباي، التي كانت تعمل في معسكرات "إعادة التأهيل"، قد فرَّت بشكل غير قانوني إلى كازاخستان للانضمام إلى زوجها وطفلها.
ساوتباي، التي خضعت للمحاكمة في كازاخستان العام الماضي، لدخولها البلاد بصورة غير قانونية، هي المُدربة الوحيدة التي عملت في معسكرات "إعادة التأهيل" في شينغيانغ، حيث درَّست للمعتقلين في تلك المعسكرات لغة الماندرين الصينية، ودعاية الحزب الشيوعي الصيني الحاكم. وتحدثت ساوتباي علناً عن كل ذلك.
رفضت كازاخستان طلب ساوتباي للجوء على أراضيها مرتين، وهي تستأنف ضد هذا القرار. ويُعتقد أنَّ الصين ستطالب الحكومة الكازخستانية بتسليمها إلى سلطات شينغيانغ.
وبالمثل، قد يؤثر بيان تركيا على مصير رجل الأعمال الصيني قاليمبك شاهمان، الذي ينحدر من أصل كازاخستاني، وجرى احتجازه في مطار العاصمة الأوزبكية طشقند، بعد منعه من دخول كازاخستان.
وقال شاهمان في مقطع فيديو أرسله إلى إذاعة "آسيا الحرة" من مطار طشقند: "وُلدت في مقاطعة إيمين، الواقعة في إقليم شينغيانغ ذاتي الحكم لقومية الإيغور في الصين لعائلة زراعية. أردت الذهاب إلى كازاخستان لأنَّ سجل حقوق الإنسان في الصين يجعل الحياة فيها لا تُطاق". وأضاف: "أتعرض لفحص بطاقة هويتي كل 50 إلى 100 متر، عندما كنت في شينغيانغ، وهذا جعلني أشعر بالقلق الشديد ولا أستطيع تحمُّل ذلك بعد الآن".
وأوضح شاهمان، الذي يعمل مرشداً لرجال الأعمال الأجانب، أنَّ أعماله التجارية توقَّفت بسبب عمليات الفحص المستمرة، التي أثارت تساؤلات في أذهان عملائه، ودفعت رجال الأعمال المحليين إلى عدم العمل معه.
ويُعلِّق سعيد زينز، باحث من شينغيانغ، على أهمية البيان التركي قائلاً: "إنَّ ظهور موجة غضب عارمة وسط مسلمي العالم، كان حلقة رئيسية مفقودة في سلسلة الدعم العالمي لشينغيانغ. يبدو، من وجهة نظري، أنَّ إجراءات الصين في شينغيانغ تجاوزت أخيراً خطاً أحمر بين المجتمعات المسلمة في العالم، على الأقل في تركيا، بل ومن المحتمل في أماكن أخرى أيضاً".